معمودية يسوع .. معموديتنا
أولاً في شرح الألفاظ، كلمة الغطاس مصدرها فعل غطس أي نزل في الماء، انغمس فيه، نسبةً لنزول الرب يسوع الى الماء في نهر الأردن ليعتمد على يد يوحنا. أما مصطلح الدنح فهو لفظة سريانية "دْنَح، دِنحو" أي ظهر. ظهور في اليونانية Epiphania نسبةً لظهور او اعتلان السيد المسيح كإله، بعد ظهوره في الناصرة كإنسان طيلة 30 سنة؛ "ظهر" عندما "انفتحت السماوات وانحدر عليه الروح القدس ... وسُمِعَ صوت من السماء (صوت الآب) : "أنت هو ابني الحبيب الذي به ارتضيت"، ظهور الله الثالث (الآب بالصوت، الابن يسوع، الروح القدس تحت شكل حمامة).
ولمعمودية يوحنا رمزيات خاصّة، فعندما يقول: "توبوا فقد اقترب ملكوت الله" و"أنا أعمدكم بالماء" هو يشير الى علامة التوبة الرمزية؛ الماء الذي يغسل الجسم، وهو دليل ورمز لغسل القلب والضمير والنية من أفكار السوء ومن الأعمال الشريرة.
أما الرتبة فتتلخّص بالآتي: ينزل التائب في الماء يعترف بخطاياه علناً ويقوم يوحنا بسكب الماء عليه.
بينما معمودية يسوع فهي "بالروح القدس والنار"، وهي علامة فاعلة تفعل في الواقع ما تدل عليه في الرمز، أي غفران الخطايا وتطهير القلب والضمير وتبرير الانسان بحلول النعمة الإلهية ألا وهي الحياة الإلهية بقوة حلول الروح القدس.
وعندما ينفخ الله الروح القدس في المعمّد يولد هذا الأخير من جديد، "إن لم تولدوا من الماء والروح القدس لن تدخلوا الملكوت" (يوحنا 3/5).
والنار تحمل رمزيات روحيّة عدّة، فهي ترمز إلى تنقية الروح مثل النعمة الإلهية التي تطهّر النفس.
تجدر الإشارة إلى أن يسوع اعتمد، لا لأنه خاطىء - فهو "ابن الله" الذي "يرتضيه الآب" - بل ليشدّد على التوبة التي يدعو اليها يوحنا ولكي يكون قرب الخطأة ليخلّصهم، لتصبح عناصر معموديتنا اليوم عناصر معمودية الرب يسوع.
ولهذه المعمودية مفاعيل كثيرة، تتجسّد بغفران الخطايا (خطيئة آدم الأصلية والخطايا الفعلية) بقوّة الماء، والنار، عمل الله الباطني المرموز إليه بالغسل الخارجي، ومنح الروح القدس وقبوله، والحياة الإلهية في الانسان أي إتمام الخلاص الذي حقّقه المسيح بموته وقيامته، فقبول النعمة المبرّرة هو امتلاء من حضور الله حيث يصبح المعمّد هيكلاً للروح القدس وابناً لله بعد قبوله البنوّة الإلهية. وبذلك ينتمي الى شعب الله، وجماعة المؤمنين، أي كنيسة المسيح، ويصبح المؤمن إذاً عضواً في جسم المسيح، وغصناً في كرم الرب.
ونختم بدعوة الإشتراك في رسالة المسيح فمن خلالها يرسل المعمّد العالم ليحمل الخلاص ويعلنه فكلمة "مسيحي" تتجذّر من مسيح أي "ممسوح" وهو مكرّس بقوة الروح القدس لرسالة الخلاص (لوقا 4 : 18 – 19).
"روح الله عليّ لأنه مسحني لأُبشِّر الفقراء وأرسلني لأُعلن للمأسورين تخلية سبيلهم وللعميان عودة البصر اليهم وأُفرج عن المظلومين وأُعلن سنة رضًا عند الرب" (لوقا 4 : 18 – 19).