قديسو اليوم: 4 تشرين الأول 2016
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: تذكار القديس فرنسيس الاسيزي الكبير
ولد فرنسيس عام 1179، في مدينة أسّيزي بإيطاليا. ولما شبَّ انقاد لاميال الجسد وشهواته، إلاَّ انه كان شفوقاً على الفقراء، فنظر الله اليه بعين الشفقة، وانار عقله واولاه نعمة التوبة الصادقة.
سمع ذات يوم صوتاً يقول له:" يا فرنسيس اسنُد بيعتي". فلم يفهم معنى هذا الصوت. واخذ يزيد ويُفرط في الاحسان الى المساكين، حتى ضجَّ ابوه منه فحرمه الميراث وسرَّحه. فاتشح ثياباً رثَّة، ومشى حافي القدمين، ممارساً اعمال التوبة الشاقة والرسالة، يعظ الناس بالمثل اكثر منه بالكلام، فتبعه كثيرون. فبنى لهم ديورة ووضع لهم القوانين، متسامياً بالفضائل ولا سيما بفضيلة التواضع العميق. فمنحه الله صنع العجائب.
أثبت له البابا انوريوس القانون ببراءة رسمية. فتعزَّى القديس فرنسيس بان رهبنته قد تعززت ونمت وانتشرت. وكان على صداقة متينة مع القديس عبد الاحد، يتعاونان على خلاص النفوس وخير الكنيسة.
وبعد ان اتمَّ هذا القديس جهاده، رقد بالرب سنة 1224، وله من العمر 45 سنة. وقال فيه البابا غريغوريوس العاشر ان جراحات المسيح انطبعت في يديه ورجليه وجنبه. صلاته تكون معنا. آمين!
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: تذكار القديسة تريزيا افيلا الكبيرة
ولدت في افيلا من اسبانيا عام 1515. انشأت الرهبنة الكرملية. تركت تآليف ورسائل قيمة. توفيت عام 1582. صلاتها معنا. آمين.
دوماطيوس الشهيد (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)
نشأ في أواخر القرن الثالث وبداية الرابع. ومنذ شبابه أحبّ حياة الزهد والنسك، فجال البراري والصحاري عائشاً في العزلة. ويقال إنه عاش متنسكاً ليس بعيداً عن مدينة كورش في سوريا والمدعوة الآن كلزّ...
لقد جرت على يده أعاجيب كثيرة وحالات شفاء عديدة، فقد كان يتوافد الى زيارته الكثير من المرضى ستمد لهم نعمة الشفاء بقوة صلاته، إضافة الى أنكثيرين من الزوار كانوا يسترشدون عنده لنيل المشورة الصالحة.
وجرى استشهاده إذ كان يوليانس الجاحد ذاهباً ليحارب الفرس عام 363 فاجتاز بالقرب من مدينة كورش وقد شاهد جماً غفيراً من الناس مجتمعين عند مغارة في كهف جبل، وإذ سأل عن الأمر، قيل له إن في تلك المغارة راهباً اسمه دوماطيوس، وعلى يده يُشفى كثيرون من أمراضهم. فاستدعاه الملك الجاحد، ولكنه أبى أن يسمع الى دعوته فأمر الملك بحبسه في مغارته ليموت في داخلها... وهكذا نال إكليل الشهادة وكان ذلك في 363.
القدّيس عمّون المصري البار (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
عندما مات والداه، عهد به إلى عمه الذي أكرهه على الزواج رغم صغر سنه. وليلة زفافه، بعدما تركه المدعون وزوجته، فتح عمون الكتاب المقدس وقرأ مقطعاً من رسالة الرسول بولس إلى أهل كورنثوس جاء فيه الحديث عن هموم الزواج، فيما يتسنى للعذراء أن "تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسداً وروحاً" (1كور7). وهكذا تبنى عمون وزوجته القول الذي ورد في الآيتين 29 و31 من الفصل السابع: "إن الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم... والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه...". فقرروا الخروج إلى البرية للعيش في صوم وصلاة. فجاءا إلى موضع في جبل نيترية قريباً من مدينة الأسكندرية وأقاما في كوخ صغير، ولكنهما فطنا سريعاً إلى أنه من غير الجائز لهما أن يبقيا معاً لئلا يجربا الطبيعة البشرية ويعطيا للشيطان فرصة لاصطيادهما، فافترقا ليسلك كل منهما منفرداً في حياة التوحد.
لم يكن عمون يعرف في طعامه لا الخمر ولا الزيت، ويقتات من الخبز الجاف مرة كل يومين أو ثلاثة. وقد أرضت طرقه الله فأقبل عليه الكثيرون يطلبون إرشاده ليصيروا رهباناً. وكان كلما أتاه طالب رهبنة يعطيه قلايته بما فيها، فيما كان الإخوة الباقون يأتونه بالمؤونة وبما يحتاج إليه من آنية. الحب الأخوي كان الشريعة الأولى بينهم.
ولم تمر سنون قليلة حتى تحولت برية نيترية، بإرشاد عمون، إلى مدينة بمعنى الكلمة. ولكن، أراد بعض الإخوة أن يتوغلوا في البرية ليتسنى لهم أن ينعموا بالهدوء والصلاة النقية الدائمة. وحدث أن جاء القديس أنطونيوس الكبير لزيارة عمون فعرض له هذا الأخير حال رهبانه وطلبهم. وانتظر انطونيوس حتى الساعة التاسعة أي الثالثة بعد الظهر وقام فانطلق وعمون في البرية إلى غروب الشمس.
وهناك توقفا فغرز انطونيوس صليباً في الأرض وقال لعمون: إلى هنا تكون قلالي الإخوة الذين يرغبون في الهدوء، حتى إذا ما أراد أحد أن يأتي من هناك إلى هنا أمكنه بلوغ المكان قبل غياب الشمس، وهكذا أيضاً من رغب في الانتقال من هنا إلى هناك: وكانت المسافة التي قطعاها تسعة عشر كيلومتراً. ولم يمض وقت طويل حتى امتلأت تلك الأصقاع بقلالي الرهبان الذين بلغ عددهم أكثر من ستمئة.
كان عمون وانطونيوس على محبة عميقة فيما بينهما. فلما رقد عمون في الرب، وكان انطونيوس في الجبل المسمى باسمه يتحدث إلى بعض الرهبان الجدد، توقف انطونيوس عن الكلام ورأى عمون يصعد إلى السماء بصحبة جم من الملائكة.
من الأقوال الكثيرة التي اعتاد عمون أن يرددها: "احمل أثقال سواك كما يحمل الله أثقالك".
وفي مثل هذا اليوم أيضاً: القدّيس إيروثاوس أسقف أثينا
هو الأسقف الثاني وربما الأول لمدينة أثينا. كان صديقاً للقديس ديونيسيوس الأريوباجي وعضواً مثله في الأريوباغوس، أي في الهيئة العليا التي كانت تنظر في القضايا الجنائية. ويقال أنه هو الذي رعى القديس ديونيسيوس على الأسرار الإلهية نظراً لما أنعم به الله عليه من ذهن مستنير. وقد اهتدى، أساساً، على يد الرسول بولس أثناء رحلته التبشيرية إلى أثينا.
كان إيروثيوس شغوفاً بمحبة المسيح، وقد تعب كثيراً في نشر الكلمة وهدى العديد من الوثنيين إلى النور الإلهي. كانت أقواله سامية وبراهينه فخمة ومنتظمة ودقيقة. وقد منّ عليه الله بموهبة الإنشاد. يقال إنه حضر مع سائر الرسل في انتقال والدة الإله وشيّعها بالتسابيح. عاش إلى سن متقدمة ورقد في أواخر القرن الأول الميلادي. وهناك من يقول أنه كلّل حياته بالاستشهاد.
القديس فرنسيس الأسيزي (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
ولد القديس فرنسيس في مدينة أسيزة، من أعمال إيطاليا، في أواخر القرن الثاني عشر، سنة 1182. وكان أبوه بطرس برنردوني تاجراً كبيراً من تجّار الأقمشة في تلك المدينة. وكان همّه الأكبرنجاح تجارته، وتصريف بضاعته، ولاسيّما في البلاد الفرنسيّة التي كان يتعامل معها، ويفضّلها على غيرها. أمّا والدته بيكا فكانت سيّدة فاضلة تقيّة، همّها العبادة وحسن القيام بواجياتها البيتيّة. فربّت إبنها تربية صالحة، ونقشت في قلبه منذ االصغر مبادىء الإنجيل، وعلم الفضائل والأخلاق المسيحيّة.
إلاّ أن فرنسيس ما كاد يبلغ أشدّه حتى استسلم للّهو وغرور الدنيا. وراقت له عشرة الأصحاب الجهلة. فصار ينفق عليهم بلا حساب. وصاروا يصفّقون له ولأشعاره ولإنشاده ولغنائه. وكان يتأنّق في لبسه، ويتفنّن في أكله وشربه. إلاّ أن التربية الأساسيّة التي أخذها عن أمّه حفظت له عفافه من الأخطار، وسلّمته من نوائب التجارب والعثرات.
وكان قد طُبع على العطف والحنان والوداعة ولطف المعاطاة مع الناس. وكان شفيقاً على المساكين والفقراء. فأراد الله أن يبني على أسس هذه الطبيعة الحسنة والتربة الصالحة معقلاً منيعاً للفضائل، وملجأ حصيناً للنفوس. لكنّه، جلّت حكمته، لم يشأ أن يجذبه إليه دفعة واحدة، ويصرعه صرعاً كما فعل مع رسول الأمم، ويدفعه بعنف إلى الميدان، بل أخذ يهديه إليه بلطف وتؤدة، ليجعله في كنيسته رسولاً كريماً مضطرماً غيرةً على خلاص النفوس، وقائداً عالي الراية في اقتناض القلوب. فوقع أولاً في الأسر لمّا اشتعلت نار الحرب بين مدينتي أسيزة وبيروزة، وذاق مرارة السجن سنة كاملة. ثم مرض مرضاً عضالاً أوصله إلى أبواب الأبديّة. فبدأ يزهد في الدنيا ويفهم أن عاقبة حلاوتها مرارة.
ورأى يوماً في منامه قصراً فخماً قد طفح بأنواع الأسلحة، ورأى على كل قطعة من ذلك السلاح علامة الصليب. فسأل لمن تكون هذه الكنوز. فأجابه صوت أنّها له ولجنوده. فلمّا أفاق ظنّ أن القدر يدعوه إلى قيادة جيش عظيم يكون له من ورائه النصر والفخار. فقام لساعته وذهب ليلتحق بالجيوش البابويّة والفرنسيّة التي كانت تحارب إمبراطور ألمانيا.
إلاّ أن السيّد له المجد تراءى له على الطريق وقال له: إلى أين يا فرنسيس؟- فأجاب: إلى الجنديّة.- فقال الرب: أن الجنديّة التي دُعيت إليها ليست جنديّة بشريّة بل سماويّة.- فقال فرنسيس: فماذا تريد يا رب أن أعمل؟- فقال الرب: عُد إلى بلدك، لأن الرؤيا التي رأيتها لا تعني الأمجاد العالميّة، بل الأمجاد الروحيّة.- فعاد فرنسيس إلى أسيزة. ولكن كل شيء فيه كان فد تبدّل. فصار يرى ذاته أنّه شيء حقير. وتلاشت الدنيا من أمام عينيه، فلم تعد شيئاً لديه. وشعر في دواخله بدافع يدفعه إلى طلب العلويات، وإلى السعي وراء الأبديات السماويّة. فجمع أصحابه وأقام لهم وليمة وداع. ثم ترك أسيزة، وركب حصانه وهام على وجهه يطلب العزلة في البراراي، رغبة منه في الإنفراد ومناجاة الله. وصار يرى على الدوام صورة المصلوب مائلة أمام عينيه، فيسجد لجراحه في قلبه، ويناجيه في صلواته. فتراءى له الرب يسوع مرّة ثانية معلّقاً على الصليب، وطبع في قلبه هذه الكلمات الإلهيّة: من أراد أن يتبعني فليكفر بنفسه، ويحمل صليبه ويتبعني.
ومنذ ذلك الوقت أضحى فرنسيس رجل الفقر والتواضع والعطف على المساكين، وخصوصاً على من كان يراه فقراً من رجال الإكليرس وخدمة المذابح.
وذهب فزار رومة وأماكنها المقدّسة. ونثر ما كان بين يديه من الدراهم على ضريح القديس بطرس. وخلع يوماً ثيابه على أحد الفقراء، وارتدى هو ثياب هذا الإنسان الفقير، ودار يستعطي لكي يعيش. فقهر بتواضعه هذا روح الكبرياء والتعلّق بالدنيا.
وكان يوماً في كنيسة القديس داميانس في ضواحي أسيزة. وكانت هذه كنيسة صغيرة حقيرة. فصلّى وقال: أعطني يا رب إيماناً صادقاً، ورجاءً ثابتاً، ومحبّة كاملة، واجعلني أعرفك معرفة حقّة، حتى تكون أفكاري وأعمالي على حسب ما أنت تشاء. وكان يصلّي بحرارة ودموع، وهو يتفرّس في صورة المصلوب. وإذا بصوت يخرج من تلك الصورة ويقول له ثلاث مرّات: "إذهب يا فرنسيس، وأصلح بيتي الذي يتداعى إلى الخراب". فظنّ فرنسيس أن الرب يدعوه إلى ترميم كنيسة القديس داميانس. فقام يسعى لذلك.
وذهب إلى بيت أبيه فأخذ حصاناً له، وحمّله أقمشة ثمينة، وذهب فباع الحصان والأقمشة، ووضع ثمنها على نافذة كنيسة القديس داميانس. فعلم أبوه بالأمر، فاستشاط غضباً، وأخذ يعنّفه على عمله، وعلى سائر ما يأتيه من الغرائب في حياته. وذهب إلى الكنيسة، واستعاد دراهمه، ولم يعبأ بما كان إبنه قد وهبه لذلك المعبد وقدّمه له. فلمّا رأى فرنسيس ذلك من أبيه، حضر معه أمام الأسقف، وكتب له صكّاً يتنزّل له به عن كل حقوقه. بل خلع ثيابه التي كان يرتدي بها ودفعها إليه وقال: "كنا أدعوك أبي، أمّا الآن فإنّه لم يبقَ لي أب إلاّ الذي في السماوات". فتأثّر الأسقف جدّاً لهذا المشهد، وألبسه ثوب أحد خدمه، وباركه وصرفه. فخرج فرنسيس من حضرة الأسقف، وشرع يخصّص أيامه لخدمة المرضى، ولياليه للصلاة ومناجاة الفادي المصلوب. وعكف خصوصاً على ممارسة فضيلة الفقر. فكان يطوف على الأبواب يستعطي، ويجلس فيأكل في الأزقّة.
وأصلح بما جمعه من الحسنات كنيسة القديس داميانس، وكنيسة أخرى على إسم القديس بطرس، وأخرى على إسم مريم البتول "سلطانة الملائكة". وسوف يصير لهذه الكنيسة شهرة عظيمة، وهي المعروفة بالصغرى la Portioncule. وجرت فيها عجائب باهرة.
وكان فرنسيس يوماً في الكنيسة، فسمع هذه الآية التي فيها يقول الرب: "لا تقتنوا ذهباً ولا فضّة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق، ولا ثوبين، ولا حذاءً، ولا عصا، لأن الفاعل مستحق طعامه". فاتّخذها وصيّة لنفسه، كأنّ السيّد المسيح يوصيه هو بها. فرمى للحال عصاه وحذاءه ومنطقته، ووزّع على الفقراء ما كان باقياً لديه من الدراهم القليلة. وارتدى ثوباً واحداً طويلاً خشناً، وشدّه بحبلة على وسطه، وراح يمشي حافي القدمين، يبشّر بوصايا الإنجيل، ويدعو الناس إلى التوبة.
فبارك الرب عمله، وأقبل الناس عليه يستمعون له، ويتوبون عن آثامهم. وراقت طريقته هذه الرسوليّة الشديدة بعض القلوب الكبيرة، فتتلمذوا له. وأوحى الله إليه بأنواع مختلفة أنّه قد اختاره لكي ينشىء جمعيّة سوف تحمل أعلام الصليب والإنجيل وتطوف بها الدنيا، ناشرة في كل مكان عبير الفضائل المسيحيّة.
وما هي أيام قليلة حتى تكاثر عدد تلاميذه. فجعلهم في منسك صغير حقير، وجعل الفقر أساس حياتهم ورسالتهم. ووضع لهم قانوناً إستوحاه من المشورات الإنجيليّة، على أن تكون فضيلة الفقر إلى أقصى حدوده رائدهم وسرحهم.
ثم ذهب مع رفاقه إلى رومة ليعرض على الحبر الأعظم قانون الجمعيّة. فلمّا رآهم البابا وجمهور الكرادلة على تلك الحال من الفقر والمسكنة القصوى، خافوا أن يكونوا قد تجاوزوا في طريقتهم حدود الحكمة والفطنة. فتردّد الحبر الأعظم في تثبيتهم. لكنّه ما لبث أن رأى حلماً كأن كنيسة كنيسة اللاتران الكبرى، أم كنائس الدنيا، تتداعى إلى السقوط، فيسرع هذا الراهب المسكين الفقير ويُسند الأسوار بكتفه فتثبت. فعلم البابا أن هذا رمز لِما سيكون من شأن هذه الجمعيّة الرسوليّة. فثبّتها، وترأس بنفسه إبراز نذور فرنسيس ورفاقه الإثني عشر الأوَّلين المنضمّين إليها، ووافق على رئاسة فرنسيس لها، ورسمه شمّاساً إنجيليّاً ليتسنّى له أن يعظ في الكنائس ويتكلّم فيها.
وخرجت هذه الفرقة الأولى إلى حقل الرب لتجاهد في سبيل تقديسها أولاً، ثم تعطف على النفوس فتقدّسها وتحييها. فكانت حياة هؤلاء الرهبان حياة ملائكيّة. كانوا يرقدون على الأرض أو على ألواح من خشب، ويغتذون بالأعشاب البريّة النيّئة، ويقضون الساعات الطوال في الصلاة، ويطوفون على الأبواب طالبين الصدقة. ولذلك دُعوا بإسم "الرهبان المستعطين". وكان فرنسيس إمامهم ومرشدهم في طريق الإماتات والصلاة. وبدأ هو يبشّر في الكنائس ويدعو الناس إلى التوبة والتصالح مع الله.
ولمّا تكاثر عدد تلاميذه طلب إلى أسقف أسيزة أن يعطف عليه، ويعيره مكاناً للصلاة ولسكنى رهبانه. فأعطاه كنيسة "سلطانة الملائكة" الصغيرة والبيت الملاصق لها. ففرح فرنسيس ورهبانه كثيراً بهذه المنحة، وعدّوها عطفاً سماوياً. وفي ذات يوم، إذ كان يصلّي في هذه الكنيسة، إذا بالسيّد المسيح يتراءى له، تصحبه أمّه الطاهرة وجمهور كبير من القوّات الملائكيّة، ويقول له أنّه راضٍ عن جمعيته، وأنّها سوف تنمو وتنتشر ويعمّ فضلها أنحاء الدنيا كلّها.
أن الفضائل التي امتاز بها القديس فرنسيس ومارسها إلى آخر حدود البطولة المسيحيّة كانت فضيلة الفقر، وفضيلة التواضع العميق، وفضيلة المحبّة الفائقة للقريب. وكان أيضاً صبوراً جلوداً، كثير الإماتات. وابتلاه الله أيضاً بأمراض صعبة حمل آلامها بصبر جميل وبشاشة طيّبة لم تفارق محيّاه حتى في أشدّ وطأتها عليه.
وكثرت عجائبه ونبوءاته في كل الأمكنة التي كان يحلّ فيها للوعظ والإرشاد، أو لتثبيت الأديار التي كان يرسل أولاد لينشؤها في كل قطر وكل مصر. وصنع معجزات كثيرة على الشجر، فأنمى بعضها، وجعل ثمراً في التي كانت غير مثمرة، ومنع الثمر عن غيرها.
وما هي إلاّ سنون قليلة حتى امتدّت رهبانيته، وانتشرت وملأت الدنيا. ولم تأتِ سنة 1219 حتى اجتمع في أسيزة خمسة آلاف راهب، جاؤوا من كل أقطار الدنيا لحضور المجمع الثاني العام للرهبانيّة. فكان الناس ينظرون بعين الذهول والإعجاب إلى ذلك الجيش الرهباني المحتشد حول أبيه، وكلّهم حفاة، بأثواب خشنة طويلة مشدودة بالحبال على أوساطهم. وكانت وجوههم المشرقة تشعّ إيماناً وطمأنينة وسلاماً. فاحتفل الكردينال هوغوليني بالقداس الإلهي. وبعد الصلاة تفقّد تلك الجموع، فاغرورقت عيناه بالدموع، أمام ذلك الجيش الرائع، جيش السلام والنعمة والغفران. فالتفت إلى القديس فرنسيس وقال له: هذا هو معسكر الرب. ففاض قلب القديس فرنسيس بالتسبيح والشكر. ثم هتف بالأخوة وقال لهم: يا أخوتي علينا بمحبّة الكنيسة، وبالصلاة الدائمة لأجل عزّها ونصرها. وإياكم أن تتركوا محبّة الفقر. ألم يقل الرب: ألقِ على الرب همّك وهو يعولك؟.
وكان من ثمار هذا المجمع أن انضمّ إلى رهبانيّة القديس فرنسيس خمس مئة أخ جديد. وقرّر آباء المجمع، عملاً بوصيّة أبيهم ومرشدهم، أن يحافظوا كل المحافظة على فضيلة الفقر ليس في المآكل والملابس فحسب، بل في بناء الأديار أيضاً. وفرضوا أيضاً على كل دير من أديارهم أن يقيم في كل يوم سبت على مدار السنة، قدّاساً إكراماً للبتول مريم البريئة من الخطيئة الأصليّة. وقرّروا أن يذكروا دائماً، في تلاوة الفرض الرهباني اليومي، الرسولين بطرس وبولس، للدلالة على تعلّقهم بالحبر الأعظم، وبرهاناً على إنتمائهم التام إلى السدّة البطرسيّة، سيّدة ورئيسة الكراسي الأسقفيّة في الكنيسة كلّها. وتقاسم الأخوة الدنيا لكي يذهبوا ويبشّروا في جميع أقطارها. وبارك الحبر الأعظم البابا هونوريوس الثالث هذه المقاصد والقرارات الرسوليّة. ثم انفرط عقد الأخوّة، وعاد كل منهم إلى بلاده وديره وفي قلبه جذوة نار متّقدة تدفعه إلى السير طويلاً في الجهاد الروحيّ.
وزار القديس فرنسيس معظم البلاد الأوروبيّة، وثبّت أبناءَه فيها. فقضى السنين الطوال يتنقّل بين مدن وقرى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا وألمانيا، يعلّم ويبشّر، وينشىء الأديار، وينفخ من روحه القديسة في النفوس فيضرم فيها نار محبّة الله.
وكان فرنسيس يذوب شوقاً إلى سفك دمه لأجل المسيح. فلكي يحقّق تلك الرغبة، عزم على حمل بشارة الإنجيل إلى البلاد الإسلاميّة، فيتنسنّى له أن يحظى بإكليل الشهادة فيها. فأقلع سنة 1212 من مدينة أنقونا، يريد بلاد الشرق. فثارت على مركبه زوبعة أعادته إلى بلاد إيطاليا. ثم حاول السفر إلى أفريقيا الشماليّة، فأقعدته الأمراض عن نيل مناه. ثم أعاد الكرّة سنة 1219، وسافر مع بعض رهبانه إلى بلاد الشرق. لكن فرنسيس ما لبث أن انتقل إلى عكّا، ومنها إلى سائر بلاد فلسطين. وزار الأماكن المقدّسة، وكان في كل مكان قدوة وموعظة للكهنة والرهبان ولجميع السكان. إلاّ أن المصاعب التي طرأت على رهبانيته في بلاد أوربة إضطرّته إلى العودة إلى إيطاليا. فترك رهبانه في بلاد فلسطين وسوريا وعاد أدراجه، آسفاً على خسارة ما كانت نفسه تصبو إليه من إكليل الإستشهاد في هذه البلاد. وما لبث رهبانه أن وضعوا اليد على الأماكن المقدّسة وقاموا يحافظون عليها إلى يومنا هذا.
أن القديس فرنسيس الأسيزي لم يعمّر طويلاً، بل رقد بالرب وهو في مقتبل العمر، إذ لم يكن قد تجاوز الرابعة والأربعين. إلاّ أن ما أتاه في حياته من الأعمال العظيمة، وما تركه بعد وفاته من الآثار المجيدة، قد يفوق بكثير مع عمله غيره من شيوخ الرهبان وكبار النسّاك. لأن الحياة المجيدة لا تقدّر بعدد السنين.
وقبل وفاته بنحو خمس أو ست سنوات ترك إدارة رهبانيته التي كانت قد ملأت الدنيا، وعكف على الحياة النسكيّة، متفرّغاً للصلاة العقليّة.
وفي صيف السنة 1224 توغّل فرنسيس في مجاهل جبل ألفرنو، ونسك في كوخ حقير بين الأحراج والأدغال، وتفرّغ كعادته للتأمّل والصلاة.
فلمّااجتمعت عليه لواعج الحب المضطرم سعيره في قلبه، وآلام تلك الجروح الثابتة في أعضائه، وأمراض مضنيّة في جسده، خارت قواه، وعلم أن أيامه قد أمست معدودة. فترك خلوته وعزم على العودة إلى أسيزة، إلى ديره ورهبانه. ولمّا لم يكن قادراً على المشي ركب حماراً وعاد رويداً إلى كنيسة سلطانة الملائكة. لكنّه رضي أن يقيم في كوخ حقير أعدته له القديسة كلارا في حديقة ديرها.
ولمّا شعر بدنو أجله طلب أن يحملوه إلى كنيسته المحبوبة "سلطانة الملائكة". وهناك رقد بالرب رقود القديسين، سنة 1226. وكان له من العمر أربع وأربعون سنة.
فكثرت العجائب على ضريحه جدّاً، حتى أن الحبر الأعظم أعلن قداسته سنة 1228 أعني بعد وفاته بسنتين.
استشهاد القديس قدراطس أحد السبعين رسولا وتلميذا (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم استشهاد القديس قدراطس أحد السبعين تلميذاً الذين انتخبهم الرب وقد ولد بمدينة أثينا. وكان من أغنيائها وأكابر علمائها. وأمن بالسيد المسيح وسار في خدمته، ولما نال نعمة المعزي يوم العنصرة بشر بالإنجيل المحيى وذهب إلى بلاد كثيرة، ودخل مدينة مغنيسية وبشر فيها، فأمن أهلها فعمدهم وعلمهم الوصايا المسيحية، ثم عاد إلى أثينا وعلم فيها أيضا فرجموه وعذبوه بأنواع كثيرة وأخيرا طرحوه في النار فنال إكليل الشهادة. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا. آمين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس غريغوريوس الثاؤلوغوس
تذكار نياحة القديس غريغوريوس الثاؤلوغوس. صلواته تكون معنا امين.
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة القديس غريغوريوس الراهب
في مثل هذا اليوم تنيح القديس غريغوريوس الراهب، كان ابنا لأبوين مسيحيين بارين كثيرى الثروة من إحدى بلاد الوجه القبلي. وقد اهتما بتعليم ولدهما غريغوريوس علوم الكلام ومهنة الطب. ثم فقهاه في علوم البيعة. وأخيرا قدماه للأب الأنبا اسحق أسقف بلدهما فقدمه لخدمة الكنيسة ولما أرادا تزويجه أبى، وبعد ذلك رقاه الأسقف شماسا قارئا فداوم على الصلوات، وكان ميالا منذ حداثته إلى الوحدة. ولذلك كان يكثر من زيارة الأنبا باخوميوس. ثم أخذ من والديه مالًا كثيرًا، وقدمه للقديس باخوميوس، راجيا منه بتوسلات أن ينفقه على عمارة الأديرة. فقبل منه القديس صدقته وصرفها في كل عمارة أديرة الشركة المقدسة. وبعد حين قصد القديس باخوميوس، وترهب عنده، وجاهد في ممارسة جميع أنواع الفضيلة، حتى كان من شكله ومنظره يتعلم الشهوانيون العفة. ومكث هكذا ثلاث عشرة سنة. ولما جاء القديس مقاريوس لزيارة القديس باخوميوس. طلبه من القديس باخوميوس أن يأذن له بالمضي مع القديس مقاريوس، فمكث عنده سنتين، ثم طلب منه أن ينفرد، فأذن له بذلك فاقتطع لنفسه مغارة صغيرة في الجبل، مكث بها سبع سنين. وكان يأتي في أثنائها إلى القديس مقاريوس مرتين في السنة، في عيدي الميلاد والقيامة ليسترشد فيما يعينه على جهاد الروحي، ولما أمضى في الجهاد اثنتين وعشرين سنة، وأراد الرب نياحته، فأرسل إليه ملاك يعرفه أنه بعد ثلاثة أيام ينتقل من العالم، فدعا شيوخ البرية وودعهم وسألهم أن يذكروه في صلواتهم. وبعد الثلاثة الأيام تنيح بسلام، صلواته تكون معنا وتحفظنا من الشر. آمين..