دينيّة
29 حزيران 2025, 07:00

"تَهَلَّلَ يَسوعُ بِالرُّوحِ القُدُس"

تيلي لوميار/ نورسات
الله لا يُقتنَى بالحسابات. لا يُشرَح، بل يُكشَف. لا يُستَملَك، بل يُعاش بتَسليمِ الكِيان"، هذا ما أكّده الكاهن المتفرّغ لصلاة الشّفاء في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري روجيه كرم في مقال تأمّل به بتهلّل يسوع بالفرح على ضوء إنجيل لوقا (١٠: ٢١) "تَهَلَّلَ يَسوعُ بِالرُّوحِ القُدُس"، وكتب:

يا لها من لحظةٍ نادرة نرى فيها يسوعَ مُتهلِّلًا بالفَرَح، ليس فَرَحًا عاطفيًّا بشريًّا، بل تهليلًا "بالرّوح"، أيّ فَرَحًا صادرًا من أعماقِ الوَحدة مع الآبِ في الرّوحِ القُدُس. الكلمة اليونانيّة المُستخدَمة هنا هي ἀγαλλιάομαι (agalliaō)، وتدلّ على فرحٍ داخليّ فائق، يرتبط غالبًا بالحضورِ الإلهيّ.

يسوعُ يفرحُ لأنّ الآبَ كشفَ أسرارَه "للصِّغار"، وأخفَاها عن "الحُكماءِ والفُهَماء". ليست المسألة تمييزًا اجتماعيًّا، بل موقفًا قلبيًّا. فالصِّغارُ هُم الذين لا يتّكِلون على معرفتهم، بل يفتحون قلوبهم بتواضعٍ للنّعمة، بينما الحُكماءُ هم مَن أَغلقوا أنفسَهم في وَهمِ الاكتفاء الذّاتيّ.

إنّها مفارقةُ الإنجيل: المَعرِفةُ التي تُطلَب ليست عقلانيّةً فقط، بل قلبيّة، روحيّة. فالدُّخول إلى سِرّ الملكوت لا يكونُ بالفَهم بل بالتَّسليم، لا بالسّيطرة بل بالاتِّكال.

قال القدّيس إيريناوس: "المعرفةُ الحقيقيّةُ هي في أن نُعرَفَ من الله، لا أن نَعرِفَ اللهَ فقط."

ولذلك، يتوجّه يسوعُ إلى تلاميذه ويقول: "طوبى لعيونِكم التي ترى." لا لأنّهم أكثرُ فَهمًا من الأنبياء، بل لأنّهم مُتّحدونَ به، يرَونَ فيه، ويَسمَعونَ صوتَه، ويَقبلونَ سرَّه.

عبّرت القدّيسة تريز الطِّفل يسوع عن هذا بقولها: "أن أكون صغيرة، يعني أن أُدرِكَ ضعفي الكامل، وأتّكِلَ على الله بثقةِ الطّفلِ بين ذِراعي أبيه."

دعوةٌ للعيش:

عندما تفتح الكتابَ المقدَّس، لا تَبحث عن أفكار، بل عن وَجهٍ ينتظرُك. اجلسْ في الصّمت. عِشْ دَهشةَ البساطة، ولا تطلب أن "تُمسِك الحقيقة"، بل أن "تُمسَكَ بها". الله لا يُقتنَى بالحسابات. لا يُشرَح، بل يُكشَف. لا يُستَملَك، بل يُعاش بتَسليمِ الكِيان.

فما الذي يمنعُنا من هذا التّهليل؟ 

الاستقلاليّة الكاذبة، البحثُ المُفرِط عن السّيطرة، الخوفُ من الطّفولة. لكنّ يسوع، في ابتهاجه، يدعونا إلى نوعٍ جديدٍ من المعرفة :معرفةٌ تبدأ بالإصغاء، وتنضُج في المحبّة.