دينيّة
23 حزيران 2025, 13:00

ما أَهميَّة الشّهداء في الكنيسة المسيحيَّة؟

تيلي لوميار/ نورسات
كبيرة هي قافلة الشّهداء في تاريخ المسيحيّة، وكثيرون هم من بذلوا دماءهم ولا يزالون في سبيل إيمانهم المسيحيّ. واليوم أمام كلّ ما يجري من حولنا وأمام تضاعف أعداد الشّهداء في المسيحيّة، يكشف خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض عن أهمّيّة الشّهادة في الكنيسة، ويكتب:

"الرّبُّ يسوعَ المسيح لهُ المجد، أَعلَمَ رُسُلَهُ بأَنَّ مصيرَهُم في العالم سيكونُ قاسيًا لأَنَّهم سيتعرَّضونَ للإِهاناتِ والمحاكماتِ والموتِ من أَجلِه. ولَفتَ نظرَهم إلى أَنَّهم لا يجوز أَن ينكُرهُ أَحدُهُم وإلّا نكَرَهُ هوَ أَمامَ أَبيهِ السّماويّ.

الإِعتراف بربِّنا يسوعَ المسيح هو أَمرٌ حتميٌّ ومَن يَنكُر ربَّنا يسوع المسيح أَمامَ الصّعوبات، يتعرَّض لنكران ربِّنا يسوع لهُ أَمامَ أَبيهِ السّماويّ. كلامُ ربِّنا يسوع قاطع.

لا يرضى الرّبّ بأَن يكونَ المسيحيّ جَبانًا. المطلوب من المسيحيّ أَن يكونَ بطلًا يتقَدَّم إلى منابرِ الاستشهاد بِبَسالةٍ مُطلَقة وبِلا خوفٍ لأَنَّ الرُّوح القُدُس يَعضُدهُ ويُعطيه فَمًا وحِكمةً فلا يستطيع المقاومونَ أَن ينتصروا عليهِ.

لذا اتّخذ الشّهداء مكانة كبيرة في ضمير المسيحيّين الأوائل، إذ كان الموت شهادة على الإيمان بيسوع دافعًا للمسيحيّين لكي يكرّموا الشّهيد ويقدّموا له الاحترام.

يقول اوريجنس (القرن الثّالث): "ليس من شرف أكبر للكنيسة من أن تقدّم شهيدًا للسّماء. وليس هنالك لقب لدى البشر يساوي لقب الشّهداء".

لا يوجد في كلّ تاريخ البشريّة شهداء مثل شهداء المسيحيّة، في حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم ووداعتهم وصبرهم واحتمالهم وفرحهم بالاستشهاد، فقد كانوا يقبلون الموت في فرح وهدوء ووداعة تذهل مضطهديهم.

كلّ مسيحيّ اعتمد وختم بالميرون المقدّس هو مشروع استشهاد، هو ذبيحة ليسوع المسيح، هو نفسه يقرّبنا للآب ذبيحة محرقة قربانًا بالرّوح القدس السّاكن فينا.

في المعموديّة نلبس ثوب الاستشهاد ولذلك الخوف والمسيحيّة لا يجتمعان. الإِنهزامُ والمسيحيَّة لا يجتمعان.

المسيحيُّ بطلٌ روحيٌّ مستعدٌّ دومًا للموتِ من أَجلِ المسيح. لا يهرب من المعركة، لا ينهزم، لا يتضعضع، لا ينهار. وإِن ضَعُفَ خسِرَ الإِمتلاء من الرُّوح القُدُس.

كيف احتَمَلَ الشُّهداء العذابات المضنِيَة؟ هذا هو الرُّوح القُدُس السّاكن فيهم هو الَّذي جعَلَهم يحتملونَ كلَّ هذه الآلام المضنيَة فكانوا في فرَحٍ وغِبطة.

كيفَ استَمَرَّت كنيستنا الأرثوذكسية الإِنطاكية عبر التّاريخ رافعة الرّأس رُغمَ كلّ الظّروف؟ بِفضلِ دماء الشّهداء. آباؤنا وأَجدادُنا الَّذينَ حافظوا على الإيمان الأُرثوذكسيّ في هذا الشّرق، انتَقلوا إلى النّعيم الأَبَديّ. هم مفخُرتُنا إِن كُنَّا نعلم بهم أَو لا نعلم. عدَدُهم كبير وهُم الآن لدى العرش السّماويّ في المجد الأَبديّ عند الله له المجد.

ونحنُ في هذا المشرق اصطبغنا بدِماء الشّهداء، علينا أَن نشعُر دائمًا بأَنَّنا أَبناء الشّهداء، الَّذينَ حمَوا الإِيمان الأُرثوذكسيّ بدِمائهم، بصبرِهِم، بِطول أناتِهم، ترَكوا لنا هذه الجوهرَة العظيمة جدًا.

إنّ مُعلّمي الكنيسة على مرّ التّاريخ المسيحيّ، علَّموا أنّ المسيحيّ الحقيقيّ لا يضطرب من شيء أبدًا ولا يخشى الموت أو يخافه، ويتّشح بالسّواد، أو يضع شريطة سوداء على صورة شهيد، بل يفرح ويضع اللّون الأبيض في كلّ مكان ويعتبر هذا اليوم عيد، حتّى أنّ الآباء في يوم استشهادهم اعتبروه ميلادهم الجديد.

فمن هو الذي يقبل الشّهادة أو أن يُهان بسبب أنّه مسيحيّ، بل ويقبل الموت بسهولة وفرح لأجل اسم الرّبّ، إلّا من كان له إيمان حيّ بالمسيح الرّبّ وله نفس ذات البذرة التي تنمو في داخله، وهي بذرة ملكوت الله التي تمّ زرعها فينا كخليقة جديدة اعتمدنا لموت المسيح وقمنا بقيامته في سرّ معموديّتنا التي ينبغي أن نعيشها بسرّ الصّليب في مجد قيامة يسوع من بين الأموات…

أيضًا علَّم الآباء بأنّ كلّ من لا يستعد ليموت آلام المسيح الرّبّ الذي مات لأجلنا بالحبّ، فإنّ حياة الله ليست فيه، وكلّ من هو مُهيّأ للاستشهاد هو شريك مع المسيح.

نحن اليوم كما في الأمس مدعوّون إلى أن نشهد على عظائم الرّبّ في حياتنا، نشهد لله بأنّه أبانا وللمسيح بأنّه مخلّصنا وللرّوح القدس مقدّسنا.

نشكر الله على عطاياه نشكره على دم الشّهداء الذي هو بذار الكنيسة. 

الشّهيد هو مَن جُرّب فوجدَ أمينا (عبرانيّين 11: 17 ) على مثال المسيح "الشّاهد الأمين (رؤيا 1: 5). صلاتنا الدّائمة أن نكون مستعدّين لتأدية شهادة الدّم، إذا ما دعانا الله للشّهادة. 

وأيضًا للشّهادة البيضاء التي هي شهادة المحبّة المضحية والبذل وحمل الصّليب والصّلاة والصّوم والسّلوك بلا عثرات. قال القدّيس يوحنّا الفم الذّهب: "احتمل المشقّات كلّها ببسالة لأنّ هذا يحسب لك استشهادًا."