دينيّة
30 أيلول 2016, 05:30

قديسو اليوم: 30 أيلول 2016

تذكار خطبة مريم العذراء للقديس يوسف (بحسب الكنيسة المارونية) جاء في انجيل القديس متى الفصل الاول: لما كانت مريم مخطوبة ليوسف، وُجدت قبل ان يتساكنا حاملاً من الروح القدس. وكان يوسف زوجها باراً، فلم يرد ان يشهر امرها، فعزم على تركها سراً". كانت الخطبة عند اليهود تعتبر عقداً حقيقياً له ما للزواج من حقوق وواجبات. بحيث لا يمكن فصله الا بالطلاق.

 

لقد خُطِبت مريم ليوسف. مَن تعهَّد خطبتها؟ الذين أُوكل اليهم امرُها بعد وفاة والديها. فاختاروا يوسف لعلمهم بانه كان "باراً" وذا منزلة شريفة في مجتمعه وصاحب مهنة تؤمن عيشة العائلة. هذا الداوُدي لم يكن اقل برارة من الكاهن زكريا او النبي سمعان.

وهكذا قبلت مريم بارادتها زواجها من يوسف.

ولما بدت على مريم علامات الحَمَل اضطرب يوسف واراد ان يطلقها سراً. "وما فكر في ذلك حتى تراءى له ملاك الرب في الحلم وقال له: يا يوسف ابن داود، لا تخف ان تجيء بامرأتك مريم الى بيتك". فأذعن يوسف لكلام الملاك واخذ مريم الى بيته.

سر هذا الحَمل العجيب لم يعرفه يوسف ولم تكشفه له مريم. ارادة الله ان يولد المسيح من عائلة حقيقية ومعروفة. وبقي يوسف حارساً لهذا السر بقوة ايمانه وتسليمه لارادة الله. وعاش مع مريم العذراء بتولاً بمحبة وتواضع وايمان.

رزقنا الله شفاعتهما. آمين!

 

هيرونيموس الملفان (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

هو أحد آباء الكنيسة، وقد قال عنه البابا بندكتس الخامس عشر " إنه أعظم رجل أرسله الله إلى كنيسته لكي يفسر ويشرح معاني الكتب المقدسة".

ولد هيرونيمس في مدينة ستريدو، في إقليم دالماسيا ديانونيا حوالي سنة 340، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره أرسله والده إلى روما ليكمل ثقافته. فبرع في الفصاحة والبيان. وقبل سر العماد من يد البابا لباريوس نحو سنة 365 ثم قصد مدينة تريفا حيث عزم على الدنيا والتفرغ لعبادة الله. وبدأ يدرس اللاهوت والكتب المقدسة، ثم عاد إلى وطنه وسكن في اكيلية ست سنوات. وفي عام 373 ترك أهله ووطنه وسافر إلى بلاد الشرق فمرّ في طريقه ببلاد و آسيا و أخذ عنها ما وجد فيها من علم وتقوى، ثم وصل إلى انطاكية حيث قضى أياماً كثيرة متردداً إلى معلمي اللاهوت. وهناك شعر بأن الله يدعوه إلى حياة النسك ليتفرغ لدرس الكتاب المقدس وأقام  فيها خمس سنوات مثابراً على الصوم و الصلاة و درس الكتاب المقدس وهمّ بدراسة اللغتين اليونانية و العبرية.

في سنة 376 عاد انطاكية ولما صار ابن خمس وثلاثين سنة، قصد غريغوريوس اللاهوتي ولبث بقربه سنتين مالئاً قلبه وعقله مما كان يسمعه منه. ولما التأم المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية سنة 381، انتدبه آباء المجمع ليكون مقرراً ومسجلاً. وفي سنة 382 رافق البطريرك الانطاكي يولينس وابيفانس رئيس أساقفة قبرص إلى روما و هناك تجلت له إرادة الرب، فاتخذه البابا دماسيوس كاتباُ له ووكل إليه توحيد تراجم الكتاب المقدس اللاتينية. ولما مات البابا دماسيوس أقلع من جديد   نحو بلاد الشرق سنة 385 وحمل معه مكتبته وتآليفه.

وأتى مع بعض رفاقه وسكنوا في مصر حيث كانت الحياة النسكية في أوج ازدهارها. ثم جاؤوا وسكنوا في بيت لحم. وعاش هيرونيمس في دير بالقرب من بيت لحم خمساً وثلاثين سنة عاكفاً على السهر. والصلاة والقراءة وعاملاً كمرشد للرهبان والراهبات، وكلما كان يتقدم في السن كان يزداد نشاط وكتابة وتأليفاً... وفي سنة 405 كان هيرونيمس قد أنجز ترجمة الكتب المقدسة كلها إلى اللغة اللاتنية.

عُرف هيرونيمس بمهاجمته للهرطقة البلاجية... رقد بالرب في بيت لحم سنة 420 تاركأ اسماً مجيداً في تاريخ الكنيسة. ثم نقل جسده ألى روما و جُعل في كنيسة القديسة مريم الكبرى حيث لا يزال تحت هيكل القربان.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً :غريغوريوس (المنوّر) اسقف أرمينية

وعني اسمه النبيه، إنه رسول أرمينية بعد القديس برتلماوس الرسول. وهو من أُسرة شريفة سليلة ملوك الفرثيين التي ملكت من 255 ق.م. حتى 224 ب.م.. وكان غريغوريوس من بين الذين لاذوا بالفرار عند هجوم الفرس على المملكة الى قيصرية قبادوقية وهناك تربّى تربية مسيحية صادقة وقبل سر العماد. وقد امتاز غريغوريوس بعقل ثاقب وإرادة قوية وصدر رحب كما عرف برجل حازم ومقدام.

وكان ايناك أبو غريغوريوس قد قتل خسرو ملك أرمينية (213 - 258) بإيعاز من الفرس. فلما جاء الرومان طردوا الفرس وأعادوا تيريدات ابن الملك خسرو الى عرش بلاده. فرجع الى مملكة آبائه وأجداده وأعاد معه غريغوريوس ابن عمه ولم يكن تيريدات بعد يدري أن ايناك أبا غريغوريوس هو الذي قتل الملك خسرو أباه. وهكذا عاد غريغوريوس  الى وطنه مع الملك الجديد ابن عمه ولم يكن يعلم ما يخبىء له الغد.

لمّا استتبّ الأمر لتيريدات، فوّض غريغوريوس أن يهيىء معدات العيد ويقدم ذبائح الشكر للآلهة، فرفض هذا. فاستشاط تيريدات غضباً وأنزل به العذابات والإهانات، منها إنه طرحه في السجن وسدّ فمه بالخرق البالية ليمنعه من الصلاة والكلام، وعلّقه بالهواء بالحبال أياماً بلا أكل، وجعل رأسه الى أسفل، وأمر أن يوقد عند رأسه أنواع الأقذار ليختنق. وجُلد بعصي مبللة بالماء، ووُضعَ بين لوحين شُدّا عليه بقوة، حتى تفككت عظامه، وغُرزت المسامير في رجليه، ووُضع رأسه في خشب ضُغط عليه فسُحقت جمجمته، وجُعل في أنفه ملح وخل. أما غريغوريوس فاحتمل بصبر عجيب مقدماً حياته لله لكي يمنّ على تلك الأصقاع بنور الإيمان.

فلما رأى الملك ذلك وعرف أن أباه ايناك قتل خسرو والده هو، أمر بتقييده بالسلاسل وطرحه بين الصخور في قلعة ارتكسات في ولاية ارارات ليموت جوعاً، لكن الله اصطفاه لعمل أعظم، لذا حفظه وأعاد إليه قواه. ولكن الملك عاد الى صوابه وأدرك حقيقة ايمان غريغوريوس، فاستغفر غريغوريوس وتعلّم منه الإيمان واعتمد مع أهل بيته وبلاطه وسمح لغريغوريوس بأن يبشّر بالمسيح، فراح يدعو الشعب وعادت الجماهير على يده الى الله وكانت تكرّم فيه البطولة والقداسة.

وقّف حياته على خدمة الشعب، وطاف البلاد، وأنشأ الكنائس ووضع فيها ذخائر البتولات الأرمنيات الشهيدات، وشيّد كنيسة كبيرة على اسم "الابن الوحيد" "اتشمياتزين" صارت فيما بعد مركز كرسي الرئاسة الكنسية العليا في أرمينيا. ولما علم مكسيميانس قيصر أن أرمينيا انضمّت الى المسيحية، ثار ثائره وحمل بجيشه عليها، فنازلته الجيوش الأرمنية بحماسة إيمان وردّته على أعقابه.

ولما انتظمت الأمور، استدعى لاونديوس أسقف قيصرية كبدوكية غريغوريوس ورسمه أسقفاً على أرمينية ولُقّب بـ "غريغوريوس المنوّر". وصنع العجائب فشفى المرضى وطرد الشياطين ثم أباد عبادة الأوثان ورسم الأساقفة لإدارة الأبرشيات حتى بلغوا أربع مئة أسقف، ورفع شأن البتولية والحياة النسكية. وحمل نور الإيمان الى الشعوب المجاورة لبحر قزوين وجبال قفقاسيا. ولما أراد أن يعتزل ويقضي أيامه الأخيرة في التنسّك، اعترض الملك والشعب على ذلك وطلبوا منه أن يقيم ابنه نائباً ومساعداً له ويحتفظ هو بالإدارة العامة، وهكذا كان.

ولما تنصّر قسطنطين، ذهب غريغوريوس والملك يوحنا الى روما على رأس وفد من عظماء أرمينية وقدّموا التهاني لقسطنطين وللبابا سلفسترس. فأقامه البابا رئيساً أعظم على كنائس أرمينية مستقلاً عن البطريركية الإنطاكية. وأناب غريغوريوس عنه في مجمع نيقية المسكوني الأول 325 ابنه ارسطاسته وبقي هو في بلاده وبين شعبه.

اعتزل تاركاً الإدارة لولده سنة 331 وانزوى في احد المناسك يستعد بالصوم والصلاة والإماتة لملاقاة ربه. واستمر ست سنوات على هذه الحال، ورقد أخيراً بالرب سنة 337. وذخائره في كنائس كثيرة، منها في نابولي الإيطالية التي تعتبره شفيعاً لها وبالرمو وليفرنو والبندقية وانقونه وكنيسة مريم المصرية في روما وكنيسة القديس غريغوريوس في روما، الخ... كما بقيت مدينة نابولي قروناً طويلة تعتبره شفيعاً لها ومحامياً عنها.

إن جميع الكنائس الكاثوليكية وغير الكاثوليكية من لاتين ويونان وسريان وموارنة وأقباط يحتفلون بذكره في مثل هذا النهار... أما الكنيسة الأرمنية فقد خصّته بأعياد أربعة احتفالية في السنة وببعض صلوات تقدمها له كل يوم في طقوسها واحتفالاتها ... كما يُعتبر القديس غريغوريوس كوكباً لامعاً في سماء الكنيسة شرقاً وغرباً على الدوام ومثالاً رائعاً للرعاة في رسالتهم وسهرهم على رعيتهم وتقديس نفوسهم.

 

غريغوريوس المنير مبشر وأسقف أرمينية(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

إن القديس غريغوريوس المعروف بـ "المنير" هو الرسول الثاني الذي ثبّت الإيمان المسيحي في أرمينية بعد الرسول برثلماوس. ولد القديس غريغوريوس عام 240م لعائلة مجوسية. مات أهله انتقاماً من جراء قتل والده لملك أرمينية، وهرب مع أخيه وهما صغيران إلى كبادوكية. وفي قيصرية كبادوكية عرف القديس غريغوريوس الإيمان المسيحي فاقتبل العماد ورزق بولدين، جعلهما كليهما خادمين للكنيسة. وقام بخدمة تيريدات ابن ملك أرمينية الذي قتله والد غريغوريوس، وقد طرده الفرس من أرمينيا بعد أن احتلوها. ومضت الأيام حتى عاد تيريدات إلى أرمينيا بعد أن قهر الرومان الفرس، وكذلك عاد غريغوريوس بعد وفاة زوجته، ودخل في خدمة الملك.

خدم غريغوريوس تيريدات بأمانة فأحبه وقرّبه. لكن تغير موقفه منه بعد أن علم أنه مسيحي، وعلم أنه ابن قاتل أبيه. فتفنن الملك في تعذيبه. وبعد ذلك طرحه في جب عميقة مليئة بالأفاعي.

بقي غريغوريوس في الجب خمسة عشر عاماً ظن خلالها الجميع أنه مات. لكن الرب يسوع كان يعده لعمل عظيم. إذ أن امرأة كانت تأتيه بطعام.

واستمر الملك باضطهاد المسيحيين إلى أن أصيب بمس من الجنون ولم يوجد له علاج. وقد بقي كذلك إلى أن زار أخته في الحلم رجلاً قائلاً إن أخيها لن يشفى إلا بصلاة غريغوريوس الملقى في جب الأفاعي. فلما خرج غريغوريوس صلى من أجله فشفي.

وبعدها اقتبل الملك المعمودية وسمح له بالتبشير بالإنجيل وانشاء الكنائس والأديرة. وبعدها سام لاونديوس اسقف قيصرية غريغوريوس أسقفاً على أرمينية شرّفه الله بصنع العجائب. وهو من شيّد كنيسة كبيرة باسم "الابن الوحيد" أي ايشمياتزين، وهو الموضع الذي أضحى، فيما بعد، مركز كاثوليكوسية الكنيسة الأرمنية جمعاء.

انكفأ إلى البرية مع تلاميذه إلى ان رقد بالرب عام 335م. وتعيّد له الكنيسة في 30 أيلول من كل عام.

  

تذكار القديس الشهيد في رؤساء الكهنة غريغوريوس أسقف أرمينية (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

كان غريغوريوس من أسرة الأرساكيديين الملوكيّة، وهي سليلة ملوك البرطيين. وكانت قد جلست على عرش أرمينية زهاء خمس مئة سنة. وفي أوائل القرن الثالث، كان الفرس الساسانيون قد تغلّبوا عليها وذبحوا أعضاءها وشتّتوا في طول البلاد وعرضها من نجا من أبنائها.

وكان بين الذين أبقى عليهم السيف ولاذوا بالفرار غريغوريوس هذا، وكان ولداً صغيراً. فحُمل إلى قيصرية الكباذوك، وهناك تربّى تربية مسيحيّة صادقة، وقبل سرّ العماد المقدّس. وقد امتاز غريغوريوس يعقلٍ ثاقب، وإرادة قويّة، وإيمان صحيح، وصدر رحب مع تقوى راهنة وحزم وإقدام.

وكان إيناك أبو غريغوريوس قد قتل خسرو ملك أرمينية (213- 258) بإيعاز من الفرس فلمّا جاء الرومانيون طردوا الفرس وأعادوا تيريدات إبن الملك خسروا إلى عرش بلاده. فرجع إلى مملكة آبائه وأجدادأجداده وأعاد معه غريغوريوس إبن عمّه. ولم يكن تيريدات بعد يدري أن إيناك أبا غريغوريوس هو الذي قتل الملك خسرو أباه. وهكذا عاد غريغوريوس إلى وطنه مع الملك الجديد إبن عمّه، ولم يكن يعلم ما يخبّىء له الغد من المفاجآت المريعة.

فلمّا إستتّب الأمر لتيريدات وصفت له الأيام، أراد أن يقدّم ذبائح شكر للآلهة، وفوّض إلى غريغوريوس أن يهيّىء مُعدّات العيد. لكن غريغوريوس لم يكن ذلك الرجل الذي يبيع دينه بدنياه، ويترك إيمانه ليركض وراء المطامع العالمية والكرامات الملكيّة. بل كانت نفسه الكبيرة توّاقة إلى مملكة السماء وأمجاد السماء. فأبى بشهامة وعزّة نفس أن يشارك الملك في تقدمة الضحايا للأصنام. فاستشاط تيريدات غضباً. وعدّ إمتناع غريغوريوس عن إجابة طلبه وقاحة. فتهدده بأشد العقوبات إن هو بقي على إيمانه وتشبّت بعناده. فلم يكن من غريغوريوس إلاّ الثبات على ولائه للمسيح ملكه وإلهه.

فصبّ تيريدات عليه جام سخطه وغضبه، وأنزل به العذابات والإهانات ما ندر أن سمع بمثله تاريخ الشهداء. فلم يترك نوعاً من العذاب إلاّ أنزله به، لكي يكسر شوكته ويليّن عوده. فطرحه في السجون الضيّقة المظلمة، وسدّ فمه بقطع من الخروق البالية لكي يمنعه من الكلام والصلاة، وعلّقه أياماً طوالاً بالحبال في الهواء وتركه بلا غذاء ليموت جوعاً. ولمّا لم ينل منه مأرباً عاد إلى تعذيبه بنوع أشد وأفظع. فعلّقه من رجل واحدة في الهواء، وجعل رأسه إلى أسفل، وأمر أن يوقد عند رأسه كل أنواع الأقذار وعظام الحيوانات، لكي يموت خنقاً بتلك الروائح الكريهة. ثم جُلد بعصيّ حتى تفكّكت أعضاؤه. ثم أوثقت يداه بالحبال، وغُرزت المسامير في رجليه، واضطُر على السير قهراً. ثم وُضع رأسه في خشب وضُغط عليه بعنفٍ حتى تكسّرت عظام جمجمته. ثم جُعل في أنفه ملح وخلٌّ لكي يموت خنقاً. أمّا غريغوريوس فكان يحتمل تلك الآلام بصبر عجيب وتسليم كامل للعزة الإلهية، ويتضرّع إلى الله لأجل شعبه وبلاده، مقدّماً حياته لله لكي يمنّ على تلك الاصقاع الغارقة في دياجير الوثنية، بأنوارالإنجيل والإيمان بيسوع المسيح.

فلمّا رأى الملك أن كل ما أنزله بغريغوريوس لم يُمته ولم يظفر بثباته، وعلِم أيضاً أن أيناك أباه الذي كان قد قتل خسرو اباه، قيّده بالسلاسل وطرحه بين الصخور في قلعة إرتكسات في ولاية أرارات، وأمر بتركه هكذا مقيّداً مغلولاً بلا طعام ولا شراب إلى أن يموت. لكن الله، الذي إصطفاه لعمل أعظم من مجد الإستشهاد، حفظه وشفاه وأعاد إليه قواه صحيحة كاملة.

فعند ذلك تأكّد لدى الملك أن إله المسيحيين هو الإله الحق العظيم الجبّار. فندم على ما بدا منه، واستغفر غريغوريوس، وأطلقه، وتعلّم منه قواعد الإيمان. فآمن بالمسيح، واعتمد هو وأهل بيته وكل رجال بلاطه، ودعي بإسم يوحنّا. وسمح لغريغوريوس أن يبشّر بالمسيح في جميع أنحاء مملكته.

ففاض قلب غريغوريوس بالشكر والتسبيح، وراح يدعو شعبه إلى الإيمان بالمسيح. فعادت الجماهير على يده إلى الله. وكانت الناس نصغي بإنشراح إلى ذلك الأمير الفصيح اللسان، وتكرم فيه البطولة والشهامة، والقداسة، وذلك الرأس المكلّل بغار الإستشهاد.

وقف غريغوريوس حياته على خدمة شعبه. وجعل تلك الرسالة أمنيّة حياته، وأخذ يطوف البلاد ويدعو الناس إلى إنجيل الرب يسوع وعقائده الإلهيّة وتعاليمه السامية.

وأنشأ الكنائس ووضع فيها ذخائر البتولات الأرمنيات الشهيدات، وبإلهام إلهي شيّد كنيسة كبيرة على إسم "الإبن الوحيد" إيشمياتزين، وهي التي أضحت فيما بعد مركز كرسي الرئاسة العليا في أرمينية.

فلمّا علم مكسميانس قيصر، شريك الملك ذيوكلسيانس، أن أرمينية قد إتضمّت إلى النصرانية، ثار ثأره، ولا سيّما وهو الذي كان شهر السيف على المسيحيين وفتك بالألوف منهم، وكان قد أقسم على أن يمحو إسم المسيح عن وجه الأرض. فحمل بجيشه على أرمينية لكي يخضعها ويهدم كنائسها، ويميت بالحديد والنار كل من سوّلت له نفسه أن يبقى على دين المسيح من أبنائها.

لكن الشعب الأرمني كان ولا يزال شعب الأبطال والشجعان، ولم يكن بالأمر الهيّن على مكسميانس أن يبتلعه. فنازلته الجيوش الأرمنية بشدّة وحماسة وإيمان في ميادين القتال، وردّته على أعقابه، وأنزلت به الخسائر الفادحة. فانتصرت في أرمينية العظمى راية الصليب، التي كان يحملها أمام الجيوش غريغوريوس الرسول والبطل المغوار.

فلمّا انتظمت أمور تلك الكنيسة الأرمنية الجديدة، إستدعى لاونديوس أسقف قيصريّة الكباذوك غريغوريوس إليه، ورسمه أسقفاً على بلاد أرمينية كلّها جمعاء، وفوّض إليه تدبير تلك الكنائس الجديدة بالسلطان الكنسي. وهكذا جمع غريغوريوس إلى تاج الإمارة والقداسة والشهادة تاج رئاسة الكهنوت، وراح يضاعف جهوده وعمله في سبيل وطنه وأخوته. فأضحى النور الوضّاء لبلاده، فلقّب بإسم "غريغوريوس المنوّر".

وشرّفه الله بصنع العجائب، فكان يشفي المرضى ويطرد الشياطين، حتى أصبح الراعي الحقيقي الأكبر لذلك الشعب العظيم. وبثّ في الشعب روح العبادة، ومحبّة البتوليّة، والميل إلى الحياة النسكية، فأشرقت تلك الأمصار بالفضائل الإنجيليّة.

وضافت بلاده به، على اتّساعها وامتداد أطرافها، فحمل أنوار الإيمان إلى الشعوب المجاورة القائمة على حدود بحر قزوين وجبال قفقاسيا.

فلمّا تمّ ذلك العمل العظيم، وارتاحت نفسه إلى إنتشار مملكة المسيح في بلاده وبلاد الشعوب المجاورة له، أراد أن يتنحّى عن تلك الإدارة الكبرى والمسؤولية العظمى، ويقضي بقيّة أيامه في أعمال النسك والإختلاء. فقام الملك والبلاط والشعب يعترضون عليه ويتضرّعون إليه أن لا يتركهم. ورجوا منه أن يقيم إبنه أرسطاسته نائباً عنه ومساعداً له، فيمكنه بذلك أن يتفرّغ لأعمال العبادة ويبقى محتفظاً بالإدارة العامة. وهكذا كان.

وبعد أن تنصر قسطنطين الملك وانبثقت أنوار الإنجيل من عرش القياصرة وعمّت الدنيا، ذهب غريغوريوس والملك يوحنا إلى رومة على رأس وفدٍ من عظماء بلاد أرمينية، وقدّموا التهاني لقسطنطين وللقديس سلفسترس الحبر الأعظم، على ما نالت النصرانيّة على أيديهما من المجد والنعم. فسرّ البابا القديس لإنتشار إيمان المسيح في بلاد أرمينية، بواسطة غريغوريوس وأقامه رئيساً أعظم على كنائس وأساقفة أرمينية العظمى، مستقلاًّ عن البطريركية الأنطاكية.

ولمّا إلتأم المجمع المسكوني الأول في مدينة نيقيّة، سنة 325، لم يشأ غريغوريوس أن يذهب إليه بنفسه، هرباً من إكرام آباء المجمع له، فأناب عنه إبنه أرسطاسته، وبقي هو في بلاده بين شعبه.

وفي سنة 331 ترك غريغوريوس نهائيّاً إدارة تلك الكنيسة الأرمنيّة العظيمة لعناية ولده، وانزوى في أحد المناسك، وقام يستعد بالصوم والصلاة وأنواع الإماتات لملاقاة حبر الأحبار الرب يسوع الإله.

وبقي ست سنوات يمارس أعمال تلك الحياة النسكيّة، حياة العزلة، والإتّحاد الدائم بالله، والإتّضاع العميق، والصلاة الحارة لأجل بلاده وشعبه والكنيسة كلّها جمعاء. وهكذا رقد بالربّ في خلوته، وطارت نفسه الزكيّة إلى مقر الملوك والأساقفة والشهداء والأبرار القديسين الذين ماثلهم في حياته، واستحقّ نعيمهم وسعادتهم بعد وفاته.

وسوف يبقى القديس غريغوريوس كوكباً لامعاً في سماء الكنيسة شرقاً وغرباً على الدوام، ومثالاً رائعاً للرعاة في أعمال غيرتهم ورسالتهم العظيمة وسهرهم على رعيّتهم وتقديس نفوسهم.

 

نياحة القديسة ثاؤبستى(بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم تنيحت القديسة المطوبة ثاؤبستى. كانت هذه القديسة قد تزوجت ورزقت ولدا واحدا. ومات بعلها وهى في ريعان الصبا: فأخذت على نفسها أن تترهبن. فابتدأت بممارسة السيرة الروحانية. وواظبت على الصوم والصلوات المتواترة وكثرة المطانيات ليلا ونهارا. ثم مضت إلى الأب القديس الأنبا مقاريوس أسقف نقيوس. (نقيوس ايشاتى هي زاوية رزين بالمنوفة). وسجدت له، وتباركت منه ثم سألته أن يصلى عليها ويلبسها اسكيم الرهبنة. فأشار عليها الأب الأسقف آن تجرب نفسها سنة واحدة. ووعدها أنه بعدها يلبسها الإسكيم الرهباني. فمضت إلى منزلها وحبست نفسها في بيت صغير وسدت بابه وجعلت به طاقة صغيرة. وكان ولدها البالغ من العمر اثنتي عشر سنة يهتم لها بمطالب الحياة. واندفعت في عبادات شاقة بزهد وتقشف. وانقضت السنة. وقد نسى الأب الأسقف ما كان قد وعد به هذه القديسة من أنه سيلبسها ثوب الرهبنة، فرآها في النوم بهيئة مضيئة وقالت له يا أبى: كيف نسيتني إلى الآن وأنا سوف أتنيح في هذه الليلة. ورأى الأب الأسقف كأنه قام من نومه، وصلى عليها صلاة الرهبنة وألبسها ثوبها. ولما لم يجد قلنسوة خلع قلنسوته من فوق رأسه، ووضعها عليها. ثم وشحها بالإسكيم المقدس. وأمر تلميذه أن يأتيه بقلنسوة أخرى فلبسها. وكان بيدها صليب من الفضة فناولته له قائلة. أقبل يا أخي من تلميذتك هذا الصليب. وقيل أنه لما صحا من نومه وجد الصليب بيده وتأمله فإذا هو جميل !لصنع. فتعجب ومجد الله، وفي الصباح المبكر مضى هو وتلميذه إلى بيت تلك المرأة المباركة. فتلقاهما ابنها وهو يبكى بدموع غزيرة. ولما سأله عن السبب، أجابه: ان والدتي استدعتني في منتصف هذه الليلة، وودعتني وقالت لي: يا أبني مهما أشار عليك الأسقف، افعله ولا تخرج عنه. وسأتنيح في هذه الليلة وأمضى إلى السيد المسيح. ثم صلت على وأوصتني قائلة "احفظ جميع ما أوصيتك به ولا تخرج عن رأى أبينا الأسقف". وها أنا بين يديك. فأتى الأب الأسقف إلى حيث القديسة وقرع الباب فلم تجبه، فقال حقا لقد تنيحت هذه المباركة وأمر تلميذه بفتح الباب. ولما دخل الأسقف وجد القديسة قد أسلمت الروح، وهى متشحة بالإسكيم الذي وشحها به في الرؤيا وأيضا القلنسوة التي كان يلبسها. فاغرورقت عيناه بالدموع، وسبح ومجد الله الذي يصنع مرضاة قديسيه. وكفنها الأب الأسقف كعادة الرهبان. واستدعى الكهنة فحملوها إلى البيعة المقدسة. وصلوا عليها بإكرام عظيم. وكان في المدينة رجل وثني مقعد، معذب من الأرواح الخبيثة، فلما سمع ترتيل الكهنة طلب من أهله أن يحملوه ويمضوا به إلى حيث جسد القديسة. فلما أتوا به إلى البيعة اقترب من الجسد المقدس بإيمان فشفى لوقته، وخرج منه الشيطان. وكان يصلى معافى. فأمن لوقته بالسيد المسيح هو وجميع أهله. فعمدهم الأب الأسقف. وكان كل من به مرض أو عاهة يأتي إلى البيعة ويلمس الجسد المقدس فيبرأ في الحال. ولما سمع الوالي بهذه العجائب أمن بالسيد المسيح هو وأكثر من في المدينة ثم أتى إلى البيعة وحمل الجسد ودفنه بإكرام. والمجد بربنا ومخلصنا يسوع المسيح ولأبيه الصالح والروح القدس إلى الأبد أمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : نياحة البابا أثناسيوس الثاني 28 

في هذا اليوم من سنة 512م تنيح الأب البار القديس أثناسيوس الثاني وهو الثامن والعشرون من بطاركة الكرازة المرقسية. وقد كان هذا الأب وكيلا على كنائس الإسكندرية، فلما تنيح الآب القديس الأنبا بطرس، اتفق رأى جماعة من الأساقفة والأراخنة على رسامته بطريركا، وذلك لما عرف عنه من الاستقامة في دينه وعلمه. وكان رجلا صالحا مملوءا من الإيمان والروح القدس. فلما صار بطريركا رعى شعب أب أحسن رعاية. وحرسهم من الذئاب الخاطفة بمواعظه وصلواته. وأقام على الكرسي البطريركي ثلاث سنين وتسعة أشهر ثم تنيح بسلام، صلواته تكون معنا آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : استشهاد القديسة ميلاتيني العذراء

تذكار شهادة القديسة ملاتينى العذراء صلاتها تكون معنا أمين.