قديسو اليوم: 23 شباط 2017
وفيمَا كان القديس اغناطيوس بطريرك انطاكية ذاهباً الى روما للاستشهاد، مرَّ بمدينة ازمير فذهب بوليكربوي الى ملاقته وعانقه وقبَّل قيوده.
وعندما وقع الخلاف بين كنيسة روما وكنائس الشرق على يوم الاحتفال بعيد الفصح، ذهب بوليكربوس الى رومة لمقابلة البابا أناكليتوس الذي اكرم وفادته وعقد مجمعاً حضره بوليكربوس واتفق واياه بشأن عيد الفصح، على ان تبقى كل كنيسة من كنائس الشرق والغرب على ما اعتادته قبلاً.
وقد ذكر المؤرخ اوسابيوس في تاريخه الكنسي (ف 24)، ان البابا أناكليتوس قلَّد بوليكربوس ان يقوم بالوظيفة الحبرية نيابة عنه، جهراً في جماعة المؤمنين، وذلك تعظيماً له.
ولما ثار الاضطهاد على المسيحيين قبض والي آسيا على القديس فاستحضره واخذ يحاول اقناعه بان يكفر بالمسيح ويضحّي للاصنام. فأجابه: لقد مضى عليّ ست وثمانون سنة في خدمة المسيح، فكيف اكافيه بالجحود وهو ملكي والهي؟". فأمر الوالي بأن يحرق بالنار. فقال الشهيد:" ان النار التي تتهددني بها تطفأ، أمَّا تلك التي اعدها الله لتعذيب الاثمة فهي ابدية لا تطفأ".
حينئذ طرحوه في النار فرفع عينيه الى السماء وأخذ يصلّي ويسبّح الله فلم تؤذه النار. فطعنه جندي فجرى منه دم غزير اطفأ النار، فآمن كثيرون واسلم روحه في السنة 166، يوم سبت النور. صلاته معنا. آمين.
القدّيس بوليكربس أسقف أزمير (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)
معنى اسمه "الكثير الثمار"، ولا يُعرف شيء عن حداثته، إنّما عاصر تلاميذ المسيح وتنصّر على يدهم، ولمّا رأى يوحنّا الحبيب ما امتاز به بوليكربس من التقوى والعلوم أقامه أسقفاً على أزمير وسلّم إليه قيادة تلك الكنيسة.
ساس رعيته بحكمة وغيرة وقداسة، جعل يوحنّا الحبيب يقول عنه في سفر الرؤيا: "هذا ما يقوله الأول والآخر... إنّي عالم بضيقك ومسكنتك، بل أنت غني... لا تخف شيئاً ممّا سيصيبك من التألم... فكن أميناً حتى الموت فسأعطيك إكليل الحياة (رؤيا 2:8-11). وفي أيامه حكم القيصر ترايانس على صديقه القدّيس أغناطيوس أسقف انطاكية بالموت تحت أنياب الوحوش. فمرّ القدّيس بأزمير وعانق صديقه وخطب في الجماهير وأياديه مكبّلة بالأغلال، وأثنى على زميله لإزدهار كنيسة أزمير. وكتب أغناطيوس من تراوس رسائل الى بوليكربس والى كثيرين من المؤمنين في أزمير، وطلب هذه الرسائل أهل فيلبي فجمعها بوليكربس وأرفقها بكتاب. وكانت هذه الكتب تُقرأ على المنابر سنين طويلة حتى عهد القدّيس هيرونيموس.
ولمّا وقع الخلاف بين كنيسة رومة وكنائس الشرق في شأن يوم الإحتفال بالفصح، ذهب بوليكربس الى رومة ليتّفق مع البابا اناكليتس. فالشرق كان يعيّد الفصح مع اليهود في أي يوم وقع، أمّا رومة والبلاد الغربية ففي الأحد الأول الذي يلي بدر آذار.
وذكر المؤرّخ اوسابيوس في تاريخه الكنسي (فصل 24) أن البابا اناكليتس خوّل بوليكربس أن يقوم بالوظيفة الحبرية نيابة عنه وذلك تعظيماً له. وكان يعظ المؤمنين ويحذّرهم من الهراطقة ولا سيّما من فالنتينس ومركيون اللذين ينفثان سمّ بدعتهما في رومة. واتّفق مع البابا أن تبقى كل كنيسة من كنائس الشرق والغرب على ما اعتادته قبلاً.
وتعتبر فرنسا القدّيس بوليكربس واحداً من رسلها لأنّه نزل في مرسيليا في طريقه الى رومة، ولأنّه أرسل رسلاً بشّروا في بلادها، وكانت كنيسة باريس حتى الثورة 1793 تتباهى ببعض ذخائر القدّيس بوليكربس.
ولمّا ثار الإضطهاد على المسيحيين، قبض والي آسيا عليه، فأحضره وأخذ يحاول إقناعه بأن يكفر بالمسيح ويضحّي للأصنام. فقال بوليكربس: "لقد مضى عليّ ستة وثمانون عاماً في خدمة المسيح ولم يصنع بي سوءاً فكيف أشتمه؟" وعمد الوالي الى الحيلة، ولم يفلح فنادى المنادي أن بوليكربس لا يزال مصرّاً على الإعتراف بالمسيح. فأمر الوالي بأن يحرق بالنار، وقال الشهيد: "إنّ النار التي تتهدّدني بها تُطفأ، أمّا تلك التي أعدّها الله لتعذيب الأثمّة فهي أبدية لا تنطفئ".
فربطوا يديه من خلف ظهره وأصعدوه فوق أكوام الحطب وأضرموا النيران من كل ناحية.فسبّح بوليكربس الربّ، وصلّى وبارك. وإذا باللهيب تحترم القدّيس ولم تمسّه بأذى. أخيراً أشار الحاكم الى أحد الجنود فانقضّ عليه وطعنه في قلبه فسقط الشيخ الشهيد، فارتاع جميع الحاضرين. ثم رأوا حمامة بيضاء تنطلق من بين النيران وتطير حول النيران، فاعترف الكثيرون بالإيمان المسيحي.
وكانت وفاته يوم السبت العظيم أي سبت النور في سنة 166.
القديس الشهيد في الكهنة بوليكاربوس أسقف أزمير (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)
ورد خبر استشهاد القديس بوليكاربوس في رسالة رعائية حررتها الكنيسة في إزمير بعد استشهاده بقليل. هذا كان مطلع الرسالة:" من كنيسة الله فاتي في إزمير إلى كنيسة الله التي في فيلوميلو (فيرجية) وإلى كل الكنائس التي من الكنيسة الجامعة المقدسة..." النص الذي اعتمدناه هو الوارد في كتاب "الآباء الرسوليون" الذي نقله عن اليونانية المثلث الرحمات البطريرك الياس الراع (معوّض) (منشورات النور 1983) . دونك أبرز ما ورد في الرسالة.
كتبنا لكم أيها الإخوة عن الذين استُشهدوا وخصوصا عن البار بوليكاربوس الذي انتهى بالاضطهاد إلى الاستشهاد. الحوادث التي سبقت استشهاده وقعت كلها ليُظهر لنا الرب من السماء صورة للشهيد حسب الإنجيل. انتظر بوليكاربوس ان يُسلِّم كالسيد حتى نتشبه به نحن لأن المحبة الحقيقية والأكيدة لا تعني الخلاص الذاتي فحسب بل خلاص كل إخوتنا أيضا.
مغبوطة وبطولية الاستشهادات التي تمت حسب ارادة الله. علينا ان ننسب تقدمنا في التقوى إلى الله ذي القدرة والسلطان الشامل. لقد بلغت عظمة النفس في هؤلاء المعترفين بحيث لم تفُتّهم انه من انّاتهم أو عصّة من غصّاتهم فأدركنا في هذه الساعة التي كانوا فيها يتعذبون انهم كانوا فرحين يعيشون وهم يستشهدون خارج أجسادهم أو قل كان المسيح بذاته حاضرا يخاطبهم. وكان انتباههم لصوت النعمة الإلهية يُحقر في أعينهم كل عذابات الدنيا. بساعة واحدة كانوا يربحون الحياة الأزلية. كانت النيران الوحشية التي يشعلها الجلادون بردا بالنسبة للنار الأبدية المستعرة التي كانوا يرونها. كانوا يتأملون في وسط العذاب الخيرات المعدّة للذين يتعذّبون. وما كانوا في هذه اللحظة بشرا بل ملائكة.
كان بوليكربوس أعظم الشهداء. بقي في المدينة ولم يُرد ان يتركها. لم ينزعج قط عندما اطّلع على كل ما جرى. بعد إلحاح الأكثرية انسحب إلى مكان ليس ببعيد عن المدينة. كان يقضي نهاره وليله بالصلاة من أجل البشر ومن أجل الكنائس. تراءت له رؤيا قبل ثلاثة أيام من تقييده وهو يصلي. رأى وسادته تحترق فقام إلى رفقائه وقال لهم "سأحرق حيا".
ولما كان طالبوه يُلحّون في طلبه انتقل إلى مكان آخر. وصل الشرطإلى المكان الذي ترطه. ألقوا القبض على عبدين فاضطر أحدهم تحت طائلة التعذيب ان يعترف. وصلوا إلى المكان. كان بوليكربوس يرقد في غرفة في الطابق الأعلى من البيت. كان بإمكانه ان ينتقل إلى مكان آخر إلا انه لم يُرد مكتفيا بالقول "لتكن إرادة الرب". عندما سمع صوت الشرط نزل من غرفته وأخذ يخاطبهم فأثارت شيخوخته بهدوئها إعجابهم. دعاهم وقدم لهم في تلك الساعة المتأخرة من الليل طعاما وشرابا ورجاهم ان يسمحوا له بساعة ليصلي بحرية فوافقوا. غرق واقفا في صلاة مدة ساعتين وكانت النعمة الإلهية تملؤه. اندهش سامعوه وأسفوا.
عندما انتهى من صلاته أركبوه حمارا وقادوه إلى مدينة إزمي. كانذلك يوم السبت العظيم. في طريقه التفى بالقائد هيرودوس وأبيه نيقيتا فأصعداه إلى عربتهما وحاولا ان يُقنعاه قائلين "ما ضرّك لو قلت للقيصر يا سيدي وذبحت وقمت بما يتبع هذه الذبيحة ونجوت؟ بقي بوليكربوس صامتا إلا انه تحت إلحاحهما اضطر ان يقول لهما :"لن أفعل ما تنصحاني به". وعندما يئسا من إقناعه أمطراه شتما وسبّا ودفعاه بوحشية خارج العربة فسقط على الأرض وانسلخ جلد ساقه لكنه قام وتابع طريقه فرحا.
عندما دخل الملعب جاءه صوت من السماء يقول له "تشجع وتقوّ يا بوليكربوس". خاصتنا التي كانت موجودة هناك وحدها سمعت وأدركت. ولما مثل أمام الحاكم حاول الوالي إقناعه قائلا:" احترم شيخوختك". ثم أردف: "احلف بقوة قيصر الإلهية وتبّ وقل فليسقط الملحدون. احلف فأطلق سراحك. اشتم المسيح. فأجاب بوليكربوس: "ستة وثمانون سنة وأنا أخدم المسيح فلم يسئ إليّ بشيء فلماذا أشتم إلهي ومخلصي؟".
قال الوالي عندي وحوش ضارية. إني مُلقيك إليها إذا لم تتراجع. قال الأسقف "مَرحا!" قال الوالي: "إذا لم تتب فسأُهلكك فوق المحرقة ما دمت تحتقر الوحوش الضاري". قال بوليكربوس: "انك تهددني بنار تشتعل ساعة واحدة ثم تنطفىء. أتعرف نار العدالة الآتية؟ أتعرف أي عقاب ينتظر الأثمة؟ هيا! لا تتوان، قرّر ما تريده".
كان الفرح يغمر بوليكربوس وكان ثابتا في أجوبته ويشعّ نعمة إلهية. فأرسل الوالي مناديه ليعلن في وسط الملعب ثلاث مرات ان بوليكربوس اعترف انه مسيحي. امتلأ الوثنيون واليهود غضبا. "هذا هو معلم آسيا وأب المسيحيين مدمّر آلهتنا الذي منع بتعليمه الكثيرين من تقديم الذبائح وعبادة الآلهة. فصرخ الجميع بصوت واحد أن يُحرق حيا.
حدث كل ذلك بسرعة. أخذت الجموع تجمع الحطب والأخشاب من المعامل والحمّامات. وعندما أُعدّت المحرقة خلع بوليكربوس ثيابه وفكّ زنّاره وحاول ان يخلع حذاءه. كان المؤمنون يتسابقون لمساعدته بغية لمس جسده. كانوا يكرمونه لقداسته قبل ان يستشهد. ولما أراد الجلاّد تسميره قال: دعني حرّا. ان الذي أعطاني القوة لملاقاة النار يعطيني قوة لأبقى بلا حراك فوق المحرقة.
لم يسمّره الجلاّد بل اكتفى بربطه وربط يديه وراء ظهره. رفع عينيه إلى السماء وقال: أباركك أيها الرب الكلي القدرة لأنك أهّلتني لأكون في عداد شهدائك ومن مساهمي كأس مسيحك لقيامة الروح القدس في الحياة الأبدية بدون فساد. فلأكن في حضرتك كذبيحة مقبولة.
وأوقد الرجال النار فارتفعت عالية وهّاجة. في تلك اللحظات حصلت معجزة رآها البعض وآثرنا ان نبقيها سرا على الآخرين. كانت النار ترتفع بشكل قبّة تحيط بالجسد. كان الشهيد يقف في الوسط لا كلحم بتحترق بل كخبز يشوى او كذهب او فضة وُضعت في البوتقة وكنا نتنسّم رائحة كأنها البخور أو عطور نادرة ثمينة.
غير أن الأثمة لما رأوا النار قد عجزت عن إهلاك جسسده أرسلوا جلاّدا فضربه تبحربة فخرج دم وأطفأ النار. بين كل الشهداء نعتبر بوليكربوس شهيدا لا يُبارى. كان نبيا ومعلما مليئا بروح الرسل والأنبياء.
ولما رأى الشيطان الحسود الخبيث عظمة الشهيد عمل عمله ليمنعنا من حمل جسد الشهيد. فقد ألقى قائد المئة الجسد وسط النار وأحرقه حسب عادة الوثنيين. فيما بعد تمكنّا من إخراج عظامه التي فاقت قيمتها اللآلىء وكانت أشرف من الذهب النقي المختبر في البوتقة، ووضعها في مكان لائق. وكنا نجتمع والفرح يملأنا والسرور يغمر قلوبنا وقدكان يوم استشهاده كيوم ميلاده وتذكارا لأولئك الذين جاهدوا قبلا والذين يستعدّون ويتهيأون لمثل هذا اليوم العظيم.
لم يكن بوليكربوس معلما شهيرا وحسب بل شهيدا لا مثيل له. كم نتمنى ان نقتدي به وبآلامه المنطبقة كليا مع روح إنجيل المسيح. بصبره وثباته تغلّب على القاضي الظالم وربح إكليل الخلود. انه الآن مع الرسل والصالحين يمجّد الله الكلي القدرة بالفرح ويبارك سيدنا يسوع المسيح سيد أجسادنا وراعي كنيستنا المنتشرة في أنحاء العالم.
هذا أبرز ما وردفي سيرة القديس بوليكاربوس كما وضعتها رعية إزمير. الكاتب، ويدعى إيفارستوس، يختم الرسالة بتحديد تاريخ الشهادة على الوجه التالي: "لاقى بوليكربوس عذاب الاستشهاد في اليوم الثاني من شهر كسنتيكوس قبل سبعة أيام من آذار، يوم السبت العظشم. في الساعة الثامنة أسره هيرودوس في أيام رئيس الكهنة فيليبس تراليانوس. كان استاتيوس كودراتوس حاكما لمعاطعة آسيا". أمبراطور رومية يومها كان أنطونيوس بيوس.
بالإضافة إلى هذه السيرة، أورد أفسافيوس القيصري، صاحب التاريخ الكنسي، رواية للقديس إيريناوس، أسقف ليون، عن بوليكاربوس قال فيها انه لم يتلقّ تعليمه من الرسل فقط ولا تعرّف على الكثيرين ممن زاروا المسيح وحسب، بل ان الرسل أيضا أقاموه في آسيا أسقفا على كنيسة إزمير. ويضيف: "ونحن أيضا رأيناه في فجر شبابنا لأنه عمّر طويلا ومات في شيخوخة متقدّمة جدا ميتة استشهاد مجيد بعد ان نادى بصفة مستمرة بما تعلّمه من الرسل من التعاليم التي سلّمتها إلينا أيضا الكنيسة.. يشهد لهذه الأمور كل كنائس آسيا.." ويورد إيريناس خبر تباحث بوليكاربوس مع أنيقيتوس، أسقف رومي، في شأن التعييد للفصح أي يوم يكون. كما يشير إلى ان هناك من سمعوا من بوليكربوس ان يوحنا تلميذ الرب، إذ أراد الاستحمام في أفسس، مرة، رأى كيرنثوس، وهو هرطوقي، داخل الحمّام، فغادره في الحال دون ان يستحمّ صارخا: لنهرب لئلا يسقط الحمّام لأن كيرنثوس، عدو الحقّ، بداخله. كذلك يلفت إيريناوس إلى ان هناك رسالة قوية جدا لبوليكاربوس كُتبت إلى أهل فيليبي يستطيع كل من أراد، وكل من يُعنى بأمر خلاص نفسه، ان يتعلم منها طريقة إيمانه والكرازة بالحق.
رسالة بوليكربوس إلى أهل فيليبي ما تزال موجودة إلى اليوم. دونك مختارات مما ورد فيها: "صلوا من أجل القديسين، من أجل الملوك والرئاسات والسلاطين ومن أجل الذين يضطهدونكم والذين ينغضونكم ومن أجل أعداء الصليب حتى تكون ثماركم واضحة وتكونوا كاملين في الله".
"أنصحكم بالابتعاد عن البخل وان تكونوا أنقياء محبّي الحقيقة. ابتعدوا عن كل شر. الذي لا يستطيع ان يضبط نفسه كيف يمكنه ان يوجّه الآخرين ويقودهم. من لا يبتعد عن البخل يتّسخ بالوثنية.
"لا تتأخروا عن فعل الإحسان فالإحسان يخلّص من الموت. لا تكونوا سببا لشتم الرب. ويل للذين يُشتم اسم الرب بسببهم. علّلموا جميعا الوداعة التي تعيشون فيها".
"يجب ان نترك الخطب البطالة والتعاليم الخدّاعة ونعود إلى التعليم الذي نُقل إلينا منذ البدء. لنكن يقظين في الصلاة والصيامات ولنطلب من الله الذي يرى الكل ان لا يدخلنا في تجربة".
"يجب أن يكون الشيوخ شفوقين رحماء نحو الجميع... ويتجنّبوا كل غضب ومحاباة الوجوه ومحاكمة الخاطىء.. ولا يصدّقوا فورا ما يقال عن شرور الآخرين ولا يكونوا قساة في أحكامهم واضعين أمام أعينهم اننا جميعا معرَّضون للخطيئة. إذا كنا نطلب من الله ان يغفر لنا فعلينا ان نغفر للآخرين. ونحن كلنا تحت أعين ربنا..".
تعيد له كنيستنا الأرثوذكسية في الثالث والعشرين من شهر شباط
وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديسة غورغونيا
هي الأخت البكر للقدّيس غريغوريوس اللاهوتي. والداها، غريغوريوس و نونا، كلاهما قدّيس في كنيسة المسيح. أخذت عن أبويها الغيرة على الإيمان. تزوجت وأنجبت ثلاث بنات. أثّرت في زوجها، أليبيوس، فأضحيا معاً رفيقين في جهاد الفضيلة. كانت، بين النساء، مثالاً للمرأة المؤمنة يُحتذى لهدوئها وخفرها واتزانها ورجاحة عقلها واهتماماتها الإلهية واحتشامها وتقواها. كثيرة الأصوام والصلوات. كان العديدون يسترشدون لديها لحكمتها وفهمها ورزانتها. توقيرها لكنائس المسيح والكهنة والخدّام كان مميزاً. عديدة كانت حسناتها. كانت كأيوب الصدّيق عيناً للعميان ورجلاً للمقعدين وأماً لليتامى. كل ما لديها كانت توزّعه على الفقراء حتى لم تخلّف وراءها قنية غير جسدها. وكل ما كانت تعمله كان في الخفاء عن عيون الناس. وقعت من عربتها يوماً وجرّرتها العربة فترضّضت وتجرّحت. ولكن لخفرها وحيائها لم تعرض نفسها للطبيب. اكتفت بالصلاة والاتكال على الله فتعافت بشكل عجيب. اعتمدت في سن متقدمة كما كانت العادة في تلك الأيام وباتت في شوق لأن تنضم بالموت إلى ربّها. عرفت بيوم رقادها سلفاً. جمعت أخصّاءها وزوّدتهم بنصائحها. مرضت قليلاً وماتت ميتة الأبرار القدّيسين.
تذكار القدّيس بولكربس أسقف أزمير (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)
كان هذا القدّيس- ومعنى إسمه الكثير الثمار- معاصراً للبابوات القدّيسين اكلمنضس الأول وأنيكتُس وصوتِر، وللقياصرة فسبسيانس ومرقس أوريليوس ولوسيوس فيرُس. ولا يذكر التاريخ الصحيح شيئاً ثابتاً عن حداثته. وجلّ ما يُعرف عنه أنّه عاصر الكثيرين من تلاميذ المسيح، وتنصّر على يدهم، وسمع تبشير القدّيس الرسول يوحنّا الحبيب وأخذ عنه. وكان دائماً يروي عنه ما سمعه منه ورآه في حياته. وكان الرسول الحبيب، في ذلك الحين، الأب الأكبر والأميرالمطاع لكنائس آسيا عموماً. وهو الذي، لما رأى ما امتاز به بولكربس من التقوى الراهنة والعقل الثاقب والعلوم الغزيرة، أقامه أسقفاً على مدينة إزمير العظيمة، الزاهرة في ذلك العصر بالعلوم والصناعة والتجارة الواسعة، وسلّم إليه قيادة تلك الكنيسة، وزوابع الإضطهاد وتيّارات الهرطقات تتجاذب النصرانية من كل صوب.
الأسقف القديس
فقام على رعيّته يسوسها بحكمة وغيرة وقداسة جعلت يوحنّا الحبيب يقول عنه في كتاب الرؤيا :"أكتب الى ملاك كنيسة ازمير: هذا ما يقوله الاول والآخر... أني عالم بضيقك ومسكنتك، بلانت غني... لا تخف شيءاً مما سيصيبك من التألم... فكن أميناً حتى الموت فسأعطيك اكليل الحياة".(رؤيا 2 :8-11).
وفي أيامه حكم القيصر ترايانس على القدّيس إغناطيوس بطريرك انطاكية ان يموت في رومة تحت انياب الوحوش الضارية. وكان إغناطيوس صديقاً حميماً لبولكربس فذهب إليه بولكربس وعانقه، فلمّا رأى إغناطيوس ما كانت عليه كنيسة إزمير من الإزدهار، بارك الله وأثنى على زميله، وشجّعه في مضايقه. وخطب في جمهور المؤمنين فثبّتهم في إيمانهم ثم باركهم وسار مع الجند، وهم يشيّعونه يقلوبهم ودموعهم.
فلمّا وصل اغناطيوس الى تراوس كتب الى بولكربس وإلى كثيرين من المؤمنين في ازمير رسائل نفيسة. فكتب أهل فيليبي إلى بولكربس يرجون منه أن يبعث إليهم بكتب اغناطيوس، فجمعها وأرسلها، وأرفقها بكتاب منه أفاض فيه عن الإيمان الصحيح وعمّا سمعه من فم تلاميذ المسيح ورسله الأطهار، فأضحى ذلك الكتاب حجّة بين أيدي المؤمنين. وبقيت كل كنائس آسيا تقرأها على منابرها سنين طويلة، وأن تعاليم المسيح لم يدوّن كلّه في الإنجيل بل تناوله المؤمنين من فم الرسل وخلفائهم من بعدهم.
وكان بولكربس محترماً مهيباً مسموع الكلمة في كل كنائس آسيا لِما كان يتحلّى به من الفضائل، وخصوصاً لأنّه كان تلميذاً ليوحنّا الحبيب وعنه أخذ تعاليمه وإرشاداته. ولذلك لمّا وقع الخلاف بين كنيسة رومة وكنائس الشرق على يوم الإحتفال بالفصح المجيد، ذهب بولكربس الى رومة ليتّفق مع البابا أنكيتُس على ذلك. لأن بلاد الشرق كانت تعيّد الفصح مع اليهود في أي يوم وقع من أيام الأسبوع، أمّا كنيسة رومة وسائر البلاد الغربية فكانت تعيّد في الأحد الأول الذي يلي بدر آذار.
فقضى بولكربس في رومة أشهراً طوالاً، كان فيها موضوع إعتبار واحترام الحبر الأعظم والشعب الروماني. ودعاه البابا يوماً، فأقام الذبيحة الإلهية مكانه. وكان يعظ المؤمنين ويثبّتهم في الإيمان الذي إقتبسه من الرسل ومن تلاميذ المسيح، ويحذّرهم من الهراطقة، ولاسيّما من فالنتينس ومركيون، اللذين كانا ينفثان سمّ بدعتهما في رومة. فأعاد الكثيرين من تباعهما الى حظيرة كنيسة المسيح الحقيقية الكاثوليكية.
واتّفق مع قداسة البابا بشأن عيد الفصح المجيد على أن تبقى كل من كنائس الشرق والغرب على ما اعتادت عليه من إقامة العيد. ثم ودّع الكنيسة الرئيسية الرومانية وعاد إلى شعبه يرعاهم بعنايته وتعاليمه.
تعتبره فرنسا واحداً من رسلها، لأنّه نزل في مرسيليا في طريقه إلى رومة، ولأنّه أرسل إليها من بشَّر بالإنجيل في بلادها وهدى شعبها إلى إيمان المسيح.
القديس الشهيد
أمّا عن إستشهاده، فإنّنا ننقل بإيجاز ما كتبه إكليرس ازمير، الشاهد العياني للحوادث، إلى كنيسة فلاذلفيا وإلى سائر كنائس آسيا في رسالة مسهبة، جاء في مطلعها:
"على عهد القيصر مرقس أوريليوس، وولاية ستاتُس كوادراتس على بلاد آسيا، ثارت زوبعة شديدة من الإضطهادات على المسيحيين..."
"من ذا لا يقف مفتوناً طغذ يرى هؤلاء الرجال الذين لا مثيل لهم يحتملون كل أنواع العذابات،... وهم مترنمون في وسطها كأنها لهم نسيم عليل. ... صابرين صامتين ثابتين في الايمان، ... يحتملون العذابات بعزيمة شماء غير هيَّابة".
"لكن الرب كان ينظر من أعالي سماواته بعين الغبطة الى هؤلاء المجاهدين الابطال، ويشجعهم بمواعيد الثواب الدائم، ويُسيل في أعضائهم الممزقة قوة خفية كانت تلطّف شدة آلامهم وتثبّتنفوسهم،... فيخرجها من المعركة، مكللة بغار النصر والفخار، توّاقة، الى الأكاليل السماوية".
وذهب الجند إلى بولكربس لكي يمسكوه، فتقدّم إليهم ورجا منهم أن يمهلوه ساعةً. وأمر لهم بطعام، وانفرد يصلّي. فلبث ساعتين متواليتين يدعو الله لأجل الكنائس كلّها، ولأجل الأخيار والأشرار، حتى بهُت جميع الحضور من تقواه ومن جلالة محياه. ثم قام وذهب مع الشرطة.
وأراد الجلاّد أن يوثق بولكربس بسلاسل من حديد ويصعد على الحطب، لكن القدّيس رجا منه أن لا يفعل، فاكتفوا بأن يربطوا يديه خلف ظهره، وأصعدوه فوق أكوام الحطب، وأضرموا النيران من كل ناحية.
ففتح بولكربس فاه وسبّح الله، ولم يكد يتمّ صلاته حتى كان اللهيب قد تصاعد من كل صوب وجلّله من غير أن يمسّه بأذى، فظهر بولكربس كأنّه ملتحف بأنوار المجد، وفوق رأسه قبّة من النور. فانذهل الشعب لهذا المنظر الرائع. فأشار الحاكم إلى أحد الجنود أن يستلّ سيفه ويغمده في قلب الأسقف القدّيس. فانقضّ هذا عليه وطعنه. فسقط الشيخ الشهيد، وتفجّرت من صدره الدماء بغزارة وأطفأت الهيب. فارتاع جميع الحاضرين. ثم رأوا حمامة بيضاء تنطلق من بين النيران وتطير نحو السماء. فاعترف الكثيرون منهم بأن الديانة المسيحية هي الديانة الحقّة السماوية. والمسيحيون منهم سبّحوا الربّ يسوع على إعلان مجده في استشهاد أبيهم الاسقف القدّيس.
وكانت وفاة بولكربس يوم السبت العظيم، أي سبت النور. وهكذا رقد مع المسيح، وقام معه ليحيا إلى الأبد في أخداره مع طغمات الأحبار الشهداء القدّيسين.
نياحة القديسة اليصابات أم يوحنا المعمدان (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)
في مثل هذا اليوم تنيحت الصديقة البارة أليصابات أم يوحنا المعمدان. وقد ولدت هذه القديسة بأورشليم من أب بار اسمه متثات من سبط لاوي من بيت هارون، واسم أمها صوفية. وكان لمتثات ثلاث بنات اسم الكبرى مريم وهي أم سالومي التي اهتمت بالعذراء مريم أثناء الميلاد البتول. واسم الثانية صوفية وهي أم القديسة أليصابات والدة يوحنا المعمدان. والصغرى هي القديسة حنة والدة العذراء مريم أم المخلص. فتكون إذن سالومي وأليصابات والسيدة العذراء مريم بنات خالات. فلما تزوج القديس زكريا الكاهن بالقديسة أليصابات، سار الاثنان بالبر والقداسة أمام الله كما يقول البشير عنهما " وكان كلاهما بارين أمام الله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم " وكانت هذه البارة عاقرا. فداومت مع بعلها علي الطلبة إلى الله فرزقهما القديس يوحنا الصابغ. وقد تباطأ الله تعالي عن أجابتهما سريعا لكي يكمل الوقت الذي تحبل فيه العذراء مريم بكلمة الله. إذ انه لما تقدم الاثنان في العمر، أرسل الله ملاكه جبرائيل إلى زكريا فبشره بحبل أليصابات بيوحنا، واعلمه بما يكون من أمر هذا القديس. ولما زارت العذراء مريم القديسة أليصابات لتبارك لها بثمر بطنها، تهلل القديس يوحنا وهو جنين في بطن أمه وامتلأت أليصابات من النعمة. ولما ولدت يوحنا زال العار عنها وعن عشيرتها. ولما أكملت أيامها بالبر والطهارة والعفاف تنيحت بسلام. صلاتها تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا، آمين.