في عيد يوحنّا ذهبيّ الفم..
تتلمذ يوحنّا في أنطاكية أيضًا على يد فيلسوف أفلاطونيّ نقل إليه فنون الخطابة والآداب الإغريقيّة، فيلسوف أُعجِب به إلى حدٍّ أوصى به معلّمًا "لو لم يسرقه منه المسيحيّون".
نال يوحنّا معموديّته في عمر متقدّم، وهذه عادة كانت سائدة قديمًا؛ عادة يوحنّا نفسه ندّد بها مشجّعًا معموديّة الأطفال.
بمعموديّته هذه، رسم يوحنّا حياة مسيحيّة متقشّفة تمنّع فيها عن الكلام زورًا والإفتراء على أحد، فمال إلى الرّغبة في التّرهّب؛ غير أنّ حالة أمّه الصّحّيّة منعته من تحقيق مبتغاه فأصبح راهبًا في بيته محوّلًا الأخير إلى دير منقطعًا عن العالم، متحوّلًا إلى ناسك صارم لا يأكل سوى القليل مستغرقًا في الصّمت والصّلاة والوداعة قامعًا الشّهوة والغضب.
وفاة والدته دفعته إلى السّير نحو الجبال حيث عاش حياة رهبانيّة جماعيّة يسودها التّديّن والمحبّة والعطاء السّخيّ والإيمان العظيم؛ ليتوحّد بعدها في إحدى المغاور حيث أمضى وقته في الصّلاة والتّأمّل، يختبر البرد والصّوم ولا يستلقي أبدًا بل كان كلّما شاء أن يرتاح قليلًا يعلّق نفسه من الكتفين بحبل ثبّته في سقف المغارة.
نتيجة هذا العذاب الكبير، عانى يوحنّا المرض فعاد إلى المدينة حيث أصبح شمّاسًا ثمّ كاهنًا واعظًا ذاع سيطه في كلّ الأرجاء، فكان أهمّ وأبلغ واعظ عرفته الكنيسة، كاسرًا بذلك عادة إلقاء الأسقف فقط المواعظ على النّاس، آخذًا عن جدارة لقب "فم الذّهب".
أمضى يوحنّا آخر عشر سنوات من حياته في ترف لم يرده محاطًا بالأغنياء والجاه والحفاوة، بعد أن أجمع البلاط الملكيّ والشّعب على انتخابه بطريركًا على إثر وفاة بطريرك القسطنطينيّة.
إلّا أنّ خصومه لم يُسلموا بهذه السّهولة فحاولوا مرارًا نفيه وإبعاده، غير أنّ الشّعب طالب بعزم بعودة من كانت كلماته حكمًا مُرشدة، وهكذا حصل.
وفي 14 أيلول/سبتمبر، أي في عيد الصّليب، لفظ يوحنا فم الذّهب هذه الكلمات: "ليكن الله ممجَّدًا في كلّ شيء" وأسلم الرّوح...
علّمنا يا قدّيس يوحنّا ذهبيّ الفم، في عيدك اليوم، أن نجعل من لساننا أداة محبّة ومسامحة وسلام نمجّد به الله في كلّ حين إلى أبد الآبدين، آمين!