دينيّة
24 أيار 2020, 07:00

خاصّ- خطاب الوداع... فوصيّة جديدة

غلوريا بو خليل
"يا بنيّ، لست باقيًا معكم إلّا وقتًا قليلًا فستطلبوني وما قلته لليهود أقوله الآن لكم أيضًا: حيث أنا ذاهب لا تستطيعون أن تأتوا. أعطيكم وصيّة جديدة: "أحبّوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أحبّوا أنتم أيضًا بعضكم بعضًا. إذا أحبّ بعضكم بعضًا عرف النّاس جميعًا أنّكم تلاميذي". بوصيّة يسوع استهلّ مدبر رعيّة القدّيسة تقلا في سدّ البوشريّة الخوري جوزف سويد تأمّله الرّوحيّ لموقعنا شارحًا إنجيل يوحنّا (13: 33- 35) في الأحد السّابع من زمن القيامة.

وتابع قائلًا: ""أعطيكم وصيّة جديدة"، لماذا هي وصيّة جديدة؟في خطاب الوداع وبعد العشاء السّرّيّ، أعطى يسوع تلاميذه وصيّته الأخيرة، وكشف فيها عن وصيّةً جديدة: وهي وصيّة: "المحبّة" واختتمها بالصّلاة الكهنوتيّة. وقد فهم الرّسل هذه الوصيّة فهمًا دقيقًا فكتب حينهايوحنّا في رسالته الشّهيرة قائلًا: "من كانت له خيرات الدّنيا ورأى بأخيه حاجةً فأغلق أحشاءه دون أخيه فكيف تقيم فيه محبّة الله؟ يا بنيّ، لا تكن محبّتنا بالكلام ولا باللّسان بل بالعمل والحقّ". (1يو 3: 17-18).وهذا يعني أنّه: "لا يمكن للمؤمن أن يغلق أحشاءه أمام مؤمنٍ آخر في احتياج، بل بالحريّ فعليه أن يسرّ بأن يبذل نفسه في سبيل الآخرين.""

وأضاف الخوري سويد: "إذًا، فاللّه يرغب بأن نحبّ، كما هو أحبّنا، كلّ الحبّ الّذي منحنا إيّاه، وكلّ الفرح والسّلام اللّذين زرعهما في عالمنا. ونساعد كما ساعدنا، ونعطي كما أعطانا ونخلّص كما خلّصنا، وأن نبقى بحضرته النّهار كلّه، ونذهب للقائه في الفقراء والمتألمّين... وإذا أردنا أن نعرف إن كنّا نسير على الطّريق الصّحيح ما علينا إلّا أن نحبّ كما أحبّنا هو."

وإستطرد مدبّر رعيّة القدّيسة تقلا قائلًا: "كلّنا نعلم أنّه في عالمنا المعاصر، غالبًا ما نسيء استعمال كلمة الحبّ: فنستعملها لوصف شعورٍ أنانيّ، حبٌّ ينتهي في الأنا، وهنا تكمن الخطيئة. أن نحبّ أيّ: أن نبتسم لشخصٍ حزين، أن نقوم بزيارةٍ حنونةٍ لإنسانٍ منبوذ ولو لبضع دقائق، أن نقوم بتغطية شخص بمظلّتنا من المطر، أن نقرأ نصًّا لأعمى."

وأردف: "أحيانًا، يصعب علينا أن نبتسم لمن يعيشون معنا، لأفراد أسرتنا وننسى أنّ الحبّ يبدأ في بيوتنا. ويمكننا أن ننشره لاحقًا حولنا. قد تكون المحبّة اهتمامات بسيطة جدًّالكنّها تكفي لتعبّر للفقراء عن حقيقة حبّ اللّه. من أجل أن يدوم الحبّ، عليه أن يتغذّى من التّضحيات الصّغيرة اليوميّة. لذا فعلى الحبّ أن يكون أمرًا طبيعيًّا مثل العيش والتّنفّس."

وأضاف: "لمّا اعتلى يسوع صليبه صرخ "أنا عطشان" ولكنّه لم يكن عطشانًا للماء بل للحبّ وللنّفوس الضّائعة. كثيرون يعيشون ويموتون في الوحدة والجوع، فأين المحبّة بذلك؟هلّا تعلّمنا أنّ الحبّ لا يتعب من العطاء، ولا يعطي البقايا، بل يعطي حتّى الألم. ففيهذا الزّمن الأليم، علينا أن نتعلّمكيف نتخمّر في الحبّ، وكيف نكونخبراء في الحبّ،وكيفنتنافس في أعمال المحبّة، وكيف نقوم بعمليّة تخزينٍ للحبّ في أعماقنا، وذلك سيساعدنا حتمًا في أن نكون عمليّين في حياتنا اليوميّة. لأنّهفي المحبّة نتعلّم فنّ العطاء.   وهنا لا بدّ لنا أن نعلم أنّ العطاء لا يجب أن يكون إلزاميًّا، بل شيئًا ممتعًا. اللّه يحبّ من يعطي بفرح، ومن يعطي بفرحٍ يعطي الأفضل. لأنّ الفقراء الذين نلتقيهم لا يحتاجون لمناصرتنا وشفقتنا، بل إلى حبّنا وطيبتنا. حبّنا لهم يجب أن يساوي حبّنا للّه. لا فائدة من أن نبحث عنهم هنا وهنالك لتحقيق وصيّة المسيح. فالمحبّة كما علّمنا إيّاها المسيح ستفرض نفسها علينا في كلّ الأوقات وأينما كنّا. لذا، يجب أن نعي تمامًا أنّه يستحيل علينا أن نحبّ المسيح إن لم نحبّه في القريب، والأعداء والغرباء، والبؤساء والمنسيّين. مرّاتٍ ومرّاتٍ سئلت عن منطق الحبّ، وكنت أقول: "منطق الحبّ هو اللّامنطق"... ومقياس المحبّة هو أن نحبّ بلا مقياس. فالرّبّ لكي يعطينا دليلًا على حبّه، مات على الصّليب. ما نقوله إذًا لا أهميّة له، المهمّ هي الأفعال والأعمال الصّالحة المحبّة. خلقنا اللّه لنحقّق أشياء صغيرةً بحبٍّ كبير. خلقنا اللّه تحديدًا كي نحبّ ونكون محبوبين. لذلك لايجب أن نخاف من أن نحبّ حتّى لو كلّفنا ذلك تضحيات كبيرةً، وحتّى لو آلمنا الحبّ. فالحبّ الّذي أحبّنا إيّاه يسوع قاده إلى الموت. اللّه يقدّر حبّنا، وإن لم يكن ما نعمله مجبولًا بالحبّ فلن يكون مجديًا في عينيّ اللّه. الأم تيريزا علّمتنا أنّالحبّ هو ثمرة كلّ المواسم. وهو أعظم الهدايا. كثيرون أخفقوا في بناء حضارة وثقافة المحبّة، فتبنّوا الكراهية والحقد دستورًا لحياتهم، ولهم نقول: "تنبّهوا فإنّ الكراهية هي سرطان القلب".

وفي ختام تأمّله، توجّه الخوري سويد إلى كل مؤمنة ومؤمن قائلًا: "إخوتي الأحبّاء: إنّي أعلم علم اليقين أنّ اللّه يستمرّ بحبّه للعالم. وهو يستمرّ بإرسالنا أنا وأنتم لنُظهر أنّه ما يزال يحبّ العالم ويشفق عليه. فإنّ الحبّ سيتجلّى في عيونكم، ونظرتكم، وفي أحاديثكم وفي تعابير وجوهكم. لذا علينا أن نحبّ بدون النّظر إلى الوراء، بدون أيّ تردّد أو خوف. العمل بدون حبٍّ هو عبوديّةٌ. وقد أطلقنا الله أحرارًا في هذا العالم لكي نكون شهودًا له. فالتّراجع ممنوع، التّواني ممنوع، الاستسلام ممنوع، اليأس ممنوع، الهروب ممنوع، والإهمال ممنوع بخاصّة في هذا الزّمن الكورونيّ والانهيار الاقتصاديّ العالميّ. لقد وضع اللّه كلّ حنان قلبه فخلق الحياة البشريّة، لذالا يحقّ لنا أن ندمّرها بغسل أيدينا كما فعل بيلاطس البنطيّ، بل علينا أننعين يسوع بحمل صليبه كما فعل سمعان القيرينيّ."