دينيّة
26 حزيران 2012, 21:00

الواحة تلتئم في تونس حول الدين والمجتمع في حالة انتقال

(الاب رفعت بدر - أبونا) الواحة، اسم المركز الدولي الذي أسسه الكاردينال أنجلو سكولا (اليوم رئيس أساقفة ميلانو) عندما كان بطريركاً لمدينة فينيسيا البحرية، وذلك بهدف تعميق الحوار والعلاقات الايجابية بين الشرق والغرب، وتحديداً بين المسلمين والمسيحيين. وتعقد اللجنة العلمية للواحة مؤتمراً دولياً سنوياً، مرّة في فينيسيا وأخرى في دولة عربية أو شرق أوسطية، وقد كان نصيبنا في الأردن عام 2008، حينما عقدت الواحة مؤتمرها في بيت الزيارة في الفحيص، واستمر يومين، وحمل عنوان \"الحرية الدينية، ثروة في كل مجتمع\".

أتحدث عن الواحة اليوم بعد اختتام مؤتمرها التاسع الذي التأم هذا العام وسط العاصمة التونسية تونس، وحملت على مدار يومين عنوان: "الدين والمجتمع في مرحلة انتقال، تونس تسائل الغرب". وقد تغيّب رئيس المركز الكاردينال سكولا للمرة الأولى عن هذا المؤتمر إلا أنه بعث برسالة عبر الفيديو، وكتب مقالاً حول موضوع المؤتمر نشرته عدد من الصحف الأجنبية والعربية (ومنها جريدة الرأي الأردنية). وبيَّن سكولا أن الواحة تهدف إلى السير في ثلاثة دوائر: أوضاع المسيحيين، وبخاصة حيث يكون عددهم قليلاً في الدول العربية والإسلامية، وثانياً المعرفة حول المسلمين أنفسهم، وثالثاً البعد الإنساني العالمي، من خلال طرح السؤال: أي إنسان يريد أن يكون إنسان القرن الحادي والعشرين.

وقد شارك في مؤتمر هذا العام عدد كبير من الأساقفة والكهنة والعلماء من عشرين دولة عربية وأجنبية، وكذلك علماء وأساتذة جامعات ومفكرون سياسيون من التيارات الإسلامية والعلمانية والمستقلة، من الدولة المضيفة تونس، وتحدثوا حول أوضاع بلدهم الجديد، بعد الثورة التي حصلت. وكذلك تحدث المشاركون الضيوف عن انطباعاتهم الأولية عن تونس، فوجدوا على الفور تطوّراً واضحاً في مجال التعددية وحرية التعبير المرتفعة، مما جعل المعارضة تتحدّث عن نفسها بشكل مسموع، ولم يسبق له مثيل. وقد عبّرت العديد من الأصوات عن تفاؤلها بأنّ تونس سوف تنجح، بالرغم من الصعوبات الثقيلة، ومن وجود جماعات تتبنّى العنف، بأن تبني مستقبلاً ديمقراطياً حقيقياً، وأن تقدّم بذلك درسا لبقية أنحاء العالم، المسلم منه وغير المسلم.

إلا أنّ الحدث الأبرز في مؤتمر هذا العام، قد كان بزيارة الرئيس التونسي الدكتور المنصف المرزوقي لقاعة المؤتمر، وإلقائه كلمة معدة بإتقان وبلغة فرنسية بليغة، أكد فيها أن الحوار بين الأديان هو الطريق الوحيد والسبيل الأيسر لتجاوز الخلافات والصراعات وإرساء علاقة سليمة بين الإسلام والمسيحية وبين الأديان بصفة عامة، وأضاف كلاماً فاجأ الحضور وجعلهم يدركون أنهم في دولة عربية جديدة، بكل معنى الكلمة: "إننا في تونس نهدف إلى إنشاء مجتمع الحريات، وبخاصة حرية الضمير والحرية الدينية، فالمواطن التونسي هو مواطن، بغض النظر عن دينه، ولا يجوز أن يتألم بسبب إيمانه ومعتقداته". وختم الرئيس التونسي مصرّحاً: "الحرية هي هدفي وهدف الثورة وهدف كل التونسيين، ما زالت الطريق أمامنا طويلة، إلا أننا سنعمل معاً، على تحقيق هذا الهدف النبيل".

جميل جداً المشاركة في المؤتمر الذي أغناه المشاركون بمداخلاتهم ورؤاهم وآرائهم، ومنهم بالمناسبة الفتاة التونسية، بليغة اللسان ناديا المرزوقي، التي لم تتحدّث بصفتها ابنة الرئيس، وإنّما كإحدى الطالبات على وشك إنهاء دراستها العليا من الجامعة الأوروبية في المدينة الايطالية فلورنسا، وقد تحدثت عن تخصّصها في الحرية الدينية ومستقبلها في الوطن العربي. وكم كان مدهشاً ومؤثراً أن نصغي إليها، وكذلك إلى والدها، وهو اليوم زعيم عربي في أول دول الربيع العربي، متحدّثاً ليس فقط عن حرية العبادة التي تنص عليها مجمل الدساتير العربية، بل عن الحرية الدينية، بمعناها الواسع والصحيح، أي حرية الضمير. فهل يشكل هذا الخطاب الرئاسي فاتحة عهد جديد في تونس وفي سائر دول الربيع، في مجال الحرية الدينية، وهي أم الحريات جميعها؟ لننتظر وسنرى...