دينيّة
18 أيار 2016, 07:46

إلى "الأيّام العالميّة للشّبيبة" سرّ!

ريتا كرم
بدأ العدّ العكسيّ للأيّام العالميّة الحادية والثّلاثين للشّبيبة، فشباب العالم بدأوا بالتّحضير لتلك الأيّام البيضاء الّتي ستجمعهم ببابا المفاجآت فرنسيس في كراكوف، من 26 لغاية 31 تمّوز المقبل، بحيث ستحلّ عليهم كالنّسمة العليلة الّتي تخفّف من وطأة حرّ الصّيف وتروي القلوب العطشى إلى كلمة الحياة، بخاصّة أنّ للمكان رمزيّة كبيرة مرتبطة مباشرة بالحدث.

 

فكراكوف تلك المدينة البولونيّة هي مسقط رأس مطلق الأيّام العالميّة للشّبيبة البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني الّذي يصادف اليوم ذكرى مولده على الأرض، فيها عاش أجمل اللّحظات وأغلاها على قلبه، فعايش مشاكلها كاهناً وأستاذاً وأسقفاً وكاردينالاً.

هناك أكثر من مليوني شابّ وشابّة سيلتمسون رحمة الله مع الشّعار العامّ "طوبى للرّحماء، فإنّهم يرحمون". ساحات البلدة ستعجّ بالحجّاج الشّباب الوافدين من الغرب باحثين عن شعلة تبقي حرارة الإيمان متّقدة فيهم في ظلّ العلمنة والإلحاد والبدع المتأجّجة في بلدانهم، ومن الشّرق حاملين أوجاع شعوبهم الغارقين في الحروب والانقسامات والاضطهاد. في كراكوف سينعمون بعناق الكنيسة الأمّ لأبنائها المنتشرين في كلّ أصقاع الأرض. كلّهم سيشعرون بحضور شفيعهم إبن المدينة، وسيفرحون بكلام الأب الأقدس الّذي سيبثّ فيهم روح الله، ويمحو كلّ شكّ يزعزع إيمانهم، ويطمئن القلوب المضطربة، ويبلسم جراح النّفوس المتألّمة، تماماً كالأب الحنون والرّاعي الصّالح. نعم، هناك سيعيشون السّماء على الأرض ويتمنّون لو أنّ تلك الأيّام تطول ولا تنتهي.

معهم سنتذكّر بداية الحكاية عام 1984 في أحد الشّعانين، يوم سلّم بابا روما يوحنّا بولس الثّاني "صليب المسيح" إلى أكثر من ثلاثمئة ألف شابّ احتشدوا في ساحة القدّيس بطرس في روما، قائلاً: "أعزّائي الشّباب، وفي نهاية هذه السّنة اليوبيليّة أسلّمكم شعارها، ألا وهو صليب المسيح، إحملوه في العالم كعلامة لمحبّة يسوع للبشريّة، وقولوا للجميع إنّه فقط في موت المسيح وقيامته يجدون الخلاص والفداء."

هكذا بات الأمر تقليداً سنويّاً تحتفل به الأبرشيّات الكاثوليكيّة في العالم في كلّ سنة، في أحد الشّعانين، وتجمع شبيبتها كلّ سنتين أو ثلاثة، وتأتي بهم من كلّ البلدان وتجمعهم في بلد واحد حول الصّليب الّذي يخترق الحشود برفقة البابا يوحنّا بولس الثّاني، فيصير ذاك المكان وطنهم الّذي يفترشون ساحاته غير آبهين لحرارة الصّيف أو برد الشّتاء، مكتفين بما حملوه معهم من أوطانهم الأمّ، مهيّئين الجّعبة لزاد روحيّ يعودون به أدراجهم.

بداية هذا التّقليد كانت من روما، وبعدها كرّت السّبحة لتمرّ بالأرجنتين، إسبانيا، بولندا، أميركا، الفيليبّين، فرنسا، إيطاليا، وكندا، ليتابع البابا بنديكتوس من بعده المسيرة ذاتها فيلاقي الشّباب في ألمانيا، أستراليا وأخيراً في إسبانيا، ليقود بعدهما البابا فرنسيس السّفينة الّتي رست في أوّل محطّة لها في الرّيو دي جينيرو في البرازيل عام 2013، لترسو بعد نحو شهرين في كراكوف.

واليوم، تستعدّ بولندا وأبرشيّاتها لهذا الحدث الضّخم بحيث استقبلت كاتدرائيّة القدّيسين بطرس وبولس في بوزنان صليب الأيّام العالميّة للشّبيبة في مراسم احتفاليّة، على أن يجوب كافّة أبرشيّاتها وأبرشيّات بولندا في رحلة حجّ بدأت في مطلع أيّار وتستمرّ لغاية شهر حزيران، لينطلق وأيقونة السّيّدة العذراء في 29 حزيران حتّى 13 كانون الأوّل إلى أبرشيّات البلدان المجاورة: روسيا البيضاء، ليتوانيا، لاتفيا، روسيا، أوكرانيا، مولدوفا، رومانيا، المجر، سلوفاكيا والتشيك. ويصل صليب وأيقونة أيّام الشّبيبة العالميّة إلى كراكوف في 20 أيّار أيّ بعد يومين من تاريخنا.

هذا وسيسبق اللّقاء أسبوع يعرف بـ"أيّام الأبرشيّات" الّتي تمتدّ من 20 إلى 25 تمّوز، في جميع أنحاء أبرشيّات بولندا.

مع اقتراب الموعد، لنشرّع قلوبنا للرّحمة الإلهيّة، ولننفض منها كلّ شيب وشائبة فنعيد إليها شبابها لأيّام ربّما تكون معدودة في رزنامة حياتنا وإنّما أثرها غير محدود، أثر يبقى مطبوعاً حتّى انقضاء الأيّام.