"يا حسرتي! أنا بدّي أنغرم؟ أنا هيك حبَّيْت..."
الحبّ يطرق باب القلب بدون استئذان فيدفعه إلى العطاء السّامي والتّبادل السّخيّ، فكيف لنا، نحن الشّباب، أن نفهمه من دون أخذ عِبَر في الحياة من مسنّين شاءت الظّروف أن يُكملوا أيّامهم الباقية في دير مار يوسف جربتا إلى جانب المسؤولة الأخت حنّة والمُرافِقة القدّيسة رفقا.
زيارة إذًا قام بها موقعنا للدّير كانت كافية لحصد ثمار قصص عجزة نسجوا ذكرياتهم من خيطان الأحداث والأيّام والخبرات القديمة.
"ضلّيت أخدم أهلي تَمَرَقت هالإيّام وما حبّيت وما تجوّزت".. هذا ما تُخبرنا إيّاه سعاد. فالسّنوات سارعت في الرّكض لتمنع سعاد من التّفكير بالحبّ والزّواج، سنوات ملأتها سعاد بحبّ من نوع آخر، حبّ الأبوين، حبّ العطاء، حبّ المساعدة، حبّ بذل الذّات، حبّ التّضحية في سبيل الآخر.
"يا حسرتي! أنا بدّي أنغرم؟ كانت أيّام حرب نقعد فِيا بالبيت ونشتغل".. بهذا عبّرت سعاد عند سؤالنا إن كان الحبّ قد نقر قلبها يومًا. فهي خدمت بصدق ومحبّة أباها وأمّها وأُختيها وخالتها، إلى أن سار كلّ بطريق، وهي سارت صوب جربتا لتعيش مع أصدقائها العجزة والأخت حنّة بين جبال لبنان الشّماليّ ونسيمها اللّافح.
"أمّي قبل ما تموت وصّتني ما عذّب حدا فيّي".. وصيّة حفظتها سعاد في قلبها وعقلها وتصرّفاتها، فهي تسعى جاهدة رغم التّعب والعمر أن ترتّب غرفتها في الدّير وتستحمّ وتأكل وتلبّي حاجاتها باستقلاليّة مميّزة.
"أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم، وأنا هيك حبّيت!".. أحبّت سعاد إذًا بصدق كرامتها وأهلها وخدمتها الآخر، وأحبّت يسوع والقدّيسة ريتا حبًّا رافق حياتنا وأمدّها بالقوّة.
الحبّ إذًا شمس صيف تملأ القلب دفءًا وحرارة، الحبّ غيمة شتاء تحمل أمطارًا تنقّي الرّوح، الحبّ زهرة ربيع تتفتّح أملًا وتجدّدًا وازدهارًا، الحبّ ورقة خريف تتمايل لتُراقص الجسد وتحرّك العقل، الحبّ أنواع وأشكال متنوّعة، لكلّ منها نكهة ورونق وجمال، الحبّ لا يقتصر بالزّواج فقط، بل هو العطاء والخدمة والتّعاون والإيمان والصّلاة، فليطوّل الله بعمر الأحبّاء وليرافق دروبهم ليكون شريط حياتهم آبارًا عميقة تتدفّق فرحًا ورجاء.. الخاتمة!