ثقافة ومجتمع
19 شباط 2025, 08:00

"ليكن كلامكم نعم نعم ولا لا"...

تيلي لوميار/ نورسات
"تخيَّل عالمًا بلا كذب، عالمًا مبنيًّا على الثِّقة والاحترام المتبادل. عالمًا يزدهر فيه الحبُّ والسَّلام." بهذه المقدّمة استهلّ خادم رعيّة كنيسة البشارة – العبدة - عكّار الأب جوزف الخوري مقالته عن أهميّة غرس الصّدق والقيم الأخلاقيّة في قلوب أطفالنا.

وتابع: "هذا العالم ليس مجرَّد حلمٍ، بل هو واقعٌ يمكننا تحقيقه إذا زرعنا بذور الصِّدق في نفوس أطفالنا. فالصِّدق هو بوصلةٌ تقودنا إلى الطَّريق الصَّحيح، وهو أساسُ كلِّ علاقةٍ ناجحةٍ. دعونا نسافر معًا في رحلةٍ لاستكشاف أهميَّة الصِّدق وكيف يمكننا غرس هذه القيمة النَّبيلة في قلوب أبنائنا.

الصِّدق جوهرةٌ ثمينةٌ نزرعها في قلوب أطفالنا، وهو أساس بناء شخصيَّةٍ قويَّةٍ ومتوازنةٍ. 

يقول يعقوب الرَّسول في رسالته: "ولكن ليكون كلامكم نعم نعم، ولا لا، لكي لا تسقطوا في الدَّينونة." (يعقوب 12:5). 

هذه الآية تدعونا لأن نكون واضحين وصريحين في كلامنا، وأن نتجنَّب المواربة والمراوغة. فالكلام الصَّادق هو أساس الثِّقة المتبادلة بين النّاس، وهو من صفات المؤمن الحقيقيّ.

علّموا أطفالكم أن يكرهوا الكذب وأوضحوا لهم كم أن الله يكره الكذب. واِروُوا لهم قصَّة آدم وحواء وكيف وقعا في مصيدة الشَّيطان عندما خدعهما وصدّقا كذبته، لذلك يقول الرَّبُّ واصفًا الشَّيطان: "لأنَّه كذّابٌ أبو الكذب" (يوحنا44:8).

بالتّالي على الأهل وهم المربّون الأوائل لأطفالهم، والمسؤولون عن غرس القيم الأخلاقيَّة في نفوسهم، أن يبذلوا قصارى جهدهم لزرع الصِّدق في نفوس أطفالهم. فعندما يرى الطِّفل والديه يتحدَّثان بصراحةٍ وصدقٍ، سيتعلَّم تلقائيًّا هذه القيمة. 

يقول الرَّبّ يسوع المسيح: "كونوا أنتم كاملين كما أنَّ أباكم الّذي في السَّموات كاملٌ."

 (متى 48:5). 

فالأهلُ هم القدوة الأولى لأطفالهم، وعليهم أن يكونوا قدوةً حسنةً في الصِّدق والأمانة.

يجب على الأهل تشجيع أطفالهم على قول الحقيقة، حتّى لو كانت صعبة. ويمكنهم ذلك من خلال الثَّناء على صدقهم. كما يجب عليهم التَّحدُّث مع أطفالهم بصراحةٍ ووضوحٍ حول أهمِّيَّة الصِّدق وعواقبه. ويمكنهم استخدام قصص الكتاب المقدَّس كأداةٍ تعليميَّةٍ فعّالةٍ، مثل قصَّة يوسف الصِّديق وكيف أنَّ الصِّدق جعله يحظى بمكانةٍ عاليةٍ.

إنَّ بناء بيئةٍ آمنةٍ ومُحبَّةٍ في المنزل يساعد الطِّفل على الشُّعور بالرّاحة الكافية للتَّعبير عن نفسه بحريَّةٍ وصدقٍ. عندما يشعر الطِّفل أنَّ والديه يثقان به ويحترمون رأيه، فإنَّه يكون أكثر استعدادًا لمشاركة أفكاره ومشاعره بصراحةٍ.

الصِّدق ليس مجرَّد قيمةٍ أخلاقيَّةٍ، بل هو ضرورة حياتيَّة. فالطِّفل الصَّادق يحظى بثقةِ الآخرين واحترامهم، ويصبح فردًا فعّالًا في مجتمعه. كما أنَّ الصِّدق يُقوّي علاقة الطِّفل بربِّه، فالله يُحبُّ الصَّادقين ويكره الكاذبين. 

"الكذب مقتٌ لله، أمّا العاملون بالصِّدق فرضاه" (أمثال 22:12)

قد يواجه الآباء بعض التَّحدّيات في غرس قيمة الصِّدق في نفوس أطفالهم، مثل ضغوط الأقارب أو الخوف من العقاب. ولكن يمكن التَّغلُّب على هذه التَّحدّيات من خلال الحوار المفتوح مع الطِّفل وبناء علاقةٍ قويَّةٍ مبنيَّةٍ على الثِّقة والاحترام.

إنَّ أطفالنا مرآةٌ عاكسةٌ لأفعالنا. إن رأوا فينا الغشّ والخديعة والمراوغة، فسيتعلَّمون أنَّ هذا هو السُّلوك المقبول. فإذا كنّا ننصب الفخاخ للآخرين ونتحدَّث عنهم بالسّوء خلف ظهورهم، فكيف نتوقَّع من أبنائنا أن يكونوا صادقين وأمناء؟ إنَّهم سيتعلَّمون منّا أنَّ الكذب والمكر هو الطَّريق إلى النَّجاح، وهذا ما لا نريده لهم.

الصِّدق هو هديَّةٌ ثمينةٌ نقدِّمها لأطفالنا. فبغرس قيمةِ الصِّدق في نفوسهم، نساعدهم على أن يصبحوا أفرادًا صالحين ومؤثِّرين في مجتمعاتهم. كما نساعدهم على بناء علاقةٍ قويَّةٍ مع الله، الّذي هو مصدر كلِّ صدقٍ وحقيقةٍ.

رحلة غرس الصِّدق في نفوس الأطفال هي رحلةٌ طويلةٌ وشاقَّةٌ، ولكنها تستحقُّ كلَّ جهدٍ نبذله. فبالصَّبر والمثابرة، يمكننا أن نربّي جيلاً جديدًا من الأشخاص الصّادقين والأمناء، الّذين يساهمون في بناء مجتمعٍ أفضل لنا وللأجيال القادمة."