ثقافة ومجتمع
12 كانون الثاني 2025, 14:00

الملابس والموضة والتّطوّر

نورسات
"هل "الملابس تصنع الإنسان"؟ هذا مثل قديم يعلن لنا أنّ ما نلبسه يذهب إلى حدّ بعيد في تحديد هويّة كلّ واحد منّا وكيف يفهم نفسه وكيف يفهمه الآخرون." بهذه المقدمّ’ استهلّ خادم رعيّة كنيسة البشارة – العبدة - عكّار الأب جوزف الخوري مقالته عن واقع الملابس والموضة والتّطوّر في أيّامنا.

وتابع: "مليارات من الدّولارات تُصرف كلّ سنة على ما نلبسه: من ملابس رسميّة إلى ملابس البحر، إلى أنواع ملابس مختلفة لمناسبات مختلفة.

إنّ شراء الملابس أصبح اليوم ديانة شعبيّة جديدة، وأصبحت أسواق الملابس أشبه بأماكن العبادة والكاتدرائيّات الكبيرة.

في الأساس كانت تُستعمل الملابس للتّعريف بفريق رياضيّ، بحضارة، بثقافة أو بطبقة اجتماعيّة معيّنة. ما نلبسه يخبر بمن نحن أو عمّا نحبّ أن نكون.

فإذا أخذنا البحر كمثل نتحدّث عنه، نرى أنّه يتحوّل اليوم لساحة تُعرض فيها الأزياء البحريّة والأجساد العارية. لم يعد البحر مكانًا لممارسة هواية رياضيّة بل أصبح مكانًا للاستعراض وللتّركيز علی إبراز مفاتن الجسد والمبارزة بين النّاس على من يرتدي الزّيّ الأجمل أو الأفضح، وهذا ما يبعدنا عن المفهوم المسيحيّ للجسد واللّباس. وها هي كنائسنا اليوم أيضًا، تتحوّل في كلّ المناسبات إلى ساحة تحدّ كبيرة ومهمّة تعرض فيها الأجساد العارية ويا ليتها بقيت فقط لعرض الملابس وما وصلت إليه آخر الصّرعات والموضة.

قد تكون الموضة بحدّ ذاتها علامة من علامات التّطوّر المتخلّفة لما تعنيه بالنّسبة للكثير من النّاس، لأنّ من لا يلبس على الموضة، ويرتدي ما يفرضه علينا أهل التّجارة والاهتمام بما هو للجسد لا يُعتبر مواكبًا لعصره بل متخلّفًا عن ركب الحضارة ومنافسة أهلها.

المشكلة المطروحة هنا ليست الموضة نفسها والتّعبّد لها في الكثير من الأحيان، بل فيما تفرضه علينا من لباس غير محتشم ولا أخلاقيّ في بعض الأحيان، فيبرز مفاتن الجسد، وكأنّ موضة اليوم أصبحت التّحدّي في من يستطيع أن يتعرّى أكثر من الآخر ولم تعد مجرّد التّباهي بالزّيّ الذي نلبسه.

فإن كانت أجسادنا فعلًا هي "هياكل للرّوح القدس" كما يقول بولس الرّسول، فكيف نترك هذه الهياكل المقدّسة عرضة لدنس كلّ عين شرهة تشتهي وتزني في فكرها؟ أم المقصود من اختصار الملابس بهذه الطّريقة هو التّوفير فقط؟

الملابس ليست شرًّا والتّستّر ليس عيبًا، فاللّه لم يخلق شيئًا شرّيرًا في طبيعته، بل أنّ الشّرّ ينتج من خلال الاستعمال الخاطئ والشّرير لما خلقه الله وأوجده لأجل منفعة الإنسان.

وفي إنجيل متّى عندما يتحدّث الإنجيليّ عن الدّخول المجيد واللّامع لربّنا يسوع المسيح إلى أورشليم (أحد الشّعانين)، نقرأ عن استعمال مختلف للملابس إذ أنّها فُرشت على الأرض لكي تطأها قدما السّيّد (متى ۱:۲۱-۸).

يا له من تباين بالنسبة لمأساة آدم في الفردوس، حيث نقرأ في سفر التّكوين الإصحاح الثّالث، أنّ آدم بعد عصيانه للرّبّ وأكله من الشّجرة المحرّمة، أخفى نفسه عن الرّبّ، وهو خجل من عريه، وعندما طُرد آدم من الفردوس، نقرأ أنّ الرّبّ صنع ملابس من جلد لآدم وحوّاء لأنّهما خسرا طهارتهما، ومنذ أن وقعت تلك المأساة، والإنسان يحاول أن يخفي حقيقة نفسه عن الله.

نحن نحاول أن نكسي أنفسنا ونسترها بلباس البرّ والقداسة، باستعمالنا كلمات ورعة وتقيّة، وذلك بممارسة بعض أعمال الإحسان مركّزين على مظهرنا الخارجيّ وليس على ما ينبع ويجري في داخلنا. نزيّن أنفسنا بأناقة خارجيّة لنعطي انطباعًا للنّاس عن طهارتنا وقداستنا بينما نحن نخفي خلفها الافتراء، الغضب، الضّغينة والاستياء في قلوبنا.

فكيف يجب أن نستقبل الرّبّ؟ هل علينا أن نغطّي أنفسنا بزينة خارجيّة مبهرجة من ملابس وحليّ؟ أم علينا أن نتخلّص من الملابس التي نتخفّى وراءها فتُداس بالتّالي تحت أقدام ملكنا الرّبّ يسوع المسيح؟ (كما حدث في أحد الشّعانين).

هل علينا أن نحتفظ بالزّينة الخارجيّة، أم علينا أن نرمي جانبًا هذه الأشياء التي تضع قناعًا على حقيقة أنفسنا ونقول: "ها أنا كما بالحقيقة غير مزيّن، مشوّه، عريان روحيًّا أمامك يا ربّ".         

هل علينا أن نبقى كما نحن بالحقيقة أم علينا أن نتبدّل؟ هل علينا أن نحاول الاختباء كلما اقترب الرّبّ منا، كما فعل آدم في الفردوس، أم علينا أن نمجّد الرّبّ ونرحّب به صارخین نحوه "أوصنا"؟

إن كانت لدينا الرّغبة فعلًا بأن نتغيّر فلنتذكّر معًا قول بولس الرّسول في رسالته الثّانية إلى كورنثوس: "فإننا في هذه أيضًا نئن مشتاقين إلى أن نلبس فوقها مسكننا الذي من السّماء" (٢كور ه:٢). 

دعونا نقدّم أنفسنا كما هي بالحقيقة، بالتّواضع وبالتّوبة، والرّبّ نفسه سوف يلبسنا ثوب البرّ والقداسة. علينا أن نختار، فلا نستطيع أن نكون في مكانين في وقت واحد، بل هناك مكان واحد واختيار واحد."