ثقافة ومجتمع
29 تموز 2016, 12:44

"بوكيمون غو" على الطّريقة اللّبنانيّة

ريتا كرم
على طول الطّريق، من الدّورة إلى طرابلس، يتسابقون منذ الصّباح الباكر حتّى ساعات متأخّرة من اللّيل، يصطادون الرّكّاب على طول الأوتستراد ذهاباً وإياباً من دون أيّ اعتبار للسّيّارات الأخرى أو لدرجات الزّحمة المتفاوتة؛ هؤلاء هم سائقو الباصات.

 

فعلى طول الخطّ، ركّاب من كافّة الأعمار والجنسيّات والمجالات، يقفون تحت أشعّة الشّمس الحارقة وفي حرارة الصّيف المرتفعة، ينتظرون باصّاً يقلّهم من وإلى أعمالهم وبيوتهم. وها هو الفرج آتٍ! فما أن يطلّ الباصّ من بعيد غامزاً لهم عبر المصابيح الأماميّة، حتّى يتهيّأ الرّاكب لوضع رجله في داخله ولكن ها هو يحسب ألف حساب قبل أن يستقلّه، لأنّه على ما يبدو أنّ السّائق يخوض سباقاً في اصطياد العدد الأكبر من الرّكّاب، عساه ينجح أن يسبق زملاءه في الوصول إليهم أوّلاً، متشبّهاً بلعبة "بوكيمون غو" بفارق بسيط: فهو ليس بحاجة إلى هاتف ذكيّ ولا إلى كاميرا، بل جلّ ما يحتاجه هو مقود باص وعين ثاقبة تعرف متى وكيف تنقضّ على غنيمته.

وبالعودة إلى الرّاكب، فما أن يأخذ مكانه في الباص، لا يجلس إلّا مستقيماً، يتشبّث جيّداً لأنّ رعونة السّائق يمكن أن تقوده إلى فقدان أعصابه أو ربّما حياته لأنّ الأخير اختار أن يفتعل مشكلاً مع أحد منافسيه من دون أيّ اعتبار لحياة من معه. فبعد التّهديد والصّراخ وسط الأوتستراد العريض والزّحمة وأبواق السّيّارات، ينطلق الاثنان كالقطّ والفأرة، يتهافتان نحو الهدف زارعين العثرات بعضهما لبعض، والرّكّاب في الدّاخل يتمايلون بحسب السّرعة ويترنّحون يميناً ويساراً مع كلّ لفّة وكيف الحال إذا كانت تترافق و"دعسة من القلب" على المكابح؟ وهم يأخذون مجدهم بخاصّة عندما تصبح الطّريق سالكة فتغيبب الزّحمة، ويطلق السّائقان العنان لباصيهما، لتتخطّى السّرعة تلك المفروضة على طول الأوتستراد والّتي تتراوح بين 80 و100 كلم/ الساعة، ليسيطر جموح وجنون غير مقبولين. ولا ننسى الشّتائم الّتي تتخطّى المعقول فتضيف على التّوتّر توتّراً، غالباً ما يتبادلها السّائقان- إن ليس من نافذة إلى أخرى- عبر الـ"واتساب".

وكم سعيد هو الرّاكب الّذي يصل إلى وجهته، فيستعيد أنفاسه ما أن يخرج من الباص، بحيث يصحّ هنا المثل القائل: "الدّاخل إليه مفقود والخارج منه مولود."

ولكن، في بلد ازدحمت فيه المشاكل: فلا دراسة فيه لنظام النّقل المشترك، ولا قوانين تطبّق ولا عقوبات تفرض على مخالفيها، ولا احترام لحياة الإنسان. ففي بلد باتت الـ"لاءات" إن رُفعت لا تُحصى ولا تُعدّ، هل يمكن أن يستريح اللّبنانيّ يوماً ما من مشكلة، من المفروض أن تكون حلّاً تسهّل على المواطن حياته وتقيه مخاطر عديدة ومصاريف جمّة، فيكون النّقل المشترك آمناً وقانونيّاً؟!