ثقافة ومجتمع
31 أيار 2024, 13:30

هويّة الإنسان والطروحات المعاصرة

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب بسام ناصيف

 

"هل هويّة الإنسان كذَكَر أو كأُنثى أساسيّة للإنسان وخلاصه، حتّى في الحياة الأبديّة؟ تميل فئة من العلماء المعاصرين، من باب دعم إيديولوجيّات جندريّة، إلى قراءة نصوص الآباء وتعليم الكتاب المقدّس بطريقة مجتزَأة وانتقائيّة. فالبعض ينشر التعليم بأنّ التمايز بين الذكَر والأُنثى كان غائبًا عن الطبيعة البشريّة الأصليّة، وقد أُدخل إلى هذه الطبيعة كنتيجةٍ للسقوط في الخطيئة، وسيزول من الإنسان في الحياة الأبديّة. هذا التفسير يَعتبر أن الجندر ليس من الطبيعة الأصليّة للإنسان، وأن الهويّة الجندريّة ليست بيولوجيّة. وهذا ما يفتح الباب لتبرير ما يُسمّى بالتحوّل الجنسيّ.

فبحسب هؤلاء، ما يحدّد جنس الإنسان ليس علم الأحياء، بل طريقة فهم الإنسان لذاته والتعبير عن هذا الفهم. ولأنّ أنماط فهم الذات يحتمل أن تكون غير متناهية، صارت أنواع الجندر غير متناهية. فالبشر، بحسب هؤلاء العلماء، كائنات ثقافيّة بحتة، بينما الكائنات البيولوجيّة ليست سوى بكتيريا وسحالي وقطط. لذا فإنّ صفات الإنسان البيولوجيّة لا علاقة لها على الإطلاق بتحديد هويّته الجنسيّة. وقال البعض أيضًا إنّنا بحاجة إلى تجاوز حدَّين يُفترض أنّهما يقمعان وجودنا. أوّلًا، الحدّ البيولوجيّ، بحيث أنّ صفاتنا البيولوجيّة لا تعني شيئًا ولا تحكم مسبقًا على الإطلاق على توجّهاتنا وميولنا ورغباتنا. وثانيًا، الحدّ الثقافيّ، حيث لا ينبغي لأحد أن يحدّد أنّ هناك ذكرًا وأنثى فقط وكيف يجب أن يتصرّفوا ويكونوا. وهذا الأمر يشبه ملّاحًا يُبحر وحيدًا في محيط شاسع، ويحدّد بمفرده هويّته الجنسيّة الذاتيّة. وهكذا بُني عالمٌ بابليٌّ يعيش فيه أفراد متحرِّرون، وقد جعلوا مُثُلهم العليا التنوّع المطلق، والسعي النرجسيّ إلى التفرّد المطلق. 

إنّ هذه الطروحات التي يقدّمها بعض العلماء المعاصرين لا تتطابق مع تعليم الكنيسة الأصليّ. إذ يرى هذا التعليم بأنّ الجندر هو جزء من الطبيعة البشريّة المخلوقة على صورة الله، ويستمرّ في الملكوت، لأنّ الله خلق الإنسان على صورته، «ذكرًا وأنثى خلَقَهم. وباركهم اللهُ وقالَ لهم: أَثْمِرُوا وأكثِروا واملأُوا الأَرضَ» (تكوين ١: ٢٧-٢٨). وهذا التمايز الجنسيّ لدى الإنسان بين ذكَرٍ وأنثى هو في صلب خطة التدبير الإلهيّ للخليقة. فالتمايز الذي صنعَه الله بين الجنسَين يستمرّ في الإسخاتولوجيا، على الرغم من أنّ مجد الأيّام الأخيرة سيلقي بظلاله على هذا التمايز."