همُ "النّعمة"!
وعندما تحين السّاعة ويخرج مولودها إلى الحياة ويُقطع الحبل السّرّيّ، شرارة فريدة تُطلِق الحبّ من النّظرة الأولى. فغالباً ما يُزيل اللّقاء الأوّل آلام المخاض ويُنسي ذاك "الصّوت الصّارخ" معاناة كانت تفضّل لو لم تختبرها، وتصبح منذ تلك اللحظة أسيرة هاتين العينين والوجنتين والشّفتين واليدين... تصبح وكأنّها امتلكت الدّنيا!
طبعاً، شعرتِ برهبة وخوف عند العودة إلى المنزل مع مخلوق صغير وضعيف، فكم رغبتِ لو أنّ الفريق الطّبّيّ بكامله يلازمكِ؟ كم تعبتِ من السّهر في اللّيالي الأولى لا بل في الأشهر الأولى؟ كم من مرّة تملّكتكِ رغبة بالاستسلام لكن قوّة فائقة كانت تساندكِ وتسعفكِ؟ قوّة لا تعرف مصدراً سوى من الله الّذي يملأكِ ثقة أنّه معكِ وأنّه لن يعوزكِ شيء لأنّك جبلة يديه وكذلك مولودكِ.
وهنا، تبدأ قصّة عشق والديّ- بنويّ: فها هي قبضة طفلكِ تلفّ إصبعكِ وعيناه تحدّقان بعينيكِ فتصبحين عالمه ويصبح هو دنياكِ. فيكِ يجد الرّاحة والثّقة، فأنتِ الكتف الّذي يهدّئه والقلب الّذي يطمأنه واليد الّتي تربّت على كتفه فتمنحه نوماً هنيئاً. ويصير هو سبب وجودكِ ووالده، فلأجله تعيشان وتضحّيان، تسهران وتكدّان.
فتكتشفان فيكما نبعاً لا ينضب من العطاء والحبّ، لا يجفّفه الزّمان ولا توقف الفصول تدفّقه، ويتحوّل قلباكما إلى ينبوع مياه خالد يعجّ بالحنان وبذل الذّات والخدمة.
فكم جميل لو تزيّن كل البيوت ضحكة الأطفال، ويقوّي اتّحاد الوالدين حبّاً يكتمل بمشاركتهما في "الخلق"! كم يطيب لله أن يرى في أبنائه أمّهات وآباء على مثال يوسف ومريم، أهل يربّون جيلاً جديداً تنبض بهم الكنيسة مستقبلاً، ويكونون هم قادتها ورعاتها وبيعتها.
فيا أيّها الآباء، إهتمّوا بالأمانة الّتي بين يديكم لأنّها هبة من الله- عساه يُمطرها على كلّ عائلة- لا تفرّطوا بأبنائكم، واملأوهم من روح الله وأطلقوهم في هذه الحياة بثقة مطلقة بعنايته الأبويّة.