29 تشرين الثاني 2015, 22:00
من قاتل إلى مقتول..
لوحة فسيفسائية تُرسَم بانتظامِ عددٍ من القطع الصغيرة المصبوغة بالأحداث والتجارب والخبرات والعلم والمكتسبات، تمثّل مسلسل حياة المرء منذ ولادته وحتى اللحظة الأخيرة من حياته.
فالحياة مجموعة أحجار عشوائية ملوّنة بألوان الواقع الذي نعيشه، مزخرفة بمشاعرنا، يتجسّد فيها الفرح بكلّ أشكاله والحزن بمختلف حالاته.
الحياة إذاً نعمة يمنحها الله لنا، يعطينا فيها حرية الاختيار - مع الحفاظ على تعاليمه - حرية نقش هذه اللوحة الفنية وصبغها بالخصوصيّة والفرديّة والجمال الشخصيّ.
الحياة ثمينة للغاية. أيُعقل إذاً أن يكسر الإنسان بلحظة طيش لوحته الرائعة بعد أن استغرق في رسمها عناء سنوات؟ بالطبع لا! لا يحقّ للإنسان أخذ خيار "كسر" حياته أو "تمزيق" ألبوم صور أيامه. كما لا يحقّ له أن يقرّر إنهاء حياة شخص آخر أيّاً تكن الأسباب أو الدوافع كحكم الإعدام مثلاً.
الإعدام لم يكن أبداً طريقة نافعة لتخفيض نسبة الجرائم في المجتمع. فحبل المشنقة الملتفّ على العنق، ليس إلّا وسيلة لإخماد نار الجرم الملتهبة في قلب المحكوم عليه.
يعتبر البعض إعدامَ مجرمٍ حلّاً ليأخذ الآخرون العبر وتتقلّص بالتالي كمّيّة الجرائم. إن كانت النّظريّة صحيحة والعقاب محقّاً، هل نفع الأمر؟ أنرى تحسّناً في هذا المجال؟ هل اختفت الجرائم وغاب العنف وعمّ السّلام في العالم؟
من ناحية أخرى، الإعدام لا يردّ الضّحيّة ولا يعيدها إلى أحضان عائلتها المفجوعة. قد يكون الإعدام بلسماً مؤقّتاً يخمد النار المشتعلة في قلوب أحبّاء المغدور ولكنّه بالطبع لن يستردّ الأمل من جديد ولا الهدوء ولا راحة البال.
من هنا، أيُعقل أن نلجأ إلى القتل لندين من قَتَل؟ فظاعة جرم المحكوم عليه تتلاشى هنا أمام فظاعة "الجرم القضائي": فالمجرم المدني إنسان مريض بحاجة إلى إعادة تأهيل، أمّا الحكم القضائي فجرمه علميّ مشروع منصوص عليه.
في عصر بات فيه العنف علامة فارقة في المجتمعات كافّة، دعوة إلى المواطنين لأخذ السلام والحوار والتفاهم والتضحية والتسامح والمحبة أحجاراً بارزة في فسيفساء الحياة، ودعوة إلى القضاء ليحكم بالعقل والمنطق و ليهدي من حجب العنف بصره إلى نور الأمل والحكمة والإيمان...