من زمن الأصالة.. نصري شمس الدّين
هو الذي عشق المسرح عشقًا دفعه إلى التّعاون مع الأخوين الرّحباني إلى جانب السّيّدة فيروز في أعمال مسرحيّة فلكلوريّة عظيمة، أبى إلّا أن ودّع جمهوره وفنّه ومسيرته على المسرح نفسه في مثل هذا اليوم من العام 1983.
من وُلد في جون الشّوفيّة عام 1927 لم يكن يُدرك أنّه سيصبح وسامًا رفيعًا من أوسمة الفنّ اللّبنانيّ؛ فمن تعليم مادّة الأدب العربيّ في مدارس الضّيعة إلى طالب على مقاعد الدّراسات الموسيقيّة العليا في مصر وبلجيكا، إلى أستاذ في الفنّ الصّحيح والطّرب الرّاقي على مسارح لبنان والعالم العربيّ.
هو عمود أساسيّ يستند إليه تاريخ الفنّ اللّبنانيّ وترتكز عليه الأصالة المبدعة، هو النّسمة المنعشة في صحراء الفنّ الجافّة، هو قطرة المطر التي تروي قحالة الانحطاط، هو عطر الإبداع الذي يسكر رقود اللّحن..
لعب الكبير نصري شمس الدّين أدوارًا عديدة ومتنوّعة بحرفيّة مميّزة، أدوار من أعالي الهرم إلى أسفله، فهو فخر الدّين العائد لبناء لبنان، وعبدو الرّوندي الثّائر على الطّغيان، والمتصرّف الحائر بين أحاسيسه تجاه الشّعب ومسؤوليّاته تجاه الشّخص، والمختار المنتصر دائمًا على راجح، وشرطيّ البلديّة حارس نوم الأهالي، وراجي في ميس الرّيم، وريبال الوزير في بترا، وبربر في ناطورة المفاتيح، وشيخ المشايخ في جسر القمر، والملك في هالة والملك، وزيدون المستشار في صحّ النّوم، والصّيّاد أبو ديب في يعيش يعيش، ورئيس البلديّة في المحطّة، ونصري الحارس في اللّيل والقنديل...
كلّل الكبير نصري شمس الدّين إذًا الفنّ اللّبنانيّ بصوته المخمليّ وتمثيله الرّاقي بعطاء سخيّ استمرّ 30 عامًا، أعوام مجيدة إلى جانب كبار آخرين صعب عودتها في زمن ركد الإبداع ورقدت الأصالة.