ثقافة ومجتمع
31 تشرين الأول 2019, 11:30

مجد لبنان أُعطي له، حان وقت التّغيير

الشّعب الّذي انتفض وثار على الفساد والهدر والسّرقة والنّهب طالب بأوجه جديدة تنقذه من الفقر والقهر والجوع. لكن هذه الثورة أتت حضاريّة راقية فلا تكسير ولا نهب بل جوّ من الفرح والسّلام والوحدة والمحبّة بين النّاس. إنّه زمن السّماء على الأرض في لبنان.

تحويل الانتفاضة إلى برنامج إصلاحيّ

لذلك يجب الإصغاء إلى مطالب الشّعب وتحويل هذه المطالب المحقّة إلى برنامج إصلاحيّ تغييريّ سياسيّ اجتماعيّ اقتصاديّ، إنمائيّ إنسانيّ معيشيّ، والدّعاء والصّلاة إلى الله أن يرحم شعبه ويهبه السّلام والإنماء والرّفاهيّة والسّعادة. حان وقت تغيير الحكومة والإتيان بحكومة مصغّرة من أصحاب اختصاص قبل أن يتحوّل غضب النّاس إلى تكسير وسلب ونهب، لأنّ الجوع والوجع والفقر مرّ. وقبل أن تخسر الثّورة وجهها الحضاريّ والنّقيّ والفرح والسّلام والرّقيّ ويصبح كلّ لبنان في قلب عاصفة الغضب والتّدمير.

العبرة بالتّنفيذ 

الحلّ الواقعيّ والتّنفيذ الحقيقيّ يعيد الثّقة ويحقّق مطالب النّاس ويبني حلم وطن نعيش فيه بكرامة وحرّيّة وتأمين فرص العمل والكهرباء والدّواء والماء والمسكن والكساء.

الصّمت الطّويل انكسر

الثّورة كسرت زمن الصّمت الطّويل والسّكوت عن الفساد والهدر والسّرقة والمحاصصة واللّامبالاة بأوجاع النّاس وآلامهم وهدر كرامتهم وعزّة نفسهم. لذلك يجب أن يحاسب من أوصل الوطن إلى هذه المصائب بلا مبالاة وعدم مسؤوليّة والخروج من عبادة وتقديس الأوجه الّتي مرّ عليها الزّمن وأكلها فساد الاهتراء واستغلال أوجاع النّاس وصمتهم. 

قام لبنان من قبره

إنّها ثورة وطن كثورة بركان كان نائمًا واستيقظ ولفظ حممه الحارقة على تجميع من مدّ يده على كرامة شعبه، وخصوصًا فقرائه ومرضاه وطلّابه وعمّاله وعجزته ومقعديه، وعلى الجياع والعراة والنّائمين على جوانب الطّرقات بدون مأوى أو مسكن أو غطاء تحت مطر الشّتاء وبرده وحرّ الصّيف ولهيبه. سقط زمن الانتهاز بين خفافيش اللّيل ومصّاصي دمّ الوطن ودمّ شعبه المقهور الجائع المصلوب على الفقر والمرض. يفتدي الوطن بآلامه وأوجاعه ويعطيه نعمة خلاصيّة تنبعث من رحم الثّورة والانتفاضة وصرخة الحقّ والحرّيّة والكرامة والعزّة والعنفوان وإعادة الثّقة. الشّعب خسر الثّقة بسياسيّيه ولم تبق أمامه إلّا الثّقة والجيش بالله وبالكنيسة. ولنتذكّر نداء البطريرك الرّاحل مار نصر الله بطرس صفير العظيم كذلك اليوم أطلق البطاركة صرخة الحقّ والتّطهير والتّغيير.

الأعجوبة وحّدت اللّبنانيّين كبارًا وصغارًا، مسيحيّين ومسلمين

توحّد اللّبنانيّون، هذه هي الأعجوبة الكبرى الّتي حدثت وجدّد لبنان شبابه وشابّاته وسبقوا الكبار في الوعي والمسؤوليّة وهتفوا فقط للبنانيّهتم وليس لزعمائهم وطوائفهم، وكرّسوا أرض وطنهم لقد دست قضايا الحقّ والعدل والحرّيّة والسّلام ورفضوا الهجرة والرّحيل عن وطن الأرز والقدّيسين حلّت البركة واقتسم كلّ الشّعب اللّبنانيّ خبز الحرّيّة والكرامة عن طبق الأرض الأمّ الواحدة. 

الثّورة الحقيقيّة هي الثّورة على الذّات 

أمّا الثّورة الحقيقيّة فهي ثورتنا على ما فينا من شهوات وخطيئة وإثم وبغض وجور وحسد وشرّ وأنانيّة. هذا هو الانتصار الحقّ ليس على الآخرين بل على الذّات وعلى الظّلم والحقد والكبرياء والشّرّ والكراهيّة والنّرجسيّة فلنثر على ذواتنا البعيدة عن الله وعن حبّ الآخرين وبذل الذّات لأجلهم وليس لأجل ذاتنا ولأجل مصالحنا ورغباتنا أنّها التّضحية الكبرى بالذّات لأجل الآخرين كما فعل يسوع والصّلاة من أجل لبنان. 

حقّ التّنقّل مقدّس وحقّ التّظاهر مقدّس 

قطع الطّريق عن الشّرّ الّذي فينا وليس قطعه عن إخوتنا النّاس فحقّهم بالتّنقّل مقدّس "فالمحبّة هي الثّورة الحقيقيّة الّتي لا تخون الإنسان"، كما قال البابا يوحنّا بولس الثّاني فيبقى لبنان أكثر من وطن إنّه رسالة الحبّ الثّائر يقرع الآن على أبواب قلب لبنان فلنفتح له الباب ونهيّئ له الدّرب. لتكن لنا على أرضه بعض أيّام السـّماء. وكطائر الفينيق نقوم من رمادنا وكأدونيس نعود مع ربيع لبنان إلى الحياة في لبنان وفي كافّة عواصم العالم حيث انتفض اللّبنانيّون تعاضدًا مع أهل وطنهم الأمّ. 

يجب التقاط اللّحظة التّاريخيّة دموع الخير من الجنود والجيش

اللّحظة التّاريخيّة التّغييريّة يجب التقاطها لنكون على موعد مع مستقبل الأيّام الآتية، وللخروج من دهاليز وقيود الماضي الأليم وللحضور على مائدة الفرح الّتي تملأ السّاحات وقلوب المتظاهرين، إنّه الفرح فرح عرس الحياة الجديدة المولودة من رحم الانتفاضة على الموت والغياب. وأنا أصلّي ليرعى الله شعبه في لبنان وجيشه ولينبت السّلام والخير من دموع ذلك الجنديّ ورفيقه مباركة هذه الأعجوبة الّتي تحدث في تاريخ لبنان.

 

المصدر: الأب البروفيسور يوسف مونّس