الفاتيكان
19 تشرين الثاني 2025, 11:20

ما الرّابط بين قيامة يسوع والارتداد الإيكولوجيّ؟

تيلي لوميار/ نورسات
من ساحة القدّيس بولس بالفاتيكان، ألقى البابا لاون الرّابع عشر اليوم تعليمه خلال المقابلة العامّة، داعيًا المؤمنين إلى استعادة مهمّتهم الأصليّة كـ"حرّاس للبستان"، مشدّدًا على أهمّيّة سماع صرخة الفقراء والأرض.

وفي تفصيل تعليمه، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "نتأمّل، في هذه السّنة اليوبيليّة المكرّسة للرّجاء، حول العلاقة بين قيامة المسيح والتّحدّيات الّتي يواجهها عالمنا المعاصر، أيّ تحدّياتنا. أحيانًا، يريد يسوع، الحيّ، أن يسألنا نحن أيضًا: "لماذا تبكي؟ مَن تطلب؟". في الواقع لا يمكننا أن نواجه التّحدّيات، بمفردنا، والدّموع هي هبة حياة حين تطهر عيوننا وتحرّر نظرتنا.

يشير الإنجيليّ يوحنّا إلى تفصيل يلفت انتباهنا ولا نجده في الأناجيل الأخرى: إنَّ مريم المجدليّة، عندما كانت تبكي قرب القبر الفارغ، لم تتعرّف على يسوع القائم من الموت فورًا، بل ظنّت أنّه البستانيّ. في الواقع، كان النّصّ دقيقًا للغاية وهو يروي دفن يسوع، عند غروب شمس الجمعة العظيمة: "وكانَ في المَوضِعِ الَّذي صُلِبَ فيهِ بُستان، وفي البُستانِ قَبرٌ جَديد لم يَكُنْ قد وُضِعَ فيهِ أَحَد. وكانَ القَبرُ قَريبًا فَوضَعوا فيه يَسوع بِسَبَبِ تَهْيِئَةِ السَّبْتِ عِندَ اليَهود".

وهكذا انتهت، في سلام السّبت وجمال البستان، المعركة المأسويّة بين الظّلمة والنّور الّتي اندلعت بخيانة الابن والقبض عليه والتّخلّي عنه وإدانته وإذلاله وقتله، ذلك الابن، الّذي "كانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه". إنّ زراعة البستان وحراسته هي المهمّة الأصليّة الّتي أتمّها يسوع. فكلمته الأخيرة على الصّليب- "تَمَّ كُلُّ شَيء"- تدعو كلّ واحد منّا إلى استعادة هذه المهمّة ذاتها، مهمّته الخاصّة. ولهذا السّبب، "حَنى رأسَهُ وأَسلَمَ الرُّوح".

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لم تُخطئ مريم المجدليّة تمامًا، إذن، عندما ظنّت أنّها التقت بالبستانيّ! فقد كان عليها بالفعل أن تسمع اسمها مجدّدًا وأن تفهم مهمّتها من الإنسان الجديد، الّذي يقول في نصّ آخر ليوحنّا: "هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا". لقد دلّنا البابا فرنسيس، في رسالته العامّة كُنْ مُسَبَّحًا، على الضّرورة القصوى لنظرة تأمّليّة: فإذا لم يكن الإنسان حارسًا للبستان، سيغدو مدمّرًا له. لذا، فإنّ الرّجاء المسيحيّ يستجيب للتّحدّيات الّتي تواجهها البشريّة جمعاء اليوم، بالبقاء في البستان الّذي وُضِعَ فيه المصلوب كبذرة، ليقوم ويأتي بثمر كثير.

نحن لم نفقد الفردوس، بل استعدناه. وهكذا، فإنّ موت وقيامة يسوع هما أساس روحانيّة الإيكولوجيا المتكاملة، الّتي بدونها تبقى كلمات الإيمان بعيدة عن الواقع، وتبقى كلمات العلوم بعيدة عن القلب. "لا يمكن اختزال الثّقافة الإيكولوجيّة في سلسلة من الإجابات العاجلة والجزئيّة على المشاكل الّتي تظهر فيما يتعلّق بالتّدهور البيئيّ واستنفاد الموارد الطّبيعيّة والتّلوّث. بل ينبغي أن تكون نظرة مختلفة، وفكرة، وسياسة، وبرنامجًا تربويًّا، وأسلوب حياة وروحانيّة تُشكّل مقاومة".

ولهذا السّبب، نتحدّث عن ارتداد إيكولوجيّ لا يمكن للمسيحيّين أن يفصلوه عن انعكاس المسار الّذي يتطلّبه منهم اتّباع يسوع. والدّليل على ذلك هو التفات مريم، في صباح عيد الفصح ذاك: من ارتداد إلى ارتداد فقط، نعبر من وادي الدّموع هذا إلى أورشليم الجديدة. هذا العبور، الّذي يبدأ في القلب وهو روحيّ، يُغيّر التّاريخ، ويُلزمنا علنًا، ويُنشّط تضامنًا يحمي الأشخاص والمخلوقات من مطامع الذّئاب، باسم الحمل الرّاعي وقوّته.

بهذه الطّريقة، يمكن لأبناء وبنات الكنيسة اليوم أن يلتقوا بملايين الشّباب وغيرهم من الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة الّذين سمعوا صرخة الفقراء والأرض وسمحوا لها بأن تلمس قلوبهم. كما أنّ هناك الكثير من الأشخاص الّذين يتوقون إلى انسجام جديد، من خلال علاقة أكثر مباشرة مع الخليقة، يقودهم إلى تخطّي الكثير من التّمزّقات. ومن ناحية أخرى، لا تزال "السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. يَوْمٌ إِلَى يَوْمٍ يُذِيعُ كَلَامًا، وَلَيْلٌ إِلَى لَيْلٍ يُبْدِي عِلْمًا. لَا قَوْلَ وَلَا كَلَامَ. لَا يُسْمَعُ صَوْتُهُمْ. فِي كُلِّ الْأَرْضِ ذاع مَنْطِقُهُمْ، وفي أَقَاصِي الْمَسْكُونَةِ كَلَامُهُمْ".

لِيَهَبْنَا الرّوح القدس القدرة على سماع صوت مَن لا صوت له. وسنرى، عندئذٍ، ما لا تراه الأعين: ذلك البستان، أو الفردوس، الّذي لا نسير إليه إلّا بقبول وإتمام كلّ واحد منّا لمهمّته الخاصّة."