ثقافة ومجتمع
01 كانون الثاني 2016, 07:46

كذب المنجّمون ولو صدقوا..

"المستقبل" هاجس زمني يسيطر على أفكارنا، خصوصاً مع قرب ابتداء العام الجديد، فالكلّ مهتم بمعرفة ما ستقدّمه له الأشهر الآتية، والجميع يتسارع لمعرفة ما تخبّئه الأيام المقبلة، ما خلق موضة جديدة تتمثّل بزيارة العرّافين مع كل نهاية عام، وانتظار المنجمّين بفارغ الصّبر على شاشات التلفزة، لاكتشاف البخت.

برامج الشّعوذة تحتلّ المحطّات اللبنانية ليلة 31 كانون الأوّل: وجوه تعوّدنا أن نراها في هذا التاريخ من كل عام، تطلّ علينا لتكشف لنا أحداث السّنة الجديدة بتفاصيلها، واللّافت أن غالبية هذه التّوقعات يسيطر عليها التّشاؤم والحزن.

وبما أن سواد الحاضر ليس كافياً ليقلق المواطنين، لا بدّ للمنجمّين أن يبشّروهم بأحداث أكثر سواداً، فبدل أن تكون حمامة السّلام رمز هذه المناسبة السّعيدة، يتحوّل المنجّم إلى غراب متشائم يتنبّى بالمصائب الدّامية.

ولا يكتفي العرّافون بالإستخفاف بعقول الناس عبر الأخبار السّيئة، بل يتخطّون حدود احترام حرمة الدّيانات بالتعرّض إلى القديسين، فهم المصدر الأول لاجتذاب نسب هائلة من المشاهدين. والمثير للسخرية هو طريقة تعامل الوسائل الإعلامية مع هذا النّوع من الأخبار: في لحظة يتحوّل القديس إلى مادّة تجارية تساهم بزيادة شهرة المحطة.

في ليلة تتحوّل أنظار الشّعوب عن كل ما هو واقعي وتتوجّه الى المجهول، متناسية أن المستقبل بيد الله وحده، وأحداً لا يستطيع قراءة الغيب.

العالم يعيش حالة من القلق المزمن، فبات يفتّش عن بصيص أمل في مستقبل بعيد يخرجه من هذا الحاضر المرير، ما يدفعه إلى اللّجوء لأشخاص يدّعون الألوهية لعلّهم يهدونه فسحة أمل قبل استقبال العام الجديد.

ولكن مهما بلغ العرّافون من شهرة، ومهما ادّعوا معرفة الأحداث قبل أوانها، تبقى تبشيراتهم باطلة وتبقى الحكمة واحدة: "كذب المنجّمون ولوصدقوا"...