كتاب يتحدث عن " المسيحية في العراق"
لاقى الكتاب نجاحا كبيرا بين الاجانب الناطقين باللغة الانكليزية في جميع انحاء العالم وخصوصا انه صدر بعد حوادث احتلال العراق وبداية الاضطهاد المسيحي فيه, حيث اتخذت انباء العراق موقع الصدارة في الانباء العالمية. قرأه الاكاديميون وكل من كان عليه ان يعمل في العراق. كذلك لقي الكتاب اقبالا واسعا من قبل العراقيين و ابناء باقي الكنائس الشرقية الذين يتقنون اللغة الانكليزية. اما الذين لا يتقنون اللغة الانكليزية فقد الحوا على الكاتبة ان تترجمه الى اللغة العربية ليتمكنوا من قراءته ايضا.
يهدف هذا الكتاب اعطاء نبذة عن بدايات المسيحية في بلاد ما بين النهرين وعن التطورات التي حصلت للجماعات المسيحية عبر العصور. في الفصول الخمسة الاولى تتحدث الكاتبة عن ولادة المسيحية في بلاد ما بين النهرين وكيف تأرجحت بين الازدهار والانتكاس تحت الحكم الفارسي والعباسي والعثماني. تتجول الدكتورة سُهى رسام بأناقة رائعة بين دهاليز التاريخ المختلفة العائدة لماضٍ سحيق وترفع الستارة عن الاحداث والمراحل المهمة التي مرت بها المسيحية في العراق منذ زمن الرسل، سواء كانت تتعلق بالميادين المدنية او الكنسية. وعند وصولها مرحلة الحكم الاسلامي، نراها توضح التفاعل الثقافي الحاصل بين ابناء الديانتين، والدور الكبير والمؤثـر الذي لعبته الكنيسة في العراق لنشوء الحضارة العباسية من خلال مدارسها و مترجميها و اطبائها واساتذتها. بقيت كنيسة العراق محافظة على دورها الهام والمؤثر رغم قيام الحكم المغولي والعثماني المعاديين لها، كما بقيت حيـّة تشارك في عملية تبادل الاراء والحوار الايجابي في الحياة اليومية؛ ولا زالت حتى هذه الساعة تواصل العمل بجـد ومثابرةٍ في كافة الميادين الفكرية والروحية والمدنية و السياسية.
في الفصل السادس تشير المؤلفة الى نمو وترعرع المسيحية بعد ان تاسست دولة العراق الحديثة, ولكونها تضم غالبية اراضي بلاد ما بين النهرين التاريخية، استعملت احيانا عبارة "كنيسة العراق" للاشارة الى الكنيسة التي تطوّرت في منطقة بلاد ما بين النهرين. وكيف ان بالرغم من سقوط الحكم الملكي وتعاقب الثورات والحكومات المختلفة, لم يحصل اضطهاد مباشر للمسيحيين وكانوا يتمتعون بقدر كبير من الحرية الدينية والمساواة في حقوقهم كمواطنين ويعتزون بوطنهم وارض اجدادهم.
في الفصل السابع حددت بوضوح اوضاع الجماعات المسيحية في الفترة السابقة لاجتياح عام 2003, ثم افردتُ قسما بعنوان “العراق تحت الاحتلال والحكم الانتقالي"، فيه صوّرت المازق الذي وقع فيه المسيحيون العراقيون خلال السنتين الاوليتين بعد الاحتلال.
حصل بعد نشر هذا الكتاب عام 2005 حوادث كثيرة ادت الى اعتداءات على جماهير المسيحيين العراقيين مما حفز الكاتبة اصدار طبعة ثانية فيها فصل جديد يبين ما حصل من قتل وتهديد وابتزاز لافراد عُزَل, وما حصل من اختطاف وقتل لرجال الدين وهجوم على دور العبادة واخذ الجزية في بعض المناطق ونشر لغة الكراهية بين المواطنين. اما خطة تقسيم العراق الى مناطق شيعية وسنية وكردية فقد ادت الى نشوء احتكاكات طائفية واثنية زعزعت استقرار البلد بصورة عامة واضعفت الشعور بالانتماء الوطني والهوية العراقية, اذ اكد كل من السنة والشيعة على اعتزازهم بطائفيتهم والاكراد على اثنيتهم. اثر هذا على الاقليات, اذ كانت الهوية العراقية المشتركة الاداة الفعالة لجمع العراقيين وتوحيدهم كمواطنين متساوين امام القانون مهما كان انتمائهم الطائفي اوالقومي. اما فكرة تحديد منطقة امنة للمسيحيين في سهل نينوى فقد ادت الى مشاكل عديدة يبن الجهات السياسية المختلفة وبين صفةف المسيحيين. صدرت الطبعة الثانية في بدابة عام 2010
ولما استمرت الاعتداءات ووصلت الى حد الابادة الجماعية بعد استيلاء ما سمى بالدولة الاسلامية على الموصل واخلاء مدينة الموصل وقرى سهل نينوى من المسيحيين , اضافت الكاتبة فصلا جديدا يوثـّق ما حصل للجماعة المسيحية بين 2010 و 2016 . صدرت الطبعة الثالثة في نهاية 2016 لتسلط الاضواء على ما حدث خلال هذه السنوات.
ان لهذه الطبعة الجديدة اهمية كبيرة لا فقط لكونها توثق اعمال داعش الاجرامية وما حدث للمسيحيين من اعتداءات وتهجير قسري بل ايضا تستعرض جهود الكنائس الاستثنائية في اسعاف ابنائها وجهود الجمعيات الخيرية والانسانية البطولي لتوفير سكن مناسب والحاجات الضرورية التي بدونها لما تمكن المهجرون من البقاء. كذلك يؤكد الفصل الجديد على الوضع المعقد في الشرق الاوسط ودور دول الجوار في نشوء داعش والاختراقات المتواصلة لحقوق الانسان والذي ادى الى هجرة عدد كبير مسيحيي العراق.
البطريرك لويس رافائيل ساكو يقول في الكتاب: "ان كتاب سهى رسا انجاز استثنائي يوفر للقارئ معلومات وافية عن ميراث المسيحية العراقية واهميتها التاريخية.
تقول المؤلفة: املي ان يكون للترجمة العربية للكتاب فائدة كبيرة لجميع الذين يهمهم ما يحدث حاليا في العراق بشكل خاص واقطار الشرق الاوسط بشكل عام. كما ارجو ان يكون مصدرا مهما لمسيحيي العراق في الشتات يذكرهم بجذورهم المسيحية وكيف ان اجدادهم غذوا بلاد ما بين النهرين بعبير ايمانهم وثقافتهم بالرغم من التحديات التي واجهتهم وان يكونوا بدورهم حلقة وصل تغذي وتدعم الجماعة المسيحية في العراق ليبقى وجودها فعالا في جميع المجالات.