ثقافة ومجتمع
19 حزيران 2017, 11:07

قصّة اليوم: عباقرة هزموا اليأس

عرفتُ معنى الحرمان منذ طفولتي، فقد ولدت في كوخ متواضع ليس به سوى مقعد خشبي وسرير من جذوع الأشجار ووسادة من القش، وكان أبي يعمل مزارعًا تارةً ونجارًا تارة أخرى، وبالرغم من أنّه كان أميًّا إلا أنّه حرص على ذهابي إلى المدرسة فتفوقت وأحببت قراءة الكتاب المقدّس، وكنت أكره الظلم والاستعباد.

 

شهدت طفولتي عاصفة أخرى، فقد ماتت أمي وأنا في التّاسعة من عمري ولا أنسى أبدًا تلك الليلة التي جلست فيها مع أبي لنصنع تابوتًا خشبيًّا ندفن فيه أمي، كم بكيت وأنا أفكّر في محبّة الأم.

وزاد من صعوبة الأمر إنني سمعت من أصدقائي أنّ أبي سيتزوج من سيّدة لها 3 أطفال وسيكون لي زوجة أب. فحزنت كثيرًا وأعتقدت إن الله قد تركني. ولكنّ الإنسان قصير النّظر دائمًا، لا يعـرف أنّ الله يدبّر له الخير، فقد كانت زوجة أبي إحدى نِعَم الله عليّ، كانت سيّدة متديّنة تحبّ الجميع وتهوى القراءة خاصّة قراءة الكتاب المقدّس. هل يتصور أحد إنها كانت تدافع عنّي وتوبّخ ابنها في أي مشاجرة بيننا؟ بل إنّني لن أنسى لها يوم أراد أبي أن يجعلني نجّارًا مثله ووقفت هذه السيدة العظيمة تتوسّل إليه أن يدعني أكمل دراستي.
 فأكملت دراستي بجانب مساعدتي لأبي في عمله الزراعي وحرث الأرض وجني المحصول. ودرست القانون وأصبحت محاميًا ورشّحت نفسي للإنتخابات لكنّني فشلت، ولكن الأيّام علّمتني ألّا أيأس أبدًا، فعكفت على تعلّم قواعد اللغة الإنجليزية ورشّحت نفسي ثانية ونجحت.
 إنه ابراهام لنكولن الذي لم ينس تعاليم الإنجيل بل كان يحوّلها لسلوك شخصي، فكان يزهد في المال والجاه ويعطف على الفقراء ولا يؤمن بالرقّ والعبوديّة، فتزعّم حركة تحرير العبيد، ومن كلماته: "إن أعظم أجر يتقاضاه المحامي ليس هو المال بل دفاعه عن متّهم بريء أو فقير مظلوم أو يتيم أو أرملة." دافع عن آلاف المظلومين ورفض أن يتقاضى أتعابًا من الفقراء، وعُرف بوطنيّته وإيمانه وحبّه للناس ودعي محرّر العبيد، فالتف حوله الجميع وأنتخب رئيسًا للولايات المتّحدة الأميركيّة عام 1861.
 فهل تعلم أين ذهب في نفس اليوم الذي تولّى الرئاسة ؟ كانت أول زيارة له لزوجة أبيه وفاءً لها وكان الجو قاسيًا ولم يتمكن من أن يستقل سيّارة إلى هناك، فركب قطار البضاعة وذهب إليها وقبّل يديها وتناول معها العشاء.
 لم تغيّر الرئاسة شخصيّته بل ظلّ بسيطًا متواضعًا يفتح قلبه للجميع وباب داره للفقراء ممّا كان يثير غيظ زوجته الأرستقراطيّة.
 كان همّه الوحيد إلغاء الرّق (العبوديّة)، وقد لاقى صعوبات كثيرة في سبيل ذلك لكن شعاره كان: "إنّ النّاس ولدوا أحرارًا فكيف نجعلهم عبيدًا؟"
 ولم يميّز نفسه عن الآخرين، فقد كان يقول: "لأنّني غير مستعد لأن أكون عبدًا، فإنّني أرفض أن أكون سيدًا أيضًا".
 إنّه أحد العباقرة الّذين تفوّقوا على أنفسهم وأحبّوا الإنسانيّة وبذلوا أنفسهم عنها فاستحقّوا أن نكتب قصص حياتهم لتكون نموذجًا لكلّ إنسان حتى ينجح في حياته ويكتشف ذاته ويسعد بمساهمته في إسعاد الآخرين.


"فإنّ الله لم يُعطنا روح الخوف، بل روح القوّة والمحبّة والفطنة" (2تي 1: 7)