ثقافة ومجتمع
16 كانون الأول 2016, 13:41

قصة اليوم: القُدوة الصالحة

اسمه بيل، وهو طالب في الجامعة في العشرينات من عمره، شعره كثيف منكوش، ويلبس قميصًا مليئًا بالثقوب، وسروالاً من قماش الجينز، ولكنه حافي القدمين، إذ ليس لديه حذاء. ويبدو أنه كان يلبس هذه الملابس طيلة السنوات الأربع أثناء دراسته الجامعيّة. وهو طالب نابه مجتهد، ولكنه من الفئة التي لا يفهمها إلاَّ القليلون. وفي الشارع الذي يؤدِّي إلى الجامعة كانت هناك كنيسة يحضرها عِلْية القوم المتدثِّرون بالملابس النظيفة الأنيقة، لكن هذا الشاب لم يدخل هذه الكنيسة قط.

 

وفي أحد أيام الآحاد قرّر بيل أن يحضر الصلاة في الكنيسة. سار حافي القدمين، بالقميص وسروال الجينز وبشعره الأشعث المنكوش ودخل الكنيسة، وكانت الصلاة قد بدأت.
دار الشاب بعينيه في الكنيسة باحثًا عن مقعد ولكن الكنيسة كانت قد امتلأت عن آخرها بالمصلِّين، فلم يجد ولا مقعداً واحداً خاليًا. ولكن في ذات الوقت، كان الحاضرون في الكنيسة غـير مستريحين لمنظر هذا الشاب، لكـن لم يفتح أيٌّ منهم فـاه. تقدَّم الشاب إلى الأمام نحو منبر الوعظ، ولما فَقَدَ الأمل في العثور على مكان للجلوس افترش بجانب المنبر وجلس على الأرض فتزايد سخط الحاضرين، وتوتر الجو.
شاهد واعظ الكنيسة من بعيد أن الشماس الواقف في آخر الكنيسة قد تأهَّب آخذاً طريقه ببطء نحو هذا الشاب. وكان الشماس في الثمانينات من عمره، وقد ابيضَّ شعره. هذا الشماس كان رجلاً تقيًا، أنيق الملبس مُبجَّلاً، كيِّس التصرُّف. وكان يسير ببطء متوكِّئاً على عُكَّازه. وإذ كان متوجِّهاً ناحية هذا الشاب، كان كل واحد من المصلِّين يُفكِّر في نفسه أن هذا الشماس الشيخ لن يُلام على أي تصرُّف يتخذه تجاهه. لكن، ماذا يتوقَّع أيّ شخص من رجل شيخ في مثل هذا العمر، وفي مثل هذه الحياة التقيّة، أن يفعل إزاء شاب مثل هذا يفترش الأرض بمثل هذا المنظر؟ وقد مرَّ وقتٌ طويل على هذا الشماس العجوز حتى يصل إلى الشاب.
وكان الصمت يُخيِّم على الكنيسة إلاَّ من قرعات عُكَّاز هذا الشيخ وهو يدقُّ على الأرض. وتركَّزت كل الأعين عليه، لترى ماذا سيفعل. ولم يستطع الواعظ حتى أن يبدأ عظته ليرى ماذا سيفعل ذلك الشماس!
والآن، رأى الجميع الرجل العجوز يصل إلى حيث الشاب الجالس على الأرض، فإذا به يُلقي عُكَّازه على الأرض، وبصعوبة شديدة ينحني ويجلس بجوار الشاب على الأرض، ويبدأ في الصلاة معه، حتى لا يبدو "بيل" أمام المُصلِّين وكأنه وحيداً في تصرُّفه! وفوجىء الجميع من تصرُّف ومشاعر هذا الشماس العجوز!
وحينما التقط الواعظ أنفاسه، تكلَّم وقال " كنتُ أعزم أن أعظ لكم اليوم، ولكن ما كان يمكنكم أن تتذكَّروا عظتي بعد أنصرافكم. ولكن ما قد رأيتموه الآن، فهذا لن تنسوه أبداً! فتعلَّموا كيف تعيشون المحبة مِمَّا رأيتموه، لعلَّكم تصيرون، كل واحد فيكم، أنجيلاً حيّاً مقروءاً من جميع الناس".