قصة اليوم: الطبيعة أعظم نحّات
وكنت أفهمه ولا ريب في ذلك، فقد كنّا نقضي أوقاتاً كثيرةً معاً وكنت أعرف أنّ هذه الحجارة تعني له الكثير. ولطالما أخبرني بكلّ ما يجول في خاطره وكان دوماً يقول "هذه الطبيعة هي أعظم نحّات فلها جلدٌ طويل، وقدرةٌ غريبة، وإبداعٌ لا يعرف الحدود، يا ليت تكون لي القدرة على فهم كلّ أسرارها المدفونة في ظواهر هذه الصخور"، وكنت أقول "ماذا يمكن أن تعني هكذا حجارة؟" وكان يقول "أنظر إلى هذا الحجرالذي تملؤه الثقوب، إنّه ليدلّك على الكتلة القويّة التي نخرتها الأيام في نقاطها الضعيفة فإن كانت لك يا صديقي نقاطٌ ضعيفة، لا تدع الأيّام تراها كيلا تسحقك لأنّك لست أكثر قوّة وصبراً من هذا الحجر. أنظر إلى ذاك الحجر، إنّه كعجينٍ من الألوان، وهو يشبه بذلك الروح البشرية التي تتمازج فيها مجموعة من المتناقضات الغريبة، أنظر إلى تلك الحجارة السوداء، ألا ترى أنّها بشعة؟ وأؤكد لك أنّ كلّ الناس يرونها كذلك، لكن أتعرف أنّ في نفس كلٍّ منّا واحدٌ وأكثر منها، ونحن لا نرى أنّها بشعة لأنّها سبب فرحنا المادي".
"أنظر إلى ذاك الحجر الضعيف المكسّر، إنّه مثلٌ للإنسان الضعيف الذي لا يستطيع الصمود أمام الضربات بسبب تركيبته. أنظر إلى ذاك الحجر الذي كسرته نصفين، فوجدت أنّ له من الخارج لون ومن الداخل لونٌ آخر أوليس مثالاً للإنسان الذي يخدعك بمظهره؟ آه يا رفيقي! لا أقدر أن أرى جماداً كما يقولون له، لا أقدر أبداً فأنا أعتبره غير موجود بسبب عشقي للحياة التي أراها في كلّ مكان ولهذا اخترت أن أكون نحاتاً لأنّي عرفت أنّ الناس لا يصدّقون أقوالي، فحوّلت الصخور إلى نساءٍ جميلات، ورجالٍ أقوياء، وعظماء ومفكّرين وكلّ ذلك كي أقرّب لهم الصورة التي أرى."، فقلت له "على البوّابة الفاصلة بين واقع حياة الإنسان وعمق نفسه صخرةٌ كبيرة تمنع الشخص الحي من رؤية الإنسان الحقيقي فهل تستطيع أن تنحت صورةً لهذا الإنسان على الجهة الواقعية من هذه الصخرة كي يرى الشخص جمالها فيوافق على فتح البوابة؟"، فقال "يا ليت! هذا كان ليحصل لو أنّي أمتلك الكلمات أزميلاً، والجرأة والقدرة مطرقة".