في أيلول/ سبتمبر.. "خبّي المونة للشّتويّة"
في تلك المؤونة حنين دائم إلى الضّيعة وخيراتها، فهم يطبّقون المثل القائل: "موّن لعيالك وشيل الهمّ عن بالك" وكأنّ حصاد الصّيف يأتي كـ"القرش الأبيض" الّذي يخبّئونه لليوم الأسود، اليوم الّذي تُقفل فيه الطّرقات على قاطني الجبال وينقطع التّيّار الكهربائيّ عن بيوتهم ويصبح التّنقّل صعبًا في تلك القرى فيقتاتون طيلة فصل الشّتاء من منتوجات صنعتها أيديهم، ويوزّعون منها على الأقارب قاطني المدن ويبيعون حصّة منها إلى من لم يتبرّك منزلهم بكبير مدرك لأسرار المؤونة اللّبنانيّة، وإلى من تغرّب عن وطنه ورغب في أن يحافظ على الصّلة مع بلده الأم فحمّل معه "زوّادة" تخفّف عنه قساوة غربته.
فبين الحبوب: القمح والبرغل والجوز واللّوز والفاصولياء والّتي يصفونها كـ"مسامير للرّكب"، والألبان والأجبان الّتي تُحفظ في أوعية زجاجيّة مع زيت زيتون أو في جرّات الفخّار تكفيهم حاجة 12 شهرًا، والزّيتون "شيخ السّفرة اللّبنانيّة" الّذي يُقطف بين أيلول/ سبتمبر وت1/ أكتوبر، فتُفرز حبّاته السّوداء والخضراء وتُرصّ وتوضع في خوابٍ فخّاريّة، وبين الفاكهة الموسميّة الّتي تحوّل إلى مربّيات أو تُجفّف فتعطي في أيّام البرد دفئًا صيفيًّا مميّزًا، والكشك الّذي يترافق "شَيْله" مع ذكريات طيّبة تعيد إلى البال اجتماع نسوة الحارة في بيت واحد يتكاتفن لصناعته، فبين ضحكاتهنّ وتعاونهنّ ينسكب صوت الحجر والمحدلة وتلك الأدوات اليدويّة المستخدمة على أنغام حفيف أوراق الخريف المذكّرة بأفول الصّيف؛ وبين المخلّلات على أنواعها والزّعتر ورِبّ البندورة ودبس الرّمّان والقاورما و"الكركي" لصناعة "العرق البلديّ"... جهود مبذولة من عرق جبين أناس حافظوا على التّقاليد وتناقلوا عاداتها من جيل إلى آخر، وأمنيات في أن يتوارثها الأجيال وينقلوا غلاوتها إلى أبنائهم وتبقى "المؤونة" لتقي أمراض الأطعمة المستهلكة وتحيي في البال ليالي الزّمن الأصيل.