عن أغنية فقدت غِناها..
عصر الفن الذّهبي ما عاد ذهبياً في لبنان، فالموسيقى تفقد شيئاً من بريقها في كلّ مرّة يسرق فيها لحن وكلّما غزا الإبتذال كلمات أشعارها.
فماذا حلّ بعصر فيروز وصباح، عصر وديع الصّافي وماجدة الرّومي؟ أين شعراءنا من كتابات جبران، والرّحابنة؟ أين جنون سعيد عقل في أشعار اليوم؟ وأين شغف نزار قباني؟
خاطب قباني حبيبته كاتباً: "أريدكِ، أعرفُ أنّي أريدُ المُحال!"، فجسّد فيها رونق المرأة الغامضة وسرّ الحب المستحيل، أما في شعر اليوم فالمعايير تغيّرت: "قرّب عالطّيّب" باتت كافية لوصف تلك المرأة التي تحوّلت بين سطور هذا "الشعر" إلى سلعة خالية من كل إحساس.
النساء لسن ضحايا الفنّ الوحيدات، فالرّجل أيضاً تحوّل إلى "عنتر"؛ صورة الرّجل الحبيب، الشّغوف، تختصر اليوم برسم رجل شهواني لا يرى في المرأة سوى خطوط الجسد البعيدة عن الرّوح، فأين الرّجولة في كلمات أغنياتنا؟
والأسوء من كلّ الصّفات المعطاة للمرأة أو الرّجل في عصرنا الحالي، هو طريقة التعبير عن ذاك الحب الذي يجمعهما: الشّاعر يعبّر عن قلقه على الحبيبة، بخوفه من "الدبّوس المروّس"، وعن اشتياقه بـ "غمرني وكسرلي ضلوعي"؛ أمّا القلب فـ"عطاكي عمرو" .. الحبيبة في شعره باتت "طلقة روسية"!
وللعنف في الأغنيات اللبنانية نكهة خاصة، فالعاشق اللبناني "بيعمل جريمة وبيحرق مدينة" لأجل حبيبته، والعنف هذا يتجسّد بالذكورية أيضاً، فـ"الحبيبة" قد تستيقظ و"الكف ملبّع عخدها"..
أما إذا ما أراد شاعرنا الإنفصال عن حبيبته فلن يتردد بالتوجه إليها مهدّداً: "لارميك ببلاش"، فالحب في عصرنا يشترى والحبيب ليس أكثر من "سيجارة خلصت بإيدي وطفيتا"!.
هذا مختصرُّ عن الفن "الأصيل"، عن الحب "السّامي"، المرأة "السّاحرة" والرّجل "المثالي".. "بدّك كف حتى تتربي"، "عصّبت عليها"، "جرحلي قلبي"، "شو بحبّك يا فارة".. وغيرها من الأغاني غزت عالمنا الفنّي فسرقت منه كلّ ما هو أخّاذ: الحب أصبح تجارياً والكلمات باتت ركيكة، فـ "يا طير" ابحث لنا عن ذاك الفن الأصيل، لتعود "دبكة لبنان"، و"نغني للحب"..
في النهاية، عندما تغيب كلمات شعرائنا الكبار وتتلاشى ألحان الزمن الجميل، هل نأمل إيجاد الحب الصّادق في مجتمع نغماته مبتذلة؟