أخبارنا
20 نيسان 2018, 12:12

عظة البطريرك الراعي في كنيسة سيدة الوردية في قطر لمناسبة وضع حجر الاساس لكنيسة مار شربل في الدوحة

"أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" ​​​​​​​​​(متى 16: 18)

1. عندما سأل الربّ يسوع تلاميذه: "وأنتم مَن تقولون انّي أنا هو؟" أجاب سمعان بن يونا: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". فامتدح يسوع إيمانه وبدّل اسمه إلى بطرس أي الصخرة، ويعني بها "صخرة الإيمان التي عليها يبني كنيسته" (راجع متى 16: 15-18). هذه الكنيسة هي "بيت الله" المكوَّن من المؤمنين بالمسيح كحجارة إيمانيّة حيّة، على ما كتب بطرس الرسول: "كونوا أنتم أيضًا مبنيِّين كحجارة حيّة بيتًا روحيًّا" (1 بط 2: 5). هذا هو المعنى اللّاهوتي والروحي للاحتفال بوضع حجر الأساس لكنيسة مار شربل الذي قمنا به. هذا الحجر المعروف "برأس الزاوية" هو المسيح، كما قال بطرس الرسول (راجع أعمال 4: 11)، وشرح معنى هذا الحجر بقوله: "لا خلاص إلّا بيسوع المسيح. فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص" (أعمال 4: 12).
2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الإلهيّة، مع سيادة السفير البابوي المطران francisco Padilla وسيادة النائب الرسولي في شمال الجزيرة العربية المطران Camillo Ballinالذي قبل هبة سموّ الأمير تمتم بن حمد الثاني بتخصيص عقار لبناء كنيسة مارونيّة على اسم القديس شربل، تكون مفتوحة لحاجات سائر المؤمنين، وفقًا لتوجيهات سيادته، ومع الأب شربل مهنا، من الرهبانيّة المارونيّة المريمية العزيزة، خادم جماعتنا المارونيّة والمعاون في خدمة الجماعات الأخرى. فاننا نحييه مع لجنة بناء كنيسة مار شربل وكل المعاونيين فيها لاسيما المهندسين والمقاولين. بارك الله اعمالهم وكللها بالنجاح. لقد أتينا من لبنان مع سيادة أخوينا المطرانَين سمير مظلوم وبولس الصياح والمكتب الإعلامي في الكرسي البطريركي والوفد الاعلامي الآتي من لبنان ولاسيما محطة lbc و mtv ونورسات ومدير المركز الكاثوليكي للاعلام والوكالة الوطنية للاعلام.  لنشارككم فرحة هذا الاحتفال، ونشكر معكم سموّ الأمير على مبادرته الكريمة، وعلى تسهيل جميع المعاملات اللّازمة. نسأل الله أن يكافئه بالصحة والخير، ويفيض على دولة قطر رحمته وبركاته، شاكرينها على استضافة  الألوف من اللبنانيِّين الذين يعملون فيها بإخلاص، ويكسبون لقمة عيشهم لهم ولعيالهم ويساهمون في نموّ هذه الدولة المضيافة وازدهارها. وقد فتحت الدولة القطرية ابوابها لعشرات الاولوف من بلدان الشرق الاوسط والبلدان الآسيوية وسواها. 
وأنتم أيها المؤمنون والمؤمنات، نحيّيكم ونقدّم هذه الذبيحة المقدسة على نيّتكم، فيما أنتم تتعبون وتجاهدون، والآن تتعاونون في بناء كنيسة مار شربل ومجمّعها الراعوي. نحن نؤمن بأنّ يده معكم، وهو يعرف كيف يكثّر ما تقدّمون من مال وتضحيات. فهو ربّ هذا البيت. كما نصلّي في المزمور: "إن لم يبنِ الربّ البيت، عبثًا يتعب البنّاؤون؟" (مز127: 1). فلا تخافوا من حجم الكلفة فلا أحد يعلم من أين يرسل الله محسنين لبناء بيته.
ومعلوم أنّ الله لا يسكن بيوتًا صنعتها أيدي البشر. فالسماء عرشه، والأرض موطئ قدميه. لقد صنعت يداه هذا كلّه" (أعمال 7: 48-49؛ أشعيا 66: 1-2). بل يريد الله أن يسكن في قلب الإنسان، وفي منسحقي الروح المرتعدين من كلمته (أش 66: 2). هذا ما أكّده الربّ يسوعبقوله: "مَن يحبّني يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه وإليه نأتي، وعنده نجعل لنا منزلًا؟" (يو 14: 21 و23).
4. "أنت المسيح ابن الله الحيّ" (متى 16: 16). هذه هي صخرة الإيمان التي عليها تبنون كنيستكم الرعائيّة، ايها المسيحيون المشرقيون، على اسم القديس شربل هنا في الدوحة الزاهرة. وهذا هو إيماننا الذي نعلنه اليوم.
ربنا يسوع هو المسيح الذي انتظرته أجيال وأجيال من الأمم والشعوب. وعنه تكلّم الانبياء وجميع الكتب المقدّسة في العهد القديم، وظهر في ملء الزمن، واعتلن في كتب العهد الجديد. وهو ابن الله الذي صار إنسانًا ليكلّمنا عن الله ويكشف لنا وجهه وسرّه. وقد اتّخذ طبيعة الإنسان وعلّم كلّ واحد وواحدة منّا كيف يكون إنسانًا. فقد فكّر بعقل إنسان، وقال الحقيقة بلسان إنسان؛ أحبّ بقلب إنسان، واشتغل وأعطى بيد إنسان، ولم يصنع إلّا الخير بإرادة إنسان؛ وهو الإله الحيّ، الذي سمّاه النبي أشعيا "عمّانوئيل" أي الله معنا. فهو رفيق درب كلّ إنسان ليصل به إلى معرفة الحقّ ونيل الخلاص.
إنّنا نلتمس اليوم هبة الإيمان الذي ملأ قلب سمعان-بطرس. أجل الإيمان عطيّة من الله ونعمة، وهو نور الروح القدس الذي ينير عقولنا، ويحرّك قلوبنا نحو الله، فنفهم الحقيقة ونقبلها في عقلنا مقتنعين بها، وفي قلوبنا فنحبّها، وفي إراداتنا فنخضع لها ونجسّدها في الأفعال والمبادرات.
5. لا ينحصر الإيمان في الإطار الروحي والديني فقط، بل يتخطّاه ليشمل حياتنا الزمنية بكلّ أبعادها. نحن نعيش في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط أوضاعًا صعبة للغاية، وظروفًا قاسية، من جرّاء الحروب الدائرة والنزاعات والأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة في عدد من بلداننا. 
فلا بدّ من مواجهة هذه الاوضاع الصعبة بإيمان، صامدين في القيم الروحيّة والاخلاقيّة؛ وإيمانٍ نترجمه في الأفعال والمبادرات والمواقف. يحتاج لبنان إلى رجالات دولة غير عاديّين يعملون من أجل إعادة بناء الوحدة الوطنيّة. لبنان بحاجة إلى سياسيّين متجرّدين يحاربون الفساد المتفشّي في الوزارات والإدارات العامّة ومؤسّسات الدولة، ويضعون الخطّة اللازمة للنهوض الاقتصادي والمالي، ولإجراء الإصلاحات المطلوبة من مؤتمرَي روما وباريس الأخيرَين. وهي إصلاحات تشمل الكهرباء والماء والمال والبنى التحتيّة. ويحتاج لبنان إلى مسؤولين سياسيّين يحترمون الدستور والقانون، ويلتزمون بالقرارات القضائيّة ويعملون على تنفيذها.
وفيما يفصلنا ثلاثة اسابيع عن اجراء الانتخابات النيابية فاننا ندعو جميع اللبنانيين للادلاء بصوتهم المسؤول من اجل اختيار مثل هؤلاء المسؤولين. وفيما تقدر مبادرة فخامة رئيس الجمهورية برد المادة ٤٩ المضافة على موازنة ٢٠١٨ الى المجلس النيابي لاعادة النظر فيها، فانّا نرجو من هذا المجلس ازالة منح الاقامة لاي اجنبي او عربي لقاء شرائه شقة في لبنان، بل ايجاد شروط وتسهيلات اخرى لحل مشكلة السوق العقاري. 
ونناشد الحكومة وضع سياسة سكنية من اجل تامين منازل للشباب اللبناني كي يتمكن من تاسيس عائلة والبقاء على ارض الوطن، ومن اجل ايواء عائلاتنا البنانية المحرومة من منزل لائق بسيط. 
6. إنّنا نناشد الاسرة العربية الدولية إيقاف الحروب العبثية الدائرة في فلسطين والعراق وسوريا واليمن، وتوطيد السلام العادل والشامل والدائم، وإعادة جميع النازحين واللاجئين إلى ممتلكاتهم وأوطانهم. فمن حقّهم المقدّس استعادتها مع ثقافاتهم وحضاراتهم وتاريخهم. فكم هو معيب على هاتَين الأسرتين الاستمرار في الحرب والقتل والدمار، والتنكّر لواجب بناء السلام. اليس من العار ان تصرف المليارات التي باتت لا تحصى من الاموال على السلاح والتسلح من اجل الدمير والقتل وتشريد المواطنين الآمنين؟ وفي المقابل، ملايين وملايين من البشر يموتون جوعا، فضلا عن ال الفقراء والمحرومين من ابسط حقوقهم الاساسية؟ 
لكن إيماننا كبير بأنّ المسيح الإله القائم من الموت قادر على مسّ العقول والإرادات والقلوب، على تحريكهانحو السلام والخير والبناء. وبهذا الرجاء الثابت نرفع نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
*   *   *