طرابلس تحتفل بالذكرى الـ 132 لمدرسة الفرير!
حضر الحفل اللقاء، كل من محافظ بعلبك - الهرمل بشير خضر، مفتي طرابلس والشمال الشيخ الدكتور مالك الشعار، راعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المطران افرام كرياكوس، راعي أبرشية طرابلس وسائر الشمال للروم الملكيين المطران إدوارد ضاهر، النائب البطريركي على الجبّة وزغرتا المطران جوزيف نفّاع، الرئيس الإقليمي لمدارس الفرير في الشرق الأوسط الأخ فادي صفير، رؤساء الجامعات، نقباء المهن الحرة، مديرو ومديرات المصارف والمؤسسات التربوية في طرابلس والشمال، وفعاليات.
بعد النشيد الوطني وعرض لوثائقي عن المدرسة، استهل اللقاء بكلمة للمفتي الشعار الذي رأى أنَّ التعدّد والتنوّع عند الأمم، الدول والمجتمعات هو صفة تحضّر ورقي، بينما عند الأفراد فهو شعور بالذات واعتزاز بالنفس، معتبراً أنَّ "المشابهة ليست شرطاً في تعايشنا مع بعضنا واحتضاننا لبعضنا".
و شدّد على أنَّ طرابلس غنية برجالاتها، بمدارسها و بمؤسساتها وهي التي تكتنز وتعتزُّ كثيراً بتلك المؤسسات التعليمية التي ساهمت، ولا تزال، في صناعة مناخ المدينة الثقافي والاجتماعي. وأكَّد أنَّه حين كانت "الفرير" لا تزال في طرابلس كان "نسيج المدينة الاجتماعي يقوم على قيم الاحترام والتواصل بين الطلاب وعائلاتهم من المسلمين والمسيحيين على حد سواء فضلاً عن الحياة المشتركة، تبادل الزيارات وحفظ حقوق الغير من دون النظر إلى كلمات الأقلية والأكثرية". أما الاستاذ جيلبر الحلال، مدير مدرسة الفرير طرابلس-دده، فتوجّه إلى الحاضرين قائلاً "أنتم أهل الدار والشركاء. تحملون على سواعدكم وفي فكركم هذه المدرسة التي أراد مؤسسوها منذ ثلاثة عشر عقداً ونيف أن تكون أداة تعليم و تثقيف والتزام وطني لأجيال متراكمة من المهنيين والاختصاصيين في حقول شتى أصبحوا نخبة قامت عليها دولة ما قبل الاستقلال وبعده". وفيما أكَّد أنَّ طرابلس "تعني لجمعية إخوة المدارس المسيحية ولنا الكثير" خصوصاً أنَّ المدرسة تجذّرت بحضارتها، إذ قدّمت مؤسستنا التربوية لها الكثير من الثقاقة وغرفت منها الكثير من الحضارة الوطنية"، معتبرا أنَّ طرابلس مهد الحضارة الشرقية، منبع التنوع والاختلاط الحضاري الذي جسدته "الفرير" خير تجسيد.
مؤكدا أنَّ المدرسة متجذّرة في ممارسات حضارية تقليدية قديمة تتطلع في الوقت عينه إلى مستقبل عصري ومتطوّر.
أما كلمة "الفرير" فادي صفير، راعي الحفل، فكانت نابعة من ذكرياته وتجربته الخاصة، خصوصاً أنَّه أمضى 5 سنوات في الشمال، سنة واحدة في مدرسة الفرير كفرياشيت/زغرتا، و4 سنوات في مدرسة الفرير طرابلس- دده.
وبعدما قال إنَّه لطالما كان يتساءل لماذا أمضى عدد من الإخوة في طرابلس 50-60 سنة من دون طلب الانتقال إلى مدارس أخرى تحتاج إلى خبرتهم التربوية، لفت إلى أنَّ الجواب يكمن في كون "أهل طرابلس والشمال يعرفون تمام المعرفة الأصل والوفاء ويجعلونك تبادلهم إياهما في السراء والضراء"، مشدّداً في الوقت عينه على أنَّ أحد الرهبان قال له أخيراً "أنا أكيد أنَّ تلاميذي القدامى سيذكرونني وسيزورون قبري أكثر من أبناء وأحفاد إخوتي".
وفي أشد أيام الحرب الأخيرة، وفق صفير، شهد إخوة وأساتذة عدّة كيف كان الزعماء يرسلون مسلحين لحماية المدرسة "كلما حاول بعض الرعاع اقتحامها".
وأكَّد أّنَّ هذه المؤسسة التربوية تهدف إلى مساعدة الكل في الوصول إلى التعليم الجيد والأخلاق الحسنة، مع العلم أنَّها تساعد الفقراء وتسمح لذوي الدخل المحدود في التقدّم العلمي والاجتماعي، من دون أن تقصي أبناء الميسورين إذا أرادوا الاختلاط مع باقي فئات المجتمع.
مقابل ذلك، اوضح المطران نفاع في كلمته" نحن نستحضر الآن حقبة من تاريخ طرابلس لا يمكن أن تُمحى، ويجب أن تستمر مستعيدةً كل رونقها السابق"، مضيفاً "الفرير في طرابلس ليست مجرّد مدرسة، ليست جزءاً من المدينة، بل هي المدينة، تجتمع فيها كل الأجزاء. مدرسة الفرير هي عنوان طرابلس في زمنها الجميل".
وفي حين رأى أنَّه "لا يمكن لأحد أن ينكر أنه من بين أحضان هذه الجدران خرج سيل من المتميزين شغلوا مراكز مرموقة في أربعة أصقاع العالم".
وأضاف، ان طرابلس وضعت ثروتها في تنشئة أولادها في علمهم وثقافتهم وتميزهم فيما عمل أهلهم ليل نهار ليوفروا لهم هذا المستوى الرفيع".
وأكد المطران نفاع، أنَّ "الأخلاق في الفرير لم تكن مجرّد مادة تدرّس ساعة بل كانت نهج العائلة التربوية كلّها من إدارة وأساتذة وأهل وطلاب".
ودعا الى العمل مع مدرسة الفرير على ترسيخ القيم التي تربينا عليها والتي شكلت الميزة الأساسية لمن هم من عائلة الكوليج".
وعلى خط مواز، رأى المحافظ خضر أنَّ "الفرير" هي التي صقلت شخصيته، خصوصاً أنَّ الانضباط "هو من أهم الأمور الذي طبع شخصية كل تلاميذ الفرير. وهذا ما أتميز به أنا أيضاً بعملي. كل ما أعطاني أحد هذه الملاحظة أخبره أنني تلميذ الفرير".
وختم خضر أنَّه في مدرسة الفرير كان المسلمون يصلون الفاتحة والمسيحييون "الأبانا"، ما أدّى إلى تعلّم التلاميذ هذه الأمور من بعضهم البعض، مشدّداً في الوقت نفسه على أنَّه لم يكن أي يوم من تمييز بين التلاميذ في المدرسة التي خرّجت رجالا"ً.
وتلا هذه المداخلات وصلة موسيقية وحوار أداره الأستاذ جورج الأسد بمشاركة الوزير السابق نقولا نحاس، النقيب الدكتور المهندس بشير ذوق، الأستاذ روبرت بال، الدكتور محمد سلهب والدكتور أنطوان قربان. وجرى التأكيد خلال الحوار على قيم هذه المؤسسة، خصوصاً في ما يتعلّق بالتزام الصرامة وترك أثر جميل في نفوس الطلاب.
أثنى المشاركون على النظام الذي يعتبر جزءاً أساسياً من النجاح وطريقة العلم المتّبعة في الفرير التي تشدّد على تعليم الطلاب كيفية التفكير ليستطيع الطلاب تالياً التأقلم مع أي مجال.
وتجدر الإشارة، الى مدرسة الفرير تأسست العام 1886 لتوفير المستويات التعليمية والتربوية التي تُعرف بها جمعية الإخوان المسيحيين التي أسّسها القديس الفرنسي جان باتيست دي لا سال، لمدينة طرابلس ومحافظة الشمال التي تحوطها. وقد عمل نظام المدرسة، كما لا يزال اليوم، على تعزيز الفضول الفكري لدى التلاميذ، المعرفة العميقة والمتعدّدة الأوجه، اعتماد معايير صارمة، التعليم الإنساني والمدني، أحدث التقنيات والتكنولوجيات، بناء الشخصية، انظباط كلّ من السلوك والتفكير، الثقة بالنفس واحترام الذات، مع التشديد على احترام الآخرين. ولطالما كان طلاب المدرسة متعدّدي الطوائف، وقد زوّدتهم المدرسة بالسمات الأساسية التي تجعل منهم نخبة في القطاعين العام والخاص (خرّجت المدرسة نحو 8 آلاف طالب خلال الأعوام الثانية والثلاثين بعد المئة).