صلاة من أجل بيروت... في أمسية من قلب الدّمار
هذه الأمسية أتت إحياءً لذكرى ضحايا الانفجار، غير أنّه كان من المفترض إحياؤها في 12 أيلول/ سبتمبر أيّ عشيّة مرور أربعين يومًا على فاجعة مرفأ بيروت، لكنّ عوامل عديدة أدّت إلى إرجائها، أبرزها حريق المرفأ وما نتج عنه من تلوّث بنسبة كبيرة.
من قلب بيروت النّابض إذًا، إرتفعت أصوات كورال من 250 منشدًا من الجامعة الأنطونيّة، جامعة سيّدة اللّويزة وجوقة المبرّات الخيريّة، بالإضافة إلى أوركسترا مؤلّفة من 30 عازفًا موسيقيًّا بقيادة الأب توفيق معتوق والأب خليل رحمه.
أعمال موسيقيّة لبنانيّة وعالميّة، يُرافقها صور وفيديوهات وشهَادات أدّاها فنّانون مثل المطربة فاديا طنب الحاج، الممثّل رفعت طربيه، الفنّان عمر الرّحباني، بمشاركة الفنّانة تانيا صالح، الملحّن زاد ديراني، وشَهادات الملحّن غبريال يارد، العازف عبد الرحمن الباشا، الكاتب والمخرج المسرحيّ وجدي معوض والأديب أمين معلوف. وإذ كانت السّينوغرافيا والتّصميم الفنّيّ لجان لوي مانغي، كان الإخراج لباسم كريستو.
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ المشاركين لم يؤدّوا فقراتهم كلّها من على المسرح، بل أسماء عديدة شاركت إفتراضيًّا بسبب أزمة فيروس كورونا.
خلال هذه الأمسية كانت "بيروت عم تنذكر" بضحاياها، بجرحاها وبمفقوديها. هذه الأمسية أتت تحيّة وتعزية لضحايا وأهالي مفقودي وجرحى الانفجار، والهدف منها إرسال رسالة إيمان وأمل، بأنّ الرّجاء أقوى من اليأس والحياة أقوى من الموت، علّ لبنان ينبعث مجدّدًا من تحت رماد المرفأ.
إذًا، من قلب قصر سرسق، قصر اللّيدي كوكرين التي توفّيت هي أيضًا نتيجة انفجار المرفأ منذ أسابيع، علت الموسيقى الكلاسيكيّة والأغاني التي تتذكّر بيروت بجمالها وثقافتها ونبض حياتها، وتَوحَّد المُنشدون، مسلمون ومسيحيّون، لرفع الصّلوات والتّرانيم الجنائزيّة، علّ "بيروت تنذكر" برجاء القيامة، وعلّ الانفجار "ينذكر وما ينعاد".
لمدّة تزيد عن السّاعة، أحيى الفنّانون هذه الأمسية من المنطقة المنكوبة، نصوص ومقطوعات موسيقيّة بُثّت مباشرة، لتكون بمثابة لحظة تأمّل لأداء واجبنا في الذّاكرة وتبعث رسالة أمل.
توازيًا، دعا المنظّمون اللّبنانيّين إلى المشاركة في هذه الأمسية، ليس فقط عبر الاستماع إليها ومشاهدتها، إنّما أيضًا عبر إظهار تضامنهم مع ضحايا المرفأ من بيوتهم، من الشّرفات، من خلال إضاءة شمعة على نيّة بيروت والصّلاة على نيّة الضّحايا.
من بيروت، من العاصمة الجريحة، ولأنّ في القلب حزن لا يذهب إلّا بسرور الصّلاة، إرتفعت الصّلوات إلى حضن السّماء، بلغة واحدة، لغة السّلام، المحبّة، الرّجاء، التّضامن، والأمل...
لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، لذا لا نملك رغم المآسي، إلّا الابتسامة والإيمان، سبيلًا للصّمود، ولتأمّل بيروت بعين التّفاؤل إلى الوجود، فبهذا وحده نرى الجمال شائعًا في كلّ ذرّاته رغم كلّ الدّمار.