الفاتيكان
02 تموز 2025, 11:15

رسالة من البطريرك برتلماوس إلى البابا لاون الرّابع عشر، والمناسبة؟

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد القدّيسين بطرس وبولس، وجّه البطريرك المسكونيّ برتلماوس الأوّل رسالة مؤثّرة إلى البابا لاوُن الرّابع عشر، بمثابة تحيّة كنسيّة أخويّة، وتعبيرًا عن عمق الرّوابط الرّوحيّة بين الكنيستين الكاثوليكيةّ والأرثوذكسيّة، وعن الالتزام المشترك بالسّير على درب الحوار نحو ملء الشّركة والوحدة.

وفي هذا السّياق، كتب برتلماوس الأوّل نقلًا عن "فاتيكان نيوز": "يا صاحب القداسة، أيّها الأخ العزيز في الرّبّ، بفرح عميق، يا صاحب القداسة، نبعث إليكم هذه التّحيّة في السّنة الأولى من حبريّتكم، وذلك في عيد كنيسة روما، عيد الرّسولين بطرس وبولس، رأسي الرّسل. نوجّه إليكم، يا صاحب القداسة، هذه التّحيّة من خلال وفدنا البطريركيّ. ما زلنا نذرف الدّموع على رحيل سلفكم، البابا فرنسيس، الّذي لا يُنسى- ذاك الّذي شاركناه الكثير- وفي الوقت عينه نتطلّع إلى خدمتكم الجديدة، يا صاحب القداسة، برجاء وأمل. لقد تمّ إنجاز الكثير، بنعمة الله، فيما نسير بتواضع معًا على درب الحوار نحو ملء الوحدة. وإنّ تبادلنا للتّهاني في أعياد شفيعي كنيستينا هو علامة ملموسة لهذا الحوار العمليّ: حوار المحبّة، والحقّ، والسّلام.

لقد دفأت قلوبنا، يا صاحب القداسة، عندما علمنا بشعاركم المستمدّ من الأب الكبير للكنيسة، القدّيس أوغسطينوس، العزيز عليكم وعلينا على حدّ سواء: "نحن واحد في المسيح الواحد". وإنّنا نقبل هذا الشّعار كعلامة ثمينة على عطشكم يا صاحب القداسة، إلى وحدة المسيحيّين الّتي تستند إلى رؤية كنسيّة تجد جذورها العميقة في فكر الآباء، وتنبعث من نبع العهد الجديد نفسه، ولاسيّما من كتابات الرّسول بولس الّذي نحيي اليوم بغيرة ذكراه. هذه هي الرّؤية الّتي تُلهم الحوار الرّسميّ بين كنيستينا، والّتي لا تزال تعطي ثمارًا كثيرة. فبعد أن أصدرت اللّجنة الدّوليّة المشتركة للحوار اللّاهوتيّ عام ٢٠٢٣ في الإسكندريّة إعلانًا مشتركًا بعنوان "السّينودسيّة والأولويّة في الألفيّة الثّانية واليوم"، هي تواصل العمل بجدّ من أجل التّوصّل إلى إعلانات مشتركة حول القضايا الّتي كانت تاريخيًّا موضع انقسام بيننا. إنّ مجرّد تمكّننا من معالجة هذه القضايا اليوم بروح من السّلام والمحبّة هو بحدّ ذاته علامة إضافيّة على التّقدّم الّذي نُحرزه على درب الوحدة.

في عظته رقم ٢٩٥، يُلقي القدّيس أوغسطينوس كلمة ملهمة جدًّا حول هذه المناسبة المقدّسة، الّتي كانت قد أصبحت في زمانه عيدًا مشتركًا. وهو، إذ يردّد المشاعر الّتي عبّر عنها في مواضع أخرى، والّتي عانقتموها أنتم أيضًا، يا صاحب القداسة، يقول لنا: "نحتفل بيومٍ واحد […] لاستشهاد الرّسولين معًا. ولكن كليهما كانا أيضًا واحدًا". بهذه الكلمات القليلة، يلخّص القدّيس العظيم معنى هذه الذّكرى المزدوجة: ليس بطرس وحده، ولا بولس وحده، بل بطرس وبولس معًا، لأنّهما في المسيح الواحد كيان واحد. وعندما اختار الرّبّ يسوع بطرس، كان الهدف مرتبطًا بالكامل بخدمة الوحدة: "عندما يتوجّه المسيح إلى شخص واحد، فهو يريد أن يسلِّط الضّوء على الوحدة". ويعبّر القدّيس أوغسطينوس بطريقة رائعة عن العلاقة العميقة بين الأولويّة والسّينودسيّة، بين الواحد والكثيرين، في حياة الكنيسة.

توفي العظة عينها، يحثّنا القدّيس أوغسطينوس قائلًا: "لنحتفل باليوم الّذي جُعل مقدّسًا لنا بدماء الرّسل. لنحبّ إيمانهم، حياتهم، جهادهم، آلامهم، شهاداتهم، وعظاتهم. ولنتقدّم من خلال المحبّة". في فجر حبريّتكم، يا صاحب القداسة، وأنتم تلبسون رداء المحبّة والتّعبّد المميّزَين نحو هذا القدّيس العظيم، نأخذ كلمات القدّيس أوغسطينوس ككلمات نبويّة موجّهة لزمننا ولمهمّتنا. إنّ التّقدّم الحقيقيّ نحو الوحدة الّتي نتوق إليها لن يتحقّق إلّا من خلال محبّتنا، وما ينجم عنها من اقتداء، بهذين القدّيسَين العظيمين، رأسي الرّسل: بطرس وبولس.

يا صاحب القداسة، أيّها الأخ الحبيب لاوُن، نحن في خضمّ الاحتفال بذكرى مرور ١٧٠٠ سنة على انعقاد أوّل مجمع مسكونيّ في نيقية سنة ٣٢٥، وهو زمن ملائم لنتّحد "من أجل الإيمان الّذي سُلِّم للقدّيسين مرّة واحدة وإلى الأبد". إنّ الإيمان الّذي أُعلن في نيقية هو إيمان بطرس وبولس، وإيمان المجامع المسكونيّة اللّاحقة، وإيمان كنيسة الله بأسرها. وفي هذه المناسبة المنيرة، نتذكّر ذلك الحدث الشّهير الّذي وقّع خلال المجمع المسكونيّ الرّابع الّذي عُقد في خلقيدونية عام ٤٥١، حينما استمع آباء المجمع إلى "الرّسالة العقائديّة" (التوموس) الّتي وضعها سلفكم الموقّر، القدّيس لاوُن الكبير، فهتفوا بصوت واحد: "لقد تكلّم بطرس على لسان لاوُن!".

وفي هذا الزّمن المأساويّ، زمن "الحروب وبإشاعات عن الحروب" (متّى ٢٤، ٦)، والأزمة البيئيّة، والاضطراب الدّينيّ، والقلق المنتشر، نصلّي بحرارة لكي يلهم خدمتكم، يا صاحب القداسة، في سعينا المشترك لإعلان إيمان نيقية الخلاصيّ- الّذي هو الإيمان المسيحيّ عينه- ويحرّكها نفس الرّوح الّذي ألهم سلفكم وشفيعكم السّماويّ. وحين تَظهر ثمار الرّوح جليّة من خلال شخصكم، فليتعالى مجدّدًا فرح ذلك الهتاف التّاريخيّ: "لقد تكلّم بطرس على لسان لاوُن!".