دينيّة
18 تشرين الأول 2020, 07:00

خاصّ– كونوا جاهزين "لأنّكم لا تعلمون اليَوم ولا السّاعة"

غلوريا بو خليل
زمن الصّليب، زمن نهاية الأزمنة، خريطة طريق ترسمها لنا الكنيسة ضمن مراحل لتوصلنا إلى النّهاية. ولكن في المسيحيّة النّهاية ليست سوى البداية، إنّها بداية لقاء لطالما تقنا إليه، اللّقاء بربّنا وإلهنا يسوع المسيح، اللّقاء حيث ذهب ليجهّز لنا مكانًا كما وعدنا. فلماذا الخوف والقلق ونحن إلهنا حيّ رحوم محبّ للبشر؟ كلّ ما علينا فعله هو أن نكون جاهزين، ومعيار جهوزيّتنا المحبّة والانتظار برجاء وفرح. كيف نجهز ونتحضّر لهذه النّهاية البداية؟ سؤال طرحه موقعنا على الأب جوزيف أبي عون الذّي شاركنا كلمة الرّبّ وشرحها بعمق روحيّ.

بدايةً، وضعنا الأب أبي عون في حيثيّة حدوث مثل العذارى في المكان والزّمان فشرح قائلًا: "تقرأ لنا الكنيسة في الأحد الخامس بعد الصّليب إنجيل مثل العذارى العشر من إنجيل متّى ٢٥/ ١-١٣. أعطى يسوع هذا المثل بعد خروجه من الهيكل وتوجّهه إلى جبل الزّيتون، وفي سياق ردّه على تساؤلات تلاميذه حول النّهايات، لاسيّما بعد أن تنبّأ عن خراب الهيكل وقدرته في الوقت عينِه على إعادة بنائه في ثلاثة أيّام. أمام اندهاشات التّلاميذ وتساؤلاتهم، أخبرهم يسوع عدّة أمثلة حول الملكوت السّماويّ، وضمنها مثل العذارى العشر ومساره ليسهّل عليهم فهمَ كُنه سرّ الزّمن الآتي وحتميّته وضرورة التّحلّي بروح الانتظار والاستعداد "لأنّكم لا تعلمون الْيَوْم ولا السّاعة"، كما الآية التّي اختتم بها الإنجيل."

وتابع الكاهن المريمي قائلًا: "ما يُلفت في أحاديث يسوع عن الملكوت السّماويَّ وشرحه له، أنّنا لا نراه أبدًا يُعطي تحديدًا أو طرحًا لاهوتيًّا مفصّلًا عنه، بل هو يتحدّث دائمًا بواسطة الأمثلة. لا نجده مثلًا في الإنجيل يُجيب عن سؤال أحد حول ماهيّة الملكوت السّماويّ بطريقة المنطق التّحليليّ اللّاهوتيّ. لا يستعمل الضّمير المنفصل "هو"، بمعنى أنّك تُعطي التّحديد للموضوع المطروح، بل دائمًا "يُشبه ملكوت السّماوات". والملفت بالأكثر هو هذا الكمّ الواسع والمتنوّع للأمثلة المتعلّقة بجوهر الملكوت السّماويّ وماهيّته. وفضلًا عن سهولة الفهم بالأمثال وتنّوعها، أراد يسوع القول لنا بأنّ الملكوت السّماويّ هو حالة متحرّكة، هو نمط حياة، هو اتّخاذ قرار، وليس فقط تحليل على المستوى الفكريّ العقليّ."

وأكّد أنّ "جميع الأمثلة التّي أعطاها يسوع فيها دائمًا حضور للإنسان والطّريقة التّي يتعامل فيها مع حدث المثل. ملكوت السّماوات ليس مبدأ لاهوتيًّا مجرّدًا وحسب، بل هو الحالة التي نختار عيشها في يوميّاتنا بارتباط مع يسوع، جوهر وموضوع مختلف أمثلة الملكوت السّماويّ. وخير مثال لنا هو نمط حياة الطّوباويّ الجديد في الكنيسة الشّاب كارلو أكوتيس. ملكوت السّماوات كان حالة بسيطة يعيشها في صغائر يوميّاته وكبائرها. هكذا نرى مثل العذارى العشر هنا في الإنجيل. يتكلّم يسوع عن حالة عيش تبدأ هنا وتكتمل في السّماء ما بعد الموت. يؤكّد يسوع من خلال مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجّاهلات، بأنّ إمكانيّة البلوغ نحو العرس السّماويَّ هي بالتّساويّ معطاة للجميع."

وعن المعاني والرّموز الموجودة في النّصّ الإنجيليّ قال كاهن رعيّة دير القمر: "المصباح الأساسيّ المليء بالزّيت هو مشترك بين العذارى جميعهنّ. لا تمييز بينهنّ على مستوى عطيّة الله لهنّ. لكنّ حالة العيش ومسارها اليوميّ هي التّي حسمتْ المصير في النّهاية. قسمٌ منهنّ اكتفيْن بزيت المصباح الأساسيّ من دون العمل على فيضه وزيادته، وهنّ الجّاهلات. والأخريات انطلقن من زيت المصباح الأساسيّ المشترك ورحنَ بكلّ ما أوتينّ من فكرٍ وحبّ وعملٍ على تأمين الفائض الضّروريّ للّحظة الحاسمة والمصيريّة: فكنّا الحكيمات."

وخلص الأب أبي عون في تأمّله إلى توضيح أساسيّ فقال: "في الأساس لا فرق بين العذارى. كلّ منهنّ أخذت بالتّساوي المصباح وفيه الزّيت. لكن عند مساء الحياة، ولحظة وصول العريس السّماويّ ودخوله وإغلاق الباب، كان الفرقُ والقرار النّهائيّ، وعندها لم تعد تنفع التّوسّلات."

وبكلمة توجيهيّة لتصويب حياتنا والمضي بها قدمًا على ضوء المسيح، اختتم الأب أبي عون مفسّرًا: "ملكوت السّماوات هو أن نعيدَ النّظر كلّ يوم في نمط حياتنا على ضوء كلام الله، ونتذكّر بأنّ مصباحنا فيه بالأساس من زيت الرّبّ، فلا نفرّطنَ به بل ليكن جاهزًا دائمًا للّحظة الحاسمة حيث لا نعرف الْيَوْم ولا السّاعة، كما كان يقول الطّوباويّ الشّاب الجديد كارلو "نولد كلّنا بنسخة أصليّة، لكن للأسف كثرٌ منّا يموتُ صورة منقولة عن الآخرين"."