مار الياس مات أم لا؟
"يحتفل المسيحيّون في 20 تمّوز من كلّ عام بعيد مار الياس، إذ تعوّد النّاس أن يتكلّموا عن النّبيّ إيليّا أو مار الياس الحيّ كأنّه لم يمت بل هو صعد إلى السّماء في مركبة ناريّة وهو لا يزال حيًّا ينتظرون مجيئه إلى الأرض، وهكذا صار مار الياس بسيفه المرفوع المخلّص الأوّل لدى الكثيرين من المسيحيّين فأخذ الدّور يسوع المسيح الذي مات ووحده قام فكان الخلاص الوحيد للبشريّة .
إيليّا النّبيّ ظهر فجأة وغاب فجأة لم يعرف أين دُفن، إلّا أنّ إيليّا كان رجلًا من نار في الدّفاع عن عبادة الله الواحد تجاه كهنة بعل (1ملوك 16-31)، ومحاميًّا عن الصّغار كما فعل مع نايوت اليزرعيلي فهدّد الملك بالعقاب (1ملوك 18- 21). ولم تتوقّف مهمّته بموته بل امتدت في شخص تلميذه اليشاع .
لكن تبقى قوّة هذا النّبيّ نابعة من حياة حميمة مع الله، وبخاصّة اللّقاء الذي حصل في جبل حوريب حيث حضر الله عبر زلزال ونار وكلّمه في نسيم لطيف.
صعود إيليّا حصل في العاصفة وليس في المركبة النّاريّة التي هي خاصّة باللّه . إنّ النّار في الكتاب المقدّس تدلّ على الله. إنّ الله نار آكلة، فكيف نسمح لأنفسنا أن نقول بأنّ إيليّا صعد في المركبة النّاريّة. هذا تجديف على الله وتعدّ على قدسيّته .
إذًا لم يصعد إيليّا إلى المركبة النّاريّة ولكن المركبة النّاريّة فصلت بين إيليّا واليشاع (2ملوك2-11)، فأخذ الأوّل الذي مات وترك الثّاني الذي ظلّ على قيد الحياة. هذا ما قاله السّيّد المسيح حين تحدّث عن مجيء ملكوت الله : "يكون في تلك اللّيلة رجلان على سرير واحد يؤخذ الواحد ويترك الآخر…" (لوقا 17: 34-35) .
إذًا العاصفة حملت إيليّا ولكن إلى أين؟ هناك تفسيران: التّفسير الماديّ: على أحد الجبال أو في أحد الأودية (2ملوك 2-16). هذا يعني أنّ إيليّا ضاع في عاصفة رمليّة إلى حدّ أن غطّته وطمرته. وقد بحث عنه الرّجال ثلاثة أيّام فلم يجدوه (2ملوك 2-17) . والتّفسير الوحي: أخذ الرّبّ إيليّا إليه. أرسل روحه فأخذ إيليّا إلى السّماء. تلك هي نهاية الأبرار كما يقول الكتاب المقدّس في سفر الحكمة: "أمّا النّفوس الأبرار فهي بيد الله فلا يمسّها عذاب" (حكمة 3-1) .
إذًا إيليّا أخذ في عاصفة رمليّة، هذا ما نجده في اللّغة العبريّة للكتاب المقدّس، وهذا ما حدث لكثيرين من النّاس، طمروا في الرّمل ولم يعرف أحد مكانهم، وقد يكون الكاتب شدّد على أنّ جثّة إيليّا لم توجد وكذلك موسى لئلّا يتعبّد لهما النّاس وينسوا الإله الحيّ الذي وحده لا يموت .
إذا كان المسيح قد مات فإيليّا قد مات أيضًا. لقد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا عمّ الموت جميع النّاس (رومية 5-12) .
هكذا جاز الله إيليّا، فأخذه إليه في مجد لأنّه كان أمينًا للإله الواحد الحيّ .
وبذلك كان إيليّا هو أوّل صانع المعجزات: تكثير الزّيت والدّقيق في بيت أرملة في صرفة صيدا.
هو أوّل من أقام ميتًا: أعجوبة ابن الأرملة بعد أن مات…
هو أوّل من اختفى في البرّيّة للصّوم والامساك حتّى يعود إلى رسالته في مواجهة الأخطار.
هو أوّل ناسك وأوّل متوحّد ذاق لذّة اللّقاء والعيش مع الله.
هو أوّل من خلق مدرسة الأنبياء فكان له التّلاميذ ومنهم اليشاع .
هذا ما جعل من الكنائس المسيحيّة كافّة تطلق اسم مار الياس الحيّ على كنائسها إذ تحتلّ كنائس مار الياس المرتبة الثّانية بعد كنائس سيّدة العذراء، فهناك الكثير من الكنائس تُشيّد الآن على اسم هذا النّبيّ.
وأيضًا عن اسم الياس أو ايلي، فقد أظهرت لوائح الشّطب في فترة الانتخابات أنّ اسم الياس يغلب كلّ الأسماء .
إلّا أنّ شخصيّة مار الياس الفذّة عميقة الأثر لا في الدّيانة المسيحيّة فحسب وإنّما في الدّيانة الإسلاميّة كذلك .
إذ ورد ذكر الياس مرّتين في القرآن الكريم في سورة الانعام (6-85): "وزكريا ويحيى وعيسى والياس كلّ من الصّالحين"، وسورة الصافات (37: 123-132) : "وإن الياس لمن المرسلين إذ قال لقومه: ألا تتقون أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين...".
تقول التّفاسير الإسلاميّة إنّ الياس هو ابن هارون أخي موسى، وتشير أيضًا إلى أنّ الياس يأتي في درجة عيسى وزكريّا وابنه يحيى. وعند المفسّرين المسلمين إنّ الياس عاش حتّى شهر أوّل ما نزل الوحي على النّبيّ محمد وعند ذلك سأل الله أن يقبض إليه لأنّ أحد كما جاء في القرآن لا يستطيع أن يعصى على الموت وقبل موته قال له محمد: "أنت يا الياس عليك أن تعين أمتي في البحر" ورغم موته يعود إلى الأرض ليتولّى بما كلّف به وهو ما زال في عودته يصوم رمضان من كلّ سنة ثم يحجّ إلى مكّة ويشرب من بئر زمزم يوم الجمعة ويغتسل في عين سلوان …
ويبقى لنا ونحن في خضمّ مسيرة الحياة أن نطلب شفاعة النّبيّ الياس حتّى يرافق كلّ البشر، ونطلب منه أن يستمطر الرّوح على قلوب النّاس جميعًا والإيمان والمحبّة والسّلام".