دينيّة
03 آب 2025, 13:00

آب... شهر العذراء في الكنيسة الأورثوذكسيّة

تيلي لوميار/ نورسات
شهر آب هو شهر العذراء في الكنيسة الأرثوذكسيّة، فالقسم الأوّل منه مخصّص للتّحضير لعيد رقاد العذراء الّذي تحييه في منتصفه، والأيّام التّالية هي امتداد له. في هذا السّياق، يشرح خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض ميزة هذا الشّهر وما يرافق المناسبة من ممارسات، ويكتب:

"شهر آب هو شهر العذراء، في منتصفه نحتفل بذكرى رقادها. الأيّام الأربعة عشر الأولى منه هي الأيّام التّحضيريّة للعيد، والأيّام التي تليها هي امتداد له. في الفترة التّحضيريّة للعيد (14 يومًا) تضمّ خدمة البركليسي (ابتهال) التي تقام مع صلاة الغروب.

إنّ فترة ما بعد العيد بسحب التّرتيب الكنسيّ (التّيبيكون) تنتهي بـ23 آب حيث يوّدع العيد بعد 9 أيّام. كانت قديمًا رغبة في مدّ فترة التّعييد إلى 28 آب في جبل أثوس (اليونان).

كما صدر أمر من الإمبراطور اندرنيكومس الثّاني (1282-1328) أن يعيّد للعذراء طيلة شهر آب ويرافق الفترة التّحضيريّة للعيد صوم من (11 آب إلى 14 آب) المعروف بـ "صوم السّيّدة العذراء"، وهو من الأصوام المهمّة والمحبوبة لدى فئة كبيرة من المسيحيّين الممارسين مسيحيّتهم، ويكاد يقال إنّ الشّعب المؤمن هو الذي وضعه على روزنامته الكنسيّة لأنّه حتّى القرن الحادي عشر لم يكن ضمن الأصوام المعمول بها بحكم القانون الكنسيّ، كما لا نجده في أيّ قانون من قوانين الصّوم. وكان هذا الصّوم معروفًا بصوم العذراء.

يعتبر عيد رقاد والدة الإله من أكبر الأعياد. ولعلّ هذا العيد الأقدم، إذ يعود إلى القرن الخامس- السّادس. يبدو أنّه حُدد لأوّل مرّة في أورشليم يوم 13 آب، وبعد ذلك بفترة قصيرة نُقل إلى 15 آب. كان لهذا العيد ميزة تختصّ بشخص والدة الإله بدون تطرّق محدّد لحدثٍ (رقادها) وكان يسمّى: "يوم والدة الإله".

إذًا حتّى القرن الخامس- السّادس الميلاديّ لم يكن هناك عيد لوالدة الإله، عيد الرّقاد.

لم يكتب حرف واحد في الكتاب المقدّس ولا في الكتب القانونيّة عن رقاد العذراء، كلّ ما نعرفه عن الرّقاد هو ما تناقله المؤمنون عبر الأجيال في الكنيسة. هذا ما يسمى بـ "التّقليد"، وأيضًا من خلال الكتب "الابوكريفا" الكتب غير القانونيّة. هذه الكتب استعملتها الكنيسة، لكن لم تعتبرهم كتبًا قانونيًّا لأنّه فيها شيء من المبالغة والزّيادة وأشياء غير صحيحة.

الكنيسة ومنذ تأسيسها ومن تجسّد المسيح لم تقل يومًا إنّ الخلاص تمّ بغير المسيح. الخلاص هو فقط حصرًا في يسوع، مريم العذراء مُخَلّصة بيسوع. مريم العذراء ماتت في الجسد لأنّها وريثة الضّعف الذي تسلّمته البشريّة من خطيئة آدم وحوّاء. مريم ماتت بالجسد. مريم مكرّمة جدًّا بالكنيسة وبخاصّة في الكنيسة الأرثوذكسيّة لأنّها أمّ الحياة، لأنّها أعطت ليسوع الكائن قبل الدّهور، خالق الكون ومبدعه، أعطته لهذا يسوع الموجود قبل وجود مريم وقبل وجوده بالجسد على الأرض أعطته من جسدها، من طبيعتها وطبيعتنا، لذلك هي أمّ الحياة لذلك وسّعت في مستودعها أيّ في بطنها الحياة الذي لا يسعه الكلّ، لذلك يطلق على العذراء هي أرحب من السّماوات، لأنّ السّماء لا تسع يسوع، فكيف لهذا الذي لا تسعه السّماوات أن يوسع في بطن العذراء.

إذًا الكنيسة الأرثوذكسيّة تزيد في تكريم والدة الإله أكثر من باقي الكنائس، لكن هذا لا يعني أن توضع مريم العذراء في مستوى يسوع. هي مخلوقة وهي مخلّصة وهي تأخذ مجدها من مجد يسوع، لولاه لكانت مريم في مستوى البشر.

بعد سقوط آدم وحوّاء أصبحت الطّبيعة البشريّة أضعف من طبيعة الملائكة، ولكن قبل السّقوط كانت الطّبيعة البشريّة أعظم من الملائكة، لكن وحدها مريم لبثت أرفع من الملائكة وأرفع مجد من السّارافيم…

ما هي أكرم من الشّاروبيم، لماذا نطلق على مريم هذه الألقاب؟ لأنّ مريم العذراء لم يخاطرها فكر شرير ولم تستسلم لشهوة بشريّة. مريم خضعت لناموس السّقوط، فماتت بالجسد ولكن هي بإرادتها الشّخصيّة لم تخطئ يومًا. هذا هو تعليم الكنيسة لذلك تقول الكنيسة الأرثوذكسيّة يا من هي أكرم من الشّاروبيم…

إذًا مريم تستمدّ مجدها من مجد يسوع لذلك لا نصوّرها أو نرسمها في الكنيسة الأرثوذكسيّة إلّا مع يسوع هي دائمًا مع يسوع لأنّ يسوع هو قوّتها وهو أعطاها مجدًا (استثنائيًّا توجد لوحدها في أيقونة البشارة والشّفاعة).

في العاطفة البشريّة توجد عند كلّ إنسان غيرة لأمّه. هذه الغيرة العاطفيّة أسقطت حتّى على مريم العذراء، لذلك كلّ واحد منّا عنده عاطفة أمومة نحو العذراء لزيادة تكريم وعطف هذه الأمومة ورفعها إلى مستوى تكريم يسوع المسيح جعلنا أو أنشئنا أعياد لمريم موازية لأعياد المسيح أيّ أسقطنا أعياد يسوع على مريم (حتّى القرن السّادس لم يكن هناك أعياد لمريم) مثلًا:

– ميلاد المسيح = ميلاد العذراء

– دخول المسيح إلى الهيكل = دخول العذراء إلى الهيكل

– مات وقام المسيح = ماتت وأقيمت العذراء

أمّا سبب قلّة المعلومات والاهتمام بعيد انتقال العذراء، في القرن السّادس، (كما أشرنا سابقًا) يعود إلى الكنيسة فكانت تخشى من أنّ التّفريط بتكريم مريم العذراء يؤدّي إلى التّورّط في عبادة الأصنام شأن الوثنيّين الذين عبدوا أكثر من والدات الآلهة الكاذبة. لذا لم تكثر الكنيسة من التّكريم حتّى لا يعبدوها المسيحيّيون لأنّ العبادة لا تجب إلّا لله وحده فقط، هناك سبب آخر يعود إلى الاضطهادات التي عانت منها الكنيسة إذ لم تمارس كلّ طقوسها وعبادتها إلّا بعد انتهاء الاضطهادات العشر الكبرى. إذًا الاعتقاد بانتقال مريم العذراء إلى السّماء قديم جدًّا يعود إلى أيّام الرّسل لولا ذلك لما كانت الكنيسة جمعاء تحتفل به.

للعذراء في الكنيسة الأرثوذكسيّة مكانة رفيعة وفريدة ومميّزة في اللّيتورجيا، ولذا لها خمسة أعياد تتعلّق بها مباشرة: عيد مولدها (8 أيلول)، عيد دخولها (21 ت2)، عيد دخول السّيّد إلى الهيكل (2 شباط)، عيد بشارتها (25 آذار)، عيد رقادها (15 آب)، يضاف إلى هذه الأعياد الرّئيسيّة عدد آخر من الأعياد المرتبطة بمريم العذراء مثلاً: العذراء، عيد الينبوع…

أخيرًا، إنّ صعود مريم إلى السّماء هو تكريم مباشر للبشريّة كلّها لأنّ جسد العذراء هو مثل جسدنا له نفس كرامة العذراء وهو عربون وبرهان لقيامة أجسادنا."