ثقافة ومجتمع
21 تشرين الأول 2016, 05:30

خاصّ- الرهبانيّة المريميّة في متحف تاريخيّ

تمارا شقير
في ديرٍ يعبقُ فيه عطر الإيمان وعبير الخشوع وتُعطِّرُهُ رائحة القدّاسة.. متحفٌ؛ متحفٌ يحتضنُ أكثر من ألف قطعة أثريّة تعود إلى أكثر من 300 سنة... إنّه متحف دير سيّدة اللّويزة في مقرّها في زوق مصبح- كسروان.

يعود الدّير إلى سنة 1682 حين قرّر الشّيخ سلهب الحاقلاني بناءه وجعله مقامًا للرهبان قبل أن يُكرّس حياته لـ لله ليصبح القس أغناطيوس. وقد شهد الدّير أعمالاً ترميميّة عديدة على مرّ السّنوات ليكتسب أخيرًا طلّته الحاليّة.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة قرون على تأسيس الدّير، قرّر الآباتي العام مارسيل أبي خليل سنة 1982 تأسيس متحف يضّم كلّ آثار الرّهبانيّة، لذا بدأت مديرية الآثار بالعمل عليه ليبصر النّور بعد حوالى السنة، هذا ما أكّده رئيس الدّير ونائب الرّئيس العام للرهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة المريميّة الأب جوزيف أبي عون في حديث خاصّ موقع "نورنيوز" خلال جولة قام بها في أرجاء المكان، مضيفًا أنّ المتحف كان يتضمن سابقًا قاعات للدرس وقاعات للطعام وغرف نوم للرهبان.

القسم الأوّل من المتحف يعرض بدلات طقسيّة غنيّة بالزخرف والقماش الفاخر ارتداها آباء خلال ترأسهم القدّاس الإلهي وهي تقدمة من البابا بيوس الحادي عشر والبابا بيوس الثّاني عشر. هذا وتتوزع اللّوحات الزيتيّة على الجدران وتُصّور حياة يسوع المسيح والعذراء مريم وبعض الرّسل والقدّيسين رُسمت بريشة فنانين لبنانيين وأجانب أمثال فيليب موراني وحبيب سرور و Murillo وOlivieri وGiotto وسواهم.

أما في القسم الثّاني، فينبهر الزائر بالساعات والصُلبان والخواتم المصنوعة من الذهب والتابعة لآباء  ترّبعوا على عرش رئاسة الرّهبانيّة المريميّة. كما يضمّ هذا القسم خليطًا من عملات قديمة كالعملة الرومانيّة والعملة اللّبنانيّة، وغيرها.

يندهش زوّار المتحف بمحتوياته الفريدة من الآثار الدينيّة المميّزة، اذ يتضمن عددًا من الكتب الدّينيّة القدّيمة، كالطّبعة الأولى من الأناجيل الأربعة المقدّسة في اللّغة العربيّة أو قانون المبتدئين بالحرف الكرشوني من أوائل القرن الثامن عشر.

يكرّم المتحف كلّ رئيس عام أو مطران أو راهب خدم الكنيسة والرّهبانيّة، فلكلّ واحد منهم لوحة شخصيّة زيتيّة معلّقة على جدرانه، نذكر منهم الآباتي مرتينوس مهنا والآباتي جبرايل شمالي والمطران أغوسطين البستاني والمطران جبرايل حوّا.

من جهة أخرى، يخبر الأب أبي عون بأنّ الدّير ميّز الأب جناديوس موراني عن غيره، فخصّه بقسم يعرض أغراضه الخاصّة كثوبه وكّتونته وقبعته، إلخ... ويُذكر أنّ هذا الرّاهب المارونيّ المريميّ مات قتلاً عن عمر يناهز 33 عامًا.

وللعلم اللّبناني حصّة في المتحف حيث نجد أعلام الجماعات التي مرّت عبر تاريخ لبنان كافة: العلم الفينيقي، وعلم المردة (القرن السّابع)، وعلم المردة في عهد الأمير ابراهيم، وعلم المماليك (1515-1250)، والعلم العثمانيّ، وعلم المعنيين الوطني، وعلم نهاية إمارة المعنيين (أواخر القرن السابع عشر)، وعلم اللّمعيين (اعتبارًا من القرن الثامن عشر)، وعلم التنوخيين، وعلم آل أبي نكد، وعلم الجنبلاطيين، وعلم الشّهابيين (1697-1842)، والأرزة شعار مسرح النقاش، وعلم اللّبنانيين عقب سقوط الإمبراطورية العثمانيّة (1918)، والعلم اللّبناني في زمن الإنتداب الفرنسي (1920-1943) والعلم اللّبناني الحاليّ (منذ 1943 حتى اليوم).

شهد المتحف تغيّرات كثيرة، فبعد أن بدأ بقسم صغير يضمّ بدلات الآباء، توسّع ليصبح اليوم متحفًا يمتّد على مساحة كبيرة يتضمن أهمّ الآثار وأبرزها، ويعمل دير سيدة اللّويزة جاهدًا بشخص الأب جوزيف أبي عون على لمحافظة عليه وتطويره علّه ينقل صورة لبنان الجميل إلى الأجيال القادمة.