الفاتيكان
21 نيسان 2020, 11:15

بين الصّمت والإصغاء ترتفع صلاة البابا فرنسيس اليوم

تيلي لوميار/ نورسات
صلّى البابا فرنسيس في قدّاسه الصّباحيّ، على نيّة نموّ قدرة الإصغاء خلال زمن الوباء، ودعا إلى الاستفادة من الصّمت الّذي نعيشه في هذه المرحلة، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "هناك صمت كبير خلال هذه المرحلة، لدرجة أنّه بإمكاننا أن نسمعه. ليعلّمنا هذا الصّمت، الّذي يشكّل أمرًا جديدًا لعاداتنا، كيف نصغي وليجعلنا ننمو في القدرة على الإصغاء. لنرفع صلاتنا على هذه النّيّة".

ثمّ توقّف في تأمّله عند الجماعة المسيحيّة، على ضوء أعمال الرّسل التّي وصفت حياة الجماعة الأولى الّتي كان أعضاؤها "قَلبًا واحِدًا ونَفْسًا واحِدة"، فقال: "الرّوح القدس قادر على صنع هذه الأمور الرّائعة. إنّ الجماعة المسيحيّة الأولى ليست إلّا مثالاً وعلامة لما يمكن للرّوح القدس أن يفعله إن كنّا طائعين له. لأنّ الرّوح القدس يخلق التّناغم ولكن من ثمَّ جاءت المشاكل والانقسامات. هناك ثلاثة أسباب للانقسامات: السّبب الأوّل هو المال، إذ يعرّض الفقراء للتّمييز فيقسم المال الجماعة والكنيسة. غالبًا ما يكون المال أيضًا خلف الانحرافات العقائديّة. أمّا الفقر فهو أمُّ الجماعة. هناك عائلات كثيرة تنقسم بسب بالميراث. أمّا السّبب الثّاني الّذي يقسم هو الغرور والشّعور بأنّنا أفضل من الآخرين والتّبختُر. والسّبب الثّالث الّذي يقسم الجماعة هو الثّرثرة الّتي يزرعها الشّيطان بيننا كحاجة لاغتياب الآخرين. لنطلب من الرّبّ الطّاعة للرّوح القدس لكي يحوّلنا ويحوّل جماعاتنا لكي نعيش في تناغم.

إنّ الولادة من عَلُ هي الولادة بقوّة الرّوح القدس. لا يمكننا أن نأخذ الرّوح القدس لأنفسنا، ولكن يمكننا أن نسمح له بأن يحوِّلنا، وطاعتنا هي الّتي تفتح الباب للرّوح القدس: فهو الّذي يصنع التّغيير، والتّحوّل، أيّ هذه الولادة من عَلُ. والمثال على ذلك هي الجماعة المسيحيّة الأولى الّتي لم تكن خيالاً وإنّما مثالاً يمكننا أن نبلغه عندما نكون طائعين للرّوح القدس ونسمح له بالدّخول إلى قلوبنا وبتحويلنا. جماعة– يمكننا أن نقول– مثاليّة. صحيح أنّه بعد هذا الأمر بدأت المشاكل فورًا، لكنَّ الرّبّ يرينا إلى أين يمكننا أن نصل إن كنّا منفتحين على الرّوح القدس وإن كنّا طائعين له. في هذه الجماعة كان هناك تناغم. الرّوح القدس هو المعلّم في التّناغم وهو قادر على صنعها وهذا ما فعله هنا. لذلك عليه أن يصنعها في قلوبنا ويغيِّر فينا العديد من الأمور لكي يصنع التّناغم لأنّه التّناغم بذاته. هو التّناغم أيضًا بين الآب والابن، وبالتّناغم قد خلق هذه الأمور وهذه الجماعة المتناغمة. لكن التّاريخ، وبالتّحديد كتاب أعمال الرّسل أيضًا، يخبرنا عن المشاكل العديدة الّتي عاشتها الجماعة. وهذا مثال لنا، لقد سمح الرّبّ بهذا المثال من الجماعة "الكاملة" تقريبًا ليرينا إلى أين يمكننا أن نصل.

ولكن بدأت الانقسامات في الجماعة. ويكتب القدّيس يعقوب في الفصل الثّاني من رسالته: "لا تَجمَعوا بَينَ مُراعاةِ الأَشخاصِ والإِيمانِ بِرَبِّنا يسوعَ المسيح"، ويكتب القدّيس بولس في رسالته إلى أهل قورنتس في الفصل الحادي عشر: "لقد وَقَعَت بَينَكمُ انقِسامات، على ما بَلَغَني". نعم لقد بدأت الانقسامات الدّاخليّة في الجماعات، وبالتّالي فهذا المثال الّذي ينبغي علينا بلوغه ليس سهلاً لأنَّ هناك أمور كثيرة تقسم الجماعة. وإذ نرى ما هي الأمور الّتي قسمت الجماعات المسيحيّة الأولى، أجد ثلاثة أسباب: الأوّل المال. يكتب القدّيس يعقوب: "إِذا دَخَلَ مَجمَعَكم رَجُلٌ بِإِصبَعِه خاتَمٌ مِن ذَهَبٍ وعلَيهِ ثِيابٌ بَهِيَّة، ودَخَلَ أَيضًا فَقيرٌ علَيه ثِيابٌ وَسِخَة، فالتَّفتُّم إِلى صاحِبِ الثِّيابِ البَهِيَّة وقُلتُم له: "اِجلِسْ أَنتَ ههُنا في الصَّدْر"، وقُلتُم لِلفَقير: "أَنتَ قِفْ" أَو "اِجلِسْ عِندَ مَوطِئِ قَدَمَيَّ". المال. وهذا ما يقوله القدّيس بولس أيضًا. إنّ المال يقسم، حبّ المال يقسم الجماعة والكنيسة.

غالبًا وفي تاريخ الكنيسة حيث كان هناك انحرافات عقائديّة كان هناك المال على الدّوام: مال السّلطة أو السّلطة السّياسيّة. إنّ المال يقسم الجماعة، لذلك فالفقر هو أمّ الجماعة وهو الحصن الّذي يحفظ الجماعة. المال والمصالح الشّخصيّة يقسمون. حتّى في العائلات: كم من العائلات انتهت منقسمة بسبب الميراث؟ كم من العائلات؟ إنّ المال يقسّم. أمر آخر يقسّم الجماعة وهو الغرور، وتلك الرّغبة بالشّعور بأنّنا أفضل من الآخرين، تمامًا كالفرّيسيّ الّذي كان يقول: "أشكرك يا ربّ لأنّي لست كباقي النّاس الخطأة، ولا مثل هذا العشّار". الغرور في الشّعور وفي حبّ الظّهور، الغرور في العادات وفي اللّبس... كم من مرّة يكون الاحتفال بالأسرار مثالاً للغرور لمن يرتدي أفضل الملابس. والغرور يقسّم، لأنّ الغرور يحملك على التّبجُّح والتّبجُّح يسبّب الانقسام على الدّوام.

أمر ثالث يقسّم الجماعة وهو الثّرثرة وهذه ليست المرّة الأولى الّتي أقولها لأنّ هذه الواقع. الثّرثرة هي الأمر الّذي يضعه الشّيطان بيننا كالحاجة لاغتياب الآخرين وتشويه سمعتهم. لكنّ الرّوح القدس يأتي على الدّوام بقوّته لكي يخلّصنا من روح العالم هذا أيّ من المال والغرور والثّرثرة، لأنّ الرّوح القدس ليس من العالم بل هو ضدّ العالم، وهو قادر على صنع هذه الآيات الكبيرة.

لنطلب من الرّبّ هذه الطّاعة للرّوح القدس لكي يحوّلنا ويحوّل جماعاتنا الرّاعويّة والأبرشيّة والدّينيّة لكي تسير قدمًا في التّناغم الّذي يريده يسوع للجماعة المسيحيّة.