بيتسابالا: ما يخلّص المرء من الاضطهاد والعنف هو قدرته على التّوبة
وفي نصّ التّأمّل كتب بيتسابالا:
"كي ندخل في نصّ إنجيل اليوم دعونا نبدأ بآية ترد في القراءة الأولى. في الواقع، يبدأ الإنجيل باقتباس من سفر أشعياء يرد بأكمله في القراءة الأولى: "لأَنَّ نيرَ ثِقْلِها وعَصا كَتِفِها وقَضيبَ مُسَخِّرِها قد كسَّرتَها كما في يَوم مِديَن" (أشعياء ٩: ٣).
إنّه وحي كُتب من أجل زمن مأساويّ وصعب جدًّا في التّاريخ الكتابيّ حين زال حكم مملكة الشّمال تحت السّيطرة الآشوريّة. كما يشير نصّ أشعياء إلى زمن صعب آخر من التّاريخ الكتابيّ يرد في الفصل السّادس من سفر القضاة في زمن مِديَن الّذي اضطهد أسباط إسرائيل في ذلك الوقت.
يُشير الإنجيليّ إلى هذه الفترات الكتابيّة في العهد القديم والّتي اتّسمت بالاضطهاد، وذلك من أجل التّأكيد أنّ الزّمن الّذي فيه يبدأ يسوع عمل الخلاص هو زمن اضطهاد أيضًا، تمامًا كما جرى مرّات عديدة على مرّ القرون، فلا شيء جديد في هذا الأمر. يبدو وأنّ تاريخ الإنسان غير قادر على توليد أيّ شيء غير إساءة استخدام السّلطة والعنف من جيل إلى آخر.
يمكننا أن نفهم من خلال الإشارة إلى مِديَن كيف يدخل يسوع في هذا الوقت الصّعب. في الواقع يسرد الفصل السّادس من سفر القضاة قصّة جدعون الّذي دعاه الله كي يُخلّص شعبه بالرّغم من كونه الأصغر في بيت أبيه وانتمائه إلى أضعف العشائر في مَنسّى: "قالَ جِدْعُون للرّبّ: "ناشَدتُكَ يا سَيدِّي. بماذا أُخَلِّصُ إسْرائيل؟ هذه عَشيرَتي أَضعَفُ عَشيرةٍ في مَنسّى، وأنا الأصغَرُ في بَيتِ أبي." (القضاة ٦: ١٥). تستمرّ القصّة بسرد المعركة الّتي جرت بين بني إسرائيل ومِديَن (القضاء ٧)، والّتي فيها نرى جيّدًا أنّ الله هو مَنْ يُخلّص ويقود إلى النّصر، وليس بني إسرائيل بقوّتهم الخاصّة.
في نصّ إنجيل اليوم نستطيع أن نتتبع نفس الدّيناميكيّة. أوّلًا، يبدأ يسوع خدمته بدعوة يجب فهمها في ضوء ما تمّ قوله: "تُوبوا" (متّى ٤: ١٧).
ما يُخلّص المرء من الاضطهاد والعنف هو قدرته على التّوبة، أيّ تغيير العقليّة. يجب تغيير العقليّة تمامًا كما حصل مع جدعون الّذي تمّت دعوته للتّوبة وتغيير تفكيره بأنّ خلاص الله يأتي عبر القوّة، ليس هذا ما يحدث.
يُخلّص الله عبر الأمور الصّغيرة والتّقارب والتّجاور واحتضان المحدوديّة واضعًا نفسه في حالة طاعة وتواضع، وليس عبر القوّة والرّدّ على العنف بالعنف بل باختيار طرق أخرى. وعليه، يستطيع يسوع أن يقول إنّ ملكوت الله قريب (متّى ٤: ١٧).
وتمامًا كما في زمن مِديَن، يُخلّص الله باختياره إنسانًا من بين الضّعفاء ليكون بداية زمن خلاص جاء يسوع ليفتتحه.
في سيره على شاطئ بحر الجليل يرى يسوع أخوين ينشغلان بالعمل ويدعوهما لاتّباعه (متّى ٤: ١٨– ٢٢).
يتمّ الخلاص عبر "التّبعيّة" أيّ حين يتوقّف الإنسان عن تمركزه وتمحوره حول ذاته ويترك المجال ليسوع كي يقود وجوده.
إنّه مسألة حبّ وثقة.
وهكذا تشكّل المجموعة الصّغيرة من الضّعفاء، والّتي تقبل هذه المغامرة الجديدة، أوّل بذرة لجماعة مختلفة وأخوّة جديدة نكون فيها سويًّا، ليس لأنّنا نختار بعضنا البعض بموجب تقارب ما بل لأنّ كلّ واحد منّا اختاره الله ودخل حياتنا.
ملاحظة أخيرة: إنّ نداء يسوع لاتّباعه مقرون بوعد. ليس وعدًا بجائزة ما أو حياة خالية من المشاكل.
"سأجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر" (متّى ٤: ١٩).
الوعد الرّئيسيّ لكلّ شخص مدعوّ هو أنّ حياته تتمّ في الرّسالة. إنّها حياة الّتي لا تنتهي في آفاق أحداثها الضّيّقة، بل تتّخذ أبعادًا عالميّة وتقترن مع تاريخ البشر المعاصرين لنا.
هذا هو الوعد الّذي يفي به الله."