لبنان
07 نيسان 2023, 19:31

الرّاعي: شعبنا في لبنان: يواصل صرخة يسوع: هذا عطشان إلى ماء، وذاك عطشان إلى عدالة، وآخر إلى رحمة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي يوم الجمعة العظيمة رتبة السّجدة في الصّرح البطريركيّ في بكركي وألقى عظة بعنوان "نسجد لك أيّها المسيح ونباركك لأنّك بصليبك المقدّس خلّصت العالم"، قال فيها:

"ربّنا يسوع المسيح ككلّ ربّ عائلة يعطي توصيته الأخيرة. يسلّم الكنيسة وكلّ واحد وواحدة من أبنائها وصيّته الأخيرة بسبع كلمات قالها من على الصّليب، قبل أن يسلم الرّوح. وهي تشكّل الحضارة المسيحيّة بأبعادها السّبعة.

الكلمة الأولى: "إغفر لهم يا أبتِ، لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون".

طلب يسوع من الآب أن يغفر لصاليبه، ويعذرهم لجهلهم ما يفعلون لكي يمنحهم فرصة تغيير مجرى حياتهم، أنّه يسلّمنا عطيّة الغفران النّابعة من محبّة القلب. وحده الذي يحب يعرف كيف يغفر. والسّعادة هي في الغفران لا في الضّغينة ولا في الانتقام.

الكلمة الثّانية: "اليوم تكون معي في الفردوس"

غفر يسوع للّصّ التّائب المصلوب معه. هذا اللّصّ بعد سماعه كلمة الغفران الأولى تاب وخضع لمشيئة الله واعترف بجرائمه وآمن بيسوع، والتمس رحمته. وإذ كان مسمّر اليدين والرّجلين ظلّ بالمقابل قلبه ولسانه حرًّا، فآمن بقلبه واعترف بلسانه. فأدخله يسوع معه إلى الفردوس. الإستغفار والمغفرة هما باب الخلاص.

الكلمة الثّالثة: "يا امرأة هذا ابنك، ويا يوحنّا هذه أمّك"

عزّى يسوع أمّه المتألّمة إذ جعلها بآلامها وكأنّها آلام مخاض أمّ كلّ إنسان، وهذا الإنسان متمثّل بيوحنّا المحبّ الذي رافق مريم وحده حتّى الصّليب. بفرح البشارة أصبحت مريم أمّ يسوع التّاريخيّ، أمّا بآلام الصّليب فأصبحت أمّ المسيح الكلّيّ أيّ الكنيسة. يوصينا ربّنا يسوع بأن ننتج من الألم الأهمّ في حياتنا وبقوله لنا يومًا عن هذا "حبّة الحنطة بموتها في الأرض تأتي بالسنابل".

الكلمة الرّابعة: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟"

هي صرخة الإنسان المتألّم الذي يشعر وكأنّه متروك في ألمه ومصيبته من الله والنّاس. هي الوحشة القاتلة. هي إختبار صمت الله، وطرح السّؤال: ماذا فعلت من الشّرّ لأتعذّب لهذه الدّرجة؟ يسوع- الإنسان إختبر هذا الوجع بمرارة. ولكنّه ظلّ على يقين أنّ الآب لا يتركه، حتى تتمّ رسالة فداء خطايا كلّ إنسان يولد في العالم. يسوع يدعونا لنضمّ آلامنا إلى آلامه ولنعطيها قيمة فداء. هذه فهمها بولس الرّسول يوم قال "أتمّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح من أجل الكنيسة".

الكلمة الخامسة: "أنا عطشان"

يسوع الذي جال القرى والمدن يشفي من كلّ مرض وعلّة ويصنع الخير يطلب ماء ليروي عطشه، فيُعطى خلًّا. فتمّت فيه كلمة المزمور: "وفي عطشي سقوني خلًّا" (20: 69). فازداد يسوع عطشًا إلى رحمة وعدالة وخلاص لجميع البشر. شعبنا في لبنان: يواصل صرخة يسوع: هذا عطشان إلى ماء، وذاك عطشان إلى عدالة، وآخر إلى رحمة. كثيرون يتألّمون من العطش الماديّ والرّوحيّ والمعنويّ والنّفسيّ. لا يحقّ لأحد حجب يد المساعدة عن عطشان، أيًّا يكن نوع عطشه.

الكلمة السّادسة: "لقد تمّ كلّ شيء"

أتمّ يسوع كلّ رسالته الخلاصيّة، بتجسّده انسانًا من مريم العذراء، بإعلانه كلام الله للعالم نورًا وحياة، بآيات رحمته ومحبّته وتحنّنه، بإظهار وجه الآب السّماويّ، وفعل الرّوح القدس في النّفوس، وبإتمام فداء خطايا جميع البشر بآلامه وموته على الصّليب، متمّمًا في كلّ هذه مشيئة الآب الذي أرسله. يوصينا ربّنا يسوع أن نقول بصفاء الضّمير في مساء كلّ يوم، وفي مساء الحياة: "تمّمت كلّ شيء."

الكلمة السّابعة والأخيرة: "يا ابتِ، بين يديك استودع روحي!"

سلّم يسوع وديعة حياته البشريّة ووديعة رسالته الخلاصيّة كاملة إلى الآب. ويوصينا بأن ندرك دائمًا أنّ حياتنا عطيّة مجّانيّة من محبّة الله، ومن واجبنا الحفاظ عليها جميلة لكونها على صورة الله. ويوصينا بأن نثمّر كلّ النّعم السّماويّة ومواهبنا وخيراتنا الكثيرة والقليلة، ونجاحنا وفشلنا، صحّتنا ومرضنا، من أجل تجميل وديعة حياتنا الشّخصيّة، لتكون لائقة بالله واهبها عندما نسلّمها في ساعتنا الأخيرة على الارض، فنستطيع أن نقول مثله: "يا أبي السّماويّ، بين يديك استودع روحي!".

أيّها الأخوة والأخوات الأحبّاء،

وحده يسوع دخل العالم بإرادته، وخرج منه بإرادته. أمّا نحن البشر فدخلنا العالم بإرادة الله ووالدينا، وبإرادة الآب ننهي وجودنا. وفي كلّ حال بين ظروف ولادتنا وظروف موتنا سرّ كبير، بل لغز لا نفهمه إلّا في ضوء الكلمة المتجسّد يسوع المسيح. ولقد وهبنا الله عطيّة "حرّيّة أبناء الله" لكي نجعل من كلّ ساعة من حياتنا فعل حرّيّة، فيكون فعلها الأخير الموت. وبه نستطيع أن نقول مع ربّنا يسوع: لقد تمّ كل شيء!" آمين."