لبنان
24 شباط 2025, 09:45

الرّاعي: إحتكام المسؤولين إلى المحبّة يغني لبنان عن ثورات

تيلي لوميار/ نورسات
في أحد الموتى المؤمنين، صلّى البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي من أجل راحة نفوسهم، وذلك خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه الأحد في بكركي.

وللمناسبة، ألقى الرّاعي عظة بعنوان "عندهم موسى والأنبياء، فليسمعوا لهم" (لو 16: 29)، قال فيها:

"1. تذكر الكنيسة، في هذا الأحد وطيلة الأسبوع الطّالع، الموتى المؤمنين الّذين عاشوا فضيلة الفقر الإنجيليّ، وتذكر الّذين تقاسموا مع الإخوة المعوزين خيرات الدّنيا، المعدّة من الله لجميع النّاس، وتذكر الأنفس المطهريّة لكي يخفّف الله من آلامها وينقلها إلى المجد السّماويّ. فالكنيسة هي الأمّ والمعلّمة بالّنسبة لجميع النّاس لكي يهتدوا إلى الله في حياتهم على هذه الأرض، ويبلغوا الملكوت السّماويّ. هذه الكنيسة متمثّلة "بموسى والأنبياء الّذين ينبغي أن نسمع لهم" (لو 16: 29).

2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، لنحتفل معًا بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة، ونقيم صلاة وضع البخور لراحة نفوس موتانا وسائر الموتى المؤمنين، سائلين لهم الرّاحة الأبديّة.

3. سندان في مساء الحياة على تقاسمنا خيرات الدّنيا مع الإخوة والأخوات المعوزين، إمّا ثوابًا بالنّعيم الأبديّ، وإمّا هلاكًا أبديًّا. تقاسم خيرات الدّنيا مع الفقراء هو طريقنا إلى الله، وواجب نؤدّي الحساب عنه. قال القدّيس غريغوريوس النّيصيّ: "إنّ ما يفيض عنك ليس لك، فلا تستطيع أن تجعل نفسك مالكًا له". وقال القدّيس باسيليوس الكبير: "لا يحقّ لك أن تستعمل مالك كمتمتّع به على هواك، بل كموكّل عليه".

4. ليس هلاك الغنيّ بسبب غناه. فخيرات الدّنيا المشروعة هبة من الله وبركة. بل هلاكه من طمعه، واستعباده لصنم ماله ومقتناه، ومن عدم محبّته وإغلاق قلبه ويده عن لعازر المسكين المطروح عند باب دارته. مشكلته أنّه عبد ماله لا الله. ينبّهنا الرّبّ يسوع: "لا يقدر أحد أن يعبد ربّين: الله والمال. فإمّا يبغض الواحد ويحبّ الآخر، وإمّا يلازم الواحد ويرذل الآخر" (متّى 6: 24).

5. تعلّم الكنيسة أنّ خيرات الدّنيا معدّة من الله لجميع النّاس، من يمتلكها شرعًا هو موكّل عليها من العناية الإلهيّة ليستثمرها لخيره وخير غيره من النّاس بدءًا من الأقربين (الكنيسة في عالم اليوم، 69؛ التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة 2403-2404). الأخ المحتاج الّذي نتقاسم معه خيراتنا يحرّرنا من التّعلّق المفرط بها تعلّقًا يحجب عنّا رؤية وجه الله".

فلو فعل ذاك الغنيّ ذلك لما كان هلك إلى الأبد. لقد أدرك هو غلطته الكبيرة، فتوسّل إلى إبراهيم أن "يرسل لعازر إلى إخوته الخمسة ليشهد لهم، كي لا يأتوا هم أيضًا إلى مكان العذاب هذا" (لو 16: 27-28).

6. أمّا خلاص لعازر المسكين، فلم يكن بسبب فقره، بل بسبب قبوله حالة الفقر والعوز بالقناعة ومحبّة الله. فكان يكتفي بالاستعطاء، ويشتهي بحقّ الفتات المتساقط عن مائدة الغنيّ، منفتحًا على رحمة الله الّتي كان ينبغي أن تظهر في رحمة ذاك الغنيّ. لذلك عندما "مات لعازر حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم"(لو 16: 20-22). أمّا الغنيّ "فمات ودفن" (لو 16: 22).

7. لا قيمة للإيمان بالله، ما لم ترافقه محبّة الإنسان. واحتكام المسؤولين إلى المحبّة يغني لبنان عن ثورات. المؤسف أنّ الواقع اللّبناني افتقد المحبّة وأتخمته الأحقاد ولاسيّما بين المسؤولين. ومتى سادت الأحقاد تتعطّل الحلول السّلميّة، ولا يعود ينقذ لبنان مبادرات أو ثورات. فالمبادرات تصبح تمنيّات، والثّورات تمسي فتنًا. لا مكان للأحقاد في نفوس غالبيّة اللّبنانيّين. الشّعب لا يشبه بعض قادته، وبعض القادة لا يشبهون وطنهم. وأصلًا، بعض السّياسيّين ليسوا على قياس الشّعب العظيم والدّولة المميّزة.

وبالمقابل، لا مكان في نفوسنا للخوف والانهزاميّة: فالخوف هزيمة مسبقة، الانهزاميّة هزيمة ملحقة. هذه مشاعر قاتلة في زمن تقرير المصير. في اللّحظة التّاريخيّة الّتي نمرّ فيها، قدرنا أن نصمد ونواجه ونقاوم من أجل وجودنا الحرّ. في الزّمن المصيريّ، لا يوجد سوى الانتصار الوطنيّ دفاعًا عن ثوابت لبنان وقيمه.

فلتعُد المحبّة إلى قلوب المسؤولين والمواطنين، واضعين نصب عيونهم نشيدها في رسالة القدّيس بولس الرّسول الأولى لأهل كورنتس (13: 4-7):

"المحبّة تصبر، المحبّة تخدم، ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تفعل ما ليس بشريف ولا تسعى إلى منفعتها، ولا تحنق ولا تبالي بالسّوء، ولا تفرح بالظّلم، بل تفرح بالحقّ. وهي تعذر كلّ شيء وتصدق كلّ شيء وترجو كلّ شيء وتتحمل كلّ شيء".

يا ليت هذا النّشيد يُقرأ في صباح كلّ يوم. فإنّه كفيل أن يغيّر القلوب.

8. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، من أجل راحة نفوس موتانا وسائر الموتى المؤمنين في الملكوت السّماويّ. ومن أجل أن يسكب الله المحبّة في قلوب الجميع الّتي عليها سندان. للثّالوث القدّوس، الآب والإبن والرّوح القدس كلّ شكر وتمجيد، الآن وإلى الأبد، آمين."