العراق
17 أيار 2019, 08:44

البطريرك ساكو يكشف السّبب الأكبر لهجرة الأقلّيّات في العراق

أوضح بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو السّبب الأكبر وراء هجرة الأقلّيّات في العراق، فكتب بحسب نصّ نشره موقع البطريركيّة الرّسميّ:

 

"لقد لعب المسيحيّون والأقلّيّات الأخرى، دورًا بارزًا في إثراء التّعدّد الثّقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ في العراق، وقدّموا مساهمات قيِّمة في التّعليم والصّحّة، والإدارة العامّة، والخدمات الاجتماعيّة، وشكّلوا مع المكوِّنات الأخرى فسيفساء جميل من الأعراق والأديان والثّقافات واللّغات والتّقاليد. وكان المسيحيّون العراقيّون يشكّلون في السّبعينيّات 5 بالمائة من العراقيّين وبعد سقوط النّظام واستهدافهم بشكل مباشر، هبطت نسبتهم إلى أقلّ من 2 بالمائة. (المسيحيّون الشّرقيّون كانت نسبتهم في السّتينيّات 20 بالمائة واليوم 4 بالمائة) وهكذا فإنّ استمرار الأمور على ما هي عليه، وعدم التّوجّه إلى إصلاح وضعهم بجدّيّة، سيدفع المسيحيّين والأقلّيّات الأخرى إلى الهجرة. وهجرتهم، ستؤثّر سلبًا على هذا التّنوّع الوطنيّ الحضاريّ الجميل، وتشوِّهه، ممّا يتطلّب الحفاظ على حقوقهم وهويّتهم، وحمايتهم. كما أنّ بقاء بلد ما على نسيج متجانس واحد، قد يؤدّي إلى الانغلاق على العالم ويولّد نوعًا من الرّاديكاليّة والتعّصّب العرقيّ والمذهبيّ الخطير.

 يعود تراجع الوجود التّاريخيّ الثّريّ للمسيحيّين والأقلّيّات الأخرى إلى عوامل عديدة: الضّعف المؤسّساتيّ على مستوى العدالة وعدم تطبيق القانون والمساواة وهشاشة الوضع الأمنيّ، والتّزاحم المصلحيّ بعيدًا عن النزاهة والمبدئيّة، ممّا ترك المجال مفتوحًا للتّمييز العنصريّ ضدّهم في ممارسات يوميّة، في التّعليم والتّوظيف والحياة الاجتماعيّة، خاصّة بالنّسبة للشّباب الرّاغبين في الحصول على التّعليم العالي، والدّخول إلى سوق العمل، وإذا أراد السّادة المعنيّون إشارات محدّدة، فهذه واحدة على سبيل المثال لا الحصر. مريم ماهر شابّة مسيحيّة تخرّجت بتفوّق، ونشرت وزارة التّعليم العالي اسمها مع الخرّيجين الأوائل على الكلّيّات والمعاهد للعامين 2016 و2017. وجاءت درجتها الأولى على الفرع والثّالثة على القسم، وضمن الّذين وجَّهت الوزارة بتعيينهم، حتّى وصل اسمها إلى الجهة المنفّذة فلم ينفذ التّعيين كونها مسيحيّة! ومثال آخر عن صدور كتاب رسميّ من أمين عامّ مجلس الوزراء د. مهدي محسن العلاق، بتاريخ 27 /1/2019 لاستبدال رئيس جامعة الحمدانيّة، لكن القرار لم ينفَّذ. أليست هذه الدّولة العميقة! ويوم أمس حصل اعتداء على ثلاث سيّدات مسيحيّات في برطلة بالضّرب المبرح وسُرقت أموالهنَّ!

من ناحية أخرى لقد أسهمت الهجمات الإرهابيّة من قِبل القاعدة وتنظيم الدّولة الإسلاميّة والّتي تعدّ الأقسى بعد مجزرة سيفا– الحرب العالميّة الأولى في معاناتهم وظلمهم حيث تمّ تهجيرهم من بيوتهم وبلداتهم، وتدميَر مباني الكنائس وتحويلها إلى خراب، ومحو علامات الصّليب والتّماثيل وغيرها من رموزهم الدّينيّة، وتمّ قلعهم من بيوتهم ومناطقهم.

وهناك صورة عميقة للتّمييز يعاني منها المسيحيّون والأقلّيّات الأخرى تتمحور في:

المراكز السّياسيّة: يوجد قانون متعلّق بالكوتا يحدّد لهم خمسة نوّاب، لكن تدخُّل الكتل الكبرى في التّصويت لتغليب المرشّح الدّاعم لها، غيَّب التّمثيل المسيحيّ. وهذا يسري على المجالس البلديّة، والإداريّة. عمليًّا، هؤلاء الأشخاص لا يعنيهم المكوَّن المسيحيّ، ولا علاقة لهم بتقديم الخدمات للمكوَّن ولا للعراقيّين!

قانون الأحوال الشّخصيّة: على صعيد القانون والمحاكم وتنظيم الأحوال الشّخصيّة، أيّ المسائل الرّوحانيّة أو الدّينيّة والزّواج والإرث فلا محاكم خاصّة بالمسيحيّين والأقلّيّات الدّينيّة الأخرى، لذا يطبَّق عليهم قانون الأحوال الشّخصيّة للمسلمين. وهنا نتساءل لماذا لا يُصاغ قانون مدنيّ مقبول للأحوال الشّخصيّة، يطبَّق على كلّ العراقيّين، كما هو معمول به في معظم دول العالَم.

ديوان الوقف: مهمّة الدّيوان هي متابعة شؤون الكنائس والمعابد للدّيانات الإيزيديّة والصّابئة المندائيّة من الجوانب القانونيّة والعقاريّة والصّيانة، والاهتمام بالمناهج المدرسيّة للتّأكّد من توافقها مع القيم الدّينيّة والوطنيّة، لكنّه معطَّل بسبب الميزانيّة البسيطة المخصّصة له، ومماطلة مستديمة لجهات تنفيذيّة في عرقلة الموضوع.

كلّ هذه العوامل الّتي تُعَدّ تهديدًا، وأحيانًا اضطهادًا، تؤثّر على وجودهم التّاريخيّ والحضاريّ، وجعلت طريق المسيحيّين مع الأقلّيّات الأخرى يسوده القلق والضّبابيّة والخشية من المستقبل، خصوصًا أمام صمت المسؤولين، بالرّغم من أنّ ولاءهم كان دومًا للوطن، ودفعوا الثّمن باهظًا".