الرّوح (القلب) قبل الشّريعة: "يحِلُّ عمل الخير في السّبت"
وفي هذا السّياق، كتب ساكو بحسب إعلام البطريركيّة: "نحن أمام نصٍّ إنجيليٍّ تعليميّ catechism مُهِمٌ، يَعرضه لنا لوقا (14/ 1-6) في الأحد الأوّل من زمن الصّيف، وهو شفاء مريض في السّبت، ومرقس (7/ 1-8) في الأحد الرّابع عن ممارسة طقسيّة، "غسل الأيدي قبل الطّعام… وعدم التزام تلاميذ يسوع بهذه الممارسات القانونيّة تجعل اليهود يشكّكون في جودة التّعليم الّذي يقدّمه.
تعليم يسوع مختلف تمامًا
يختلف أسلوب يسوع في التّعليم عن أسلوب حاخامات اليهود. ردًّا على الفرّيسيّين الّذين وبَّخوا تلاميذه على عدم احترامهم لفريضة السّبت وغسل أيديهم قبل تناول الطّعام، يعطي يسوع، المعنى الحقيقيّ للشّريعة. الإنسان قبل الشّريعة والرّوح- القلب قبل الحرف.فالطّهارة والنّجاسة ليسا في الشّكل، إنّما في الجوهر، في النّيّة. يسوع يريدنا أن نكون بشرًا لا روبوتات، أيّ أن نعي المعنى الحقيقيّ لهذه الوصايا لتغذّي علاقتنا، ونشعر براحة الضّمير: "فهو الَّذي مَكَّننا أَن نَكونَ خَدَمَ عَهْدٍ جَديد، عَهْدِ الرُّوح، لا عَهْدِ الحَرْف، لأَنَّ الحَرْفَ يُميتُ والرُّوحَ يُحْيي"(2قورنثية 3/ 6).قيمتنا في وعيِّنا، وهو ما يميّزنا كبشر:أيّ التّفكير والتّحليل والاختيار السّليم.هذه الخطوات سوف تجعلنا أكثر إشراقًا وغنى وتماسكًا بجوهر ذاتنا.
لقد طبَّق اليهود بوسواس وبحرفيّة نصوصًا من الشّريعة مقتبسة من العهد القديم مع ترديد بعض صلوات التّسبيح. كان من المفترض أن تكون بمثابة دليل روحيّ لبَني إسرائيل في ظروف حياتهم الإيمانيّة، وليس ممارسات ينفّذونها بطاعة عمياء من دون تفكير ولا مُساءلة.
لا يدين يسوع الوصايا الّتي تَمسَّك بها الفرّيسيّون اليهود بشدّة، لكنّه يستغلّ انتقاداتهم للكشف عن المعنى الحقيقيّ لهذه الممارسات، وتوسيع نطاقها بشكل كبير في المجال الرّوحيّ. وكسر يسوع بجوابه المدَويّ الصّور النّمطيّة المعتادة: "يحِلُّ عمل الخير في السّبت"(مرقس 3/ 4).هذه الجملة البسيطة في ظاهرها يجب أن تقلب في داخلنا مفهومًا كاملًا للشّريعة، وتساعدنا على أن نحذوا حذوى يسوع، في حمل جدّة الإنجيل وبشرى محبّة الله إلى الجميع.
إلى جانب نظافة اليدين، الّتي تحفظ الجسد من كلّ القذارة الّتي قد تعرّض حياة المرء للخطر، يركّز يسوع على طهارة القلب، الّتي هي شرط الحياة الرّوحيّة الأساسيّ، والّتي يجب الحفاظ عليها من الانحرافات. هذه الطّهارة، إذا ما اختبرها المؤمن، ستمنح له القوّة في وجدانه لتطبيق وصيّة الله:محبّة الله والقريب كنفسه.
هبة المحبّة الثّمينة هذه والصّلاة الدّائمة إلى الله، تساعدان المرء في حماية طهارة القلب، وتحصّنانه من كلّ ما يلوّث القلب البشريّ، ويُدنّس كلّ ما يصدر منه.
تحذير لعصرنا
في العالم الّذي نعيش فيه، حيث تُروّج وسائل الإعلام مشاهد وكلمات، تضلّل الوعي وتتنصَّل عن المسؤوليّة الأخلاقيّة، ينبغي أن تكون لكلمات يسوع صدىً قويًّا في حياتنا.
من المؤسف أنّه يوجد في الكنيسة اليوم أشخاص لهم نفس العقليّة، يظنّون أنّ إرادة الله هي في المحافظة الدّقيقة على التّقاليد والطّقوس والنُّظم، وكأنّها مبادئ أبديّة، وممارسات ثابتة، غير مستوعبين مواقف يسوع ونداءاته الشّجاعة إلى إعادة التّفكير في كلّ هذه التّقاليد والمفاهيم على ضوء متغيّرات المكان والزّمان والثّقافة، حتّى يتمكّن الإنجيل من تحريك الطّاقات ليعيش كلّ إنسان كامل إنسانيّته وبنوّته الإلهيّة."