أخبارنا
24 شباط 2015, 18:30

البابا يلتقي كهنة روما: المواعظ ليست للاستعراض

نورسات الأردن -

 

إن الاحتفال بالقداس يعني "الدخول في الغموض وجعل الآخرين يدخلونه"، هذا ما قاله البابا فرانسيس خلال اللقاء الذي يعقده تقليدياً مع كهنة أبرشية روما في بداية الصوم الكبير. لقد كان اجتماعاً مغلقاً تم تخصيصه لفن الاحتفال، وخصوصاً الموعظة. الموعظة لحظة مركزية في الاحتفال ويجب ألا تكون "معقّدة" أو بمثابة "عرض". يجب أن ترتكز إلى الحياة، والصلاة وعلى قدرة الكهنة على التوحد مع "أهل الرب" إلى درجة البكاء معهم.

هذا ما قاله عدد من الكهنة وهم يغادرون القاعة التي عقد فيها اللقاء. وخلال ساعتي اللقاء مع البابا، منح الكهنة وقتاً كافياً لكي يسألوا أسئلتهم، بعضها كان جاهزاً مسبقاً وبعضها كان ارتجالياً حسب طلب البابا فرانسيس. وقد تجاوب البابا بصراحة كما يفعل دوماً وتعامل مع القضايا المختلفة، مثل الكهنة الذين يتركون الكهنة بسبب الزواج، وهجرة المؤمنين والمخاطر بالسماح لغير المستقرين عقلياً بالانخراط في مدارس الكهنة، وهي مخاطرة يجب تجنبها.

بعد الخطاب الترحيبي للنائب الأسقفي العام لروما، أغوستينو فاليني، قام البابا "بالبدء باللقاء من خلال الإشارة إلى خطاب ألقاه أمام "مجمع العبادة الإلهية ونظام الأسرار المقدسة" في الأول من آذار عام 2005 حول موضوع فن الاحتفال"، حسبما قال المكتب الإعلامي لقداسة البابا. وقد تم تسليم النص لمن حضروا اللقاء وأعادت نشره صحيفة لوزرفاتوري رومانو في المساء. وقد اعترف البابا أن النص سابقاً جلب النقد من الكاردينال الألماني يواكيم مايزنر "حتى أن الكاردينال راتزينغر وقتها أخبرني أن هنالك عنصراً مهماً من فن الاحتفال مفقود وهو الشعور بالذات أمام الرب: وكان محقاً أنني لم أتحدث عن ذلك".

وقد مزج البابا بين موضوعين في مقدمته: الوعظ ("الوعظ تحدٍ لجميع الكهنة") وفن الاحتفال، الذي يهدف إلى "استعادة الجمال المدهش" و"الخشوع الذي يحس به المرء عندما يواجه الرب". "إنه إحساس جاذب يقودك إلى التأمل". بهذا المعنى، "أن نحتفل يعني أن ندخل في الغموض وأن ندع الآخرين يدخلونه: إنه بتلك البساطة". ثم قارن البابا بين الصلاة والاحتفال: "عندما نقابل الرب في الصلاة، نشعر بهذا الخشوع. عندما نصلي برسمية أو مع الشكليات، لا نشعر به". وبالمثل، يتضمن فن الاحتفال "الصلاة أمام الرب مع المجموعة، ولكن كما تعتاد أن تصلي بشكل طبيعي". وعلى العكس، "عندما يحتفل الكهنة بطريقة معقّدة ومصطنعة ويسيئون استخدام الإشارات، فليس من السهل استلهام الخشوع". لذا، "إذا كنتُ قاسياً، فإنني لا أدع الآخرين يدخلون الغموض" و"إذا كنت رجلاً استعراضياً، أي الشخصية الأساسية في الاحتفال، فإنني لا أدع الآخرين يدخلون إلى الغموض". كما ذكر البابا فرانسيس مثالين متناقضين: والد كاهن مسرور لأنه وأصدقاءه وجدوا كنيسة "حيث يتم الاحتفال بالقداس دون موعظة" وابنة أخ البابا التي تشتكي لأنها بدلاً من الموعظة كان عليها أن تستمع إلى "محاضرة من أربعين دقيقة حول الخلاصة اللاهوتية للقديس توما".

الكاهن يحفز المؤمن عندما يعيش هو نفسه علاقة مع الرب من خلال الصلاة والتأمل. وبالمثل، فإن فن الاحتفال ليس "فن الإصلاح"، ولكنه يقدّم للمؤمن تجربة الكاهن. ولتوضيح ذلك فإن الموعظة لها قيمة طقسية فعلية، لكنها أيضاً تعتمد على ما يدخله إليها الكاهن. كما أوضح البابا أنها ليست، كما اعتقد لوثر، مجرد عمل يُعمل (عندما يتم نقل البركة كنتيجة مباشرة للفعل الذي تم اتخاذه)، ولا هي مجرد بيئة مناسبة (عندما تقوم الحالة الذهنية للشخص المحتفل بتحديد نقل البركة، ولكنها مزيج قليل من الأمرين. وذكر البابا فرانسيس مثال الكهنة الذين يبدأون التحضير لموعظة الأحد يوم الاثنين حتى يجعلوها "تنضج" داخلهم. كما أوصى بكتابين للوعظ، أحدهما لدومنيكو غراسو والثاني لأوغو راهنر. وذكر باختصار "دليل المواعظ" الذي نشر مؤخراً، مستدعياً الحاجة إلى تدريب رعوي طقسي، لأهل الرب وللكهنة وللإكليريكيين وأشار أيضاً إلى السلطة التعليمية للباباوات حول المواعظ خلال القداس.

بعد الخطاب الافتتاحي للبابا، استمر اللقاء بجلسة أسئلة وأجوبة أجاب فيها البابا على أسئلة الكهنة. وبعد الأسئلة الخمسة أو الستة الأولى، شجع البابا الكهنة على طرح أسئلة عفوية، حيث قام سبعة أو ثمانية منهم بتلبية هذا الطلب. وقد لامست الأسئلة قضايا متنوعة. إن دعوة الأمس للمسيحيين كي "ينادوا" من أجل ألا يكونوا منافقين تكررت اليوم. فقد شدد البابا على أهمية أن يقوم الكهنة "بمناداة ناس الرب" بالتواصل مع المجتمعات الموكولة إليهم. كما تم التطرق إلى موضوع تدريب الكهنة. ومردداً ما قاله خلال لقاء مع إكليريكية "ليونينو دي أناغني"، أكد البابا أنه نظراً لندرة المهن، يجب أن يكون الأساقفة حذرين بحيث لا يسمحوا بالدخول إلى الإكليريكية لأشخاص يرغبون في الانضمام لكي يتستروا على عدم استقرارهم العقلي. وقد أكد البابا فرانسيس أن الموعظة الجيدة يمكنها أن تجعل حتى أكثر المؤمنين تشتتاً أو أولئك الذين يحضرون القداس في المناسبات أو عندما تكون هنالك جنازة أو زواج، يشعرون بانغمارهم بكلمة الرب بدلاً من البقاء خارج الكنيسة يدخنون السجائر. أحد الكهنة سأل البابا لماذا وصف الموعظة في إحدى المرات بأنها "فعل عدالة"، فأجاب البابا مقتبساً القديس بولص. حيث شرح أن الموعظة تبرئنا من الإثم، أو بالأحرى تجعلنا عادلين، وصالحين، لأنه في لحظة دخول نعمة الرب فينا، تدخل فينا كلمته. وأوضح البابا أنه خلال الاحتفال، فإن الرب يحتفل في داخلنا، فهو "مذبح الناس".

وسأل الأب جيوفاني تشيريتي، وهو كاهن ولاهوتي، سؤالاً حول الكهنة الذين يعفون من واجباتهم إثر زواجهم، ثم يطلبون إعادتهم إلى الكهنوت. فقال البابا أنه لا يوجد حل سهل لهذه المشكلة؛ مضيفاً أن مجمع الكهنة يدركها وأن هذا سؤال مهم موجه إلى الكنيسة. وقال كاهن آخر أن القداس يحضره الآن أناس من ثقافات عديدة مختلفة ومن مختلف الخلفيات، صينيون، مغاربة، وأشخاص تحولوا من الإسلام. وسأل البابا ماذا يجب أن يكون موقف الكاهن في هذه الحالة. فقال البابا أنه لا يملك حلولاً جاهزة، ولكنه يعتقد أن الكاهن يجب "أن يدخل التاريخ"، "يغمر نفسه في التاريخ" ويبحث عن الحلول في الروح القدس.

 

(فاتيكان إنسايدر – لا ستامبا - ترجمة: مروان الحسيني)