الفاتيكان
08 تشرين الأول 2025, 13:20

البابا: كلّ ألم، إن سكنتهُ المحبّة، يمكن أن يصير مكانًا للشّركة والحياة

تيلي لوميار/ نورسات
عن تواضع يسوع المرافق لقيامة يسوع، كان محور المقابلة العامّة اليوم الّتي ألقى خلالها البابا لاون الرّابع عشر تعليمه في ساحة القدّيس بطرس، تحت عنوان: "إضرام القلب من جديد".

وقال البابا في تفصيل تعليمه بحسب "فاتيكان نيوز": "أودّ اليوم أن أدعوكم إلى أن تتأمّلوا في جانب مدهش في قيامة المسيح من بين الأموات: تواضعه. إن فكّرنا من جديد في الرّوايات الإنجيليّة، نلاحظ أنّ الرّبّ القائم من بين الأموات لم يَقُمْ بطريقة استعراضيّة ليفرض نفسه على إيمان تلاميذه. ولم يظهر محاطًا بكوكبة من الملائكة، ولم يَقُمْ بأعمال مدوّية، ولم يُلقِ خطابًا مجلجلًا يكشف فيه عن أسرار الكون. بل عكس ذلك كلّه، اقترب من تلميذَيْ عمواس بتكتُّم، مثل مسافر عاديّ، وإنسان جائع يطلب أن يتقاسم معهما قطعة خبز (راجع لوقا 24، 15. 41).

ظنّت مريم المجدليّة أنّه البُستانيّ (راجع يوحنّا 20، 15). واعتقد تلميذا عمواس أنّه غريبٌ (راجع لوقا 24، 18). وظنّ بطرس وسائر الصّيّادين أنّه عابرُ طريق (راجع يوحنّا 21، 4). وكلّنا نتوقّع نتائج خاصّة، وعلامات قوّة، وبراهين ساطعة. لكن الرّبّ يسوع لا يبحث عن هذا، بل يفضّل لغة القرب، والحياة العاديّة، والمائدة المشتركة.

أيّها الإخوة والأخوات، أمامنا رسالة كبيرة: قيامة المسيح من بين الأموات لم تكن مشهدًا مسرحيًّا صاخبًا، بل كانت تحوّلًا صامتًا يعطي معنًى لكلّ عمل بشريّ. المسيح القائم من بين الأموات أكل قطعة من السّمك أمام تلاميذه: هذا ليس تفصيلًا ثانويًّا، بل هو تأكيدٌ على أنّ جسدنا وتاريخنا وعلاقاتنا ليست قشورًا تُرمى. إنّما هي هادفة إلى ملء الحياة. القيامة من بين الأموات لا تعني أن نصير أرواحًا تذوب في الفضاء، بل أن ندخل في وَحدة وشركة عميقة مع الله ومع الإخوة، في إنسانيّة بدّلتها المحبّة.

في فصح المسيح، كلّ شيء يمكن أن يصير نعمة. حتّى أبسط الأمور: الأكل، والعمل، والانتظار، والاهتمام بالبيت، ومساندة صديق. قيامة المسيح من بين الأموات لا تنتزع الحياة من الزّمن والتّعب، بل تغيّر معناها و"طعمها". فكلّ عمل يتمّ في الشّكر والوَحدة والشّركة يسبق مجيء ملكوت الله.

ومع ذلك، هناك عائق يمنعنا مرارًا من أن نعترف بحضور المسيح في حياتنا اليوميّة: الادّعاء بأنّ الفرح يجب أن يكون خاليًا من الجِراح. فتلميذا عمواس كانا يسيران حزينَين لأنّهما كانا يرجوان نهاية أخرى، ومسيحًا لا يعرف الصّليب. وعلى الرّغم من أنّهما سمعا أنّ القبر كان فارغًا، إلّا أنّهما لم يستطيعا أن يبتسما. لكن يسوع اقترب منهما، وبصبر علّمهما أنّ الألم ليس نقضًا للوعد، بل هو الطّريق الّذي فيه بيَّن الله مدى حبّه (راجع لوقا 24، 13-27).

وعندما جَلس أخيرًا تلميذا عمواس على المائدة مع يسوع وكسر الخبز وناولهما، انفتحت أعينهما. وأدركا أنّ قلبهما كان مُتَّقدًا أصلًا، وإن لم يعرفا ذلك (راجع لوقا 24، 28-32). هذه هي المُفاجأة الكبرى: أن نكتشف أنّ تحت رماد خيبة الأمل والتّعب توجد جمرة حيّة ومُشتعلة، تنتظر فقط أن تشتعل من جديد.

أيّها الإخوة والأخوات، قيامة المسيح من بين الأموات تعلّمنا أنّه لا يوجد تاريخ مليء بالفشل أو بالخطيئة ولا يزوره الرّجاء. ولا يوجد سقوط نهائيّ، ولا ليلٌ أبديّ، ولا يوجد جرح يظلّ مفتوحًا إلى الأبد. مهما شعرنا بأنّنا بعيدون أو ضائعون أو غير مستحقّين، لا توجد مسافة يمكنها أن تُطفئ قوّة محبّة الله الّتي لا تُخَيِّب.

أحيانًا نفكّر في أنّ الرّبّ يسوع يزورنا فقط في لحظات الخُلوة أو الاندفاع الرّوحيّ، عندما نشعرُ بأنّنا أهل لذلك، وعندما تبدو حياتنا مُنظّمة ومُضيئة. لكن يسوع المسيح القائم من بين الأموات يقترب منّا بالتّحديد في الأماكن المُظلمة كثيرًا: في فشلنا، وفي علاقاتنا المتهالكة، وفي تعبنا اليوميّ الّذي يُثقل كواهلنا، وفي شكوكنا الّتي تُحبطنا. لا شيء فينا، ولا أيّ جزء من حياتنا غريب عنه.

اليوم، الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات يقف بجانب كلّ واحدٍ منّا، ونحن على طُرق الحياة– طُرق العمل والالتزام، وأيضًا طُرق الألم والوِحدة– وبلطف لا متناهٍ يطلب منّا أن نتركه يضرم قلبنا. لا يفرض نفسه بصخب، ولا يطلب أن نَعترف به مباشرة. بل ينتظر بصبر اللّحظة الّتي تنفتح فيها أعيننا لنلمح وجهه الوَدود، القادر على أن يحوّل خيبة الأمل إلى انتظارٍ واثق، والحزن إلى شُكر، والاستسلام إلى رجاء.

الرّبّ القائم من بين الأموات يرغب فقط في أن يُظهر حضوره، وأن يصير رفيق دربنا، وأن يُضرم فينا الحقيقة بأنّ حياته أقوى من كلِّ موت. لنطلب إذًا النّعمة لنعترف بحضوره المتواضع واللّطيف، وألّا نطلب حياة بلا مِحَن، وأن نكتشف أنّ كلّ ألم، إن سكنتهُ المحبّة، يمكن أن يصير مكانًا للشّركة والحياة.

وهكذا، مثل تلميذَي عِمواس، لِنَعُد نحن أيضًا إلى بيوتنا بقلب مُتَّقد بالفرح. فرح بسيط، لا يمحو الجِراح بل يُنيرها. فرح يولد من يقيننا بأنّ الرّبّ يسوع حيّ، ويسير معنا، ويُعطينا في كلّ لحظة الإمكانيّة لنبدأ من جديد."