ثقافة ومجتمع
01 تشرين الأول 2015, 21:00

أحمد الصراف: شكرا،ً لن نرحل !

(البروفيسور الأب يوسف مونس) كتب السيد الصراف مقالا في القبس قبل عام، لم أطلع عليه إلا مؤخرا، بعنوان "أخرجوا ايها المسيحيون من اوطاننا". وبصفتي الكهنوتية والأدبية والعلمية، رأيت أن من واجبي التعقيب عليه بهذا الكلمات التي أتمنى أن تجد طريقها لقلوب عقول القراء.اعرف يا سيدي محبتك للبنان ولاهله، وأنك تزوره دوما، واسمح لي أن أشكرك على مواقفك الإيجابية، ولما تكنه من احترام لمسيحي الشرق، مزامير الحب والاحترام، في عالمنا العربي المضروب بوباء التعصب والكراهية والرجعية والتكفير والارهاب والاصوليات والتوحش الاخلاقي.

إن عالمنا، يا سيدي منهار وهارب من امام هواء الحرية والعقل والنقد الفكري والتاريخي. عالم مسرطن. فغالبية فتاويه لا تسعى الا الى عالم الشبق، وليس الى تنوير الفكر الديني والانساني واللاهوتي والجمال وعصرنة النص المقدس، ومواكبة الوضع البشري في حركتيه التاريخية والجغرافية وارتباطه ببيئته، وليس الوقوف فقط عند فكر يثرثر وهو ليس بفقهي ولا بلاهوتي بل يمركز فقط الى ما تحت الخصر وليس إلى عين الإنسان وقلبه وعقله وعلاقة المحبة بالآخر.
هنا، يا عزيزي أحمد، وفي هذا المشرق الجميل سنبقى. سنبقى في باب توما وكنيسة الشام. وسنبقى في دمشق مع يوحنا الدمشقي وسيدة الصوفانية وافرام السرياني والاخطل الكبير. هنا في معلولا ويبرود وصيدنايا وحلب سنبقى مع جرمانوس فرحات. هنا في القامشلي والجزيرة وقرقوش مع يعقوب السروجي ويعقوب النصيبيني واسحق السرياني، ولن نخرج من اور وكلده وبابل ونينوى. وكيف نخرج من الموصل ونينوى واربيل وبابل ونحن من كنائس المشرق الكلدانية والاشورية والنسطورية والاربوسية والسريانية؟ كتبنا المقدسة مليئة بذكرى اور وكلده وبابل ونينوى.
كيف نترك الكوفة ونجران واوائل المدائن المسيحية ونساكها؟ لن نترك اوغاريت ويبرود وافاميا ومار سمعان وحلب.
كيف نترك اوغاريت وقصائد الخلق والبدايات وعظمة المدائن في افاميا؟ لن ننسى معرة النعمان.
ولن ننسى أن "مار مارون" كان ينسك في العراء وحوله تلاميذه في منطقة براد وافاميا. هنا كان سمعان العاموي وديره الكبير وروعة طقوس العماد فيه.
كيف نترك الشام وكنيستها التي صارت اليوم الجامع العمري او كنائس العذراء على الشاطىء السوري؟ هل ننسى باب توما ومار بولس وحننيا؟ العجائب الكثيرة في دير العذراء في صيدنايا فلمن نتركها؟ وكيف نترك معلولا والجبل المنشّق، ونترك "تقلااولى القديسات الى عالم الخلاص؟ لن نخرج من النيل والصعيد والقاهرة والاسكندرية، فهنا كان كيرللس وانطونيوس وغبوميرس ومكاريوس وبشاره وسليم تقلا وجريدة الاهرام وجرجي زيدان، وكل الكنائس الممتدة على كل الشاطىء الافريقي، فهناك كان اغوسطينوس وترتليانوس وسيبريانوس وسواهم من الاباء مجد المسيحية الاولى. وكيف ننسى الحبشة التي التجأ عند ملكها المسيحي المضطهدين من أوائل المسلمين؟ كيف نخرج من الموصل ونينوى وبغداد ونحن نور المشرق وكنيسته الكلدانية واجدادنا هم هنا، وابراهيم ابونا كان هنا وكتبنا المقدسة مليئة بذكر اوروسلده الارض التي تعبق برائحة التراب المقدسة؟ هنا كان اداي وماري هنا كتبنا مزامير التسبيح واناشيد التمجيد لله؟ كيف سنترك ارض مريم المباركة المصطفاة، وقد كرس لها القرآن سورتين عظيمتين؟ كيف نترك لبنان وبعلبك وزحلة؟ ففي سهلها أعطى الاله باخوس من خمر دوالينا ودلالة جوبتر اقام له هيكل الشمس عندنا والهة الجمال فينوس مات لاجلها ادونيس وقامت على تلالنا عذراء الجمال في رميش ومغدوشة وحريصا والبقاع والحصن والشنبوق والنهر الكبير، ومارك اوريل وزينون، والبيان من بيروت ومدرستها، والغزاوى والجامعة اليسوعية والجامعة الاميركية والكسليك والبلمند والجامعة اللبنانية والجامعة العربية .
سنبقى هنا نتقاسم معكم لقمة العيش وسحر الكلمة التي هي الله ومشوار الحضارة والاخوة والعيش المشترك ووليمة الحب ونور الانفتاح وجمال التراحم ونبل التسامح وكرم الاخلاق والعفو. نحن الاصل هنا في مصر والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان وليبيا والمغرب والاردن وتونس والجزيرة واليمن.لن نندم على حبنا لكم، ولن نحقد على كرهكم وذبحكم لنا وحرق كتبنا، وسنعيد بناء كنائسنا واديرتنا ومعابدنا، وهي مفتوحة لكم مع قلوبنا، فربنا واحد.