دينيّة
10 آب 2016, 12:44

من وضع نفسه رُفع

ريتا كرم
في إنجيل اليوم، دعوة إلى "التّواضع" هذه الصّفة الّتي بات يخفت وهجها أمام عجرفة الإنسان وتمسّكه بكبرياء لا ينتهي؛ فيركض دائماً- في كلّ المناسبات- ليسرق الأضواء ويختار المقاعد الأولى فيراه الجميع. ولكن أوَلم يقل الرّبّ يسوع: "من وضع نفسه رُفع"؟

 

يقول النّصّ: "وضرب للمدعوّين مثلاً، وقد رأى كيف يتخيّرون المقاعد الأولى، قال لهم: "إذا دُعيتَ إلى عرس، فلا تجلس في المقعد الأوّل، فلربّما دُعي من هو أكرم منك، فيأتي الّذي دعاك ودعاه فيقول لك: أخلِ الموضع لهذا. فتقوم خجلاً وتتّخذ الموضع الأخير ولكن إذا دُعيتَ فامضِ إلى المقعد الأخير، واجلس فيه، حتّى إذا جاء الّذي دعاك، قال لك: قم إلى فوق، يا أخي. فيعظم شأنك في نظر جميع جلساتك على الطّعام. فمن رفع نفسه وُضع، ومن وضع نفسه رُفع." " (لو 14/ 7-11)

وكم كثيرة هي تلك الحالات الشّبيهة الّتي نصادفها في مجتمعاتنا: ففي الكنيسة ترى الوجهاء يتقدّمون الجموع ليتمركزوا في المقعد الأوّل ليس عطشاً لكلمة الله أو حاجة إلى سماعها أوضح، وإنّما لإثبات وجودهم، فيُشار إليهم بالأصابع. وفي كلّ المناسبات، تراهم يبحثون عن الشّهرة بخاصّة إن علا شأنهم، فيتلذّذون بطعمها ويسكرون من كأسها، فلا يعودوا يتنبّهون إلى من حولهم؛ فعن أيّ تواضع نتكلّم؟

لنأخذ مريم العذراء الّتي وضعت نفسها فرفعها الله إلى أسمى منزلة في السّماء وعلى الأرض، ويسوع عندما تجسّد على هذه الأرض، عَبَر باب التّواضع "فأخلى نفسه ووضعها في سرّ التّجسّد مع أنّه كان صورة الله وشبيهاً له، فأخذ صورة عبد وصار في شَبَه النّاس فوُجد في الشّكل مثل الإنسان." (فيلبي 2/ 6-7)، وفضلاً عن ذلك هو الّذي ما خطئ يوماً، طلب المعموديّة فنالها على يد يوحنّا المعمدان، خدم بتواضعه تلاميذه فغسل أرجلهم. بهذا التّواضع نفسه حطّم المسافات بينه وبين الإنسان فقرّبه منه وعلّمه كيف يرتفع إلى الملكوت وإلى القداسة؛ فماذا لو سارعنا إلى المقعد الأوّل في القداسة مرتقين سلّم الفضائل الّتي يتقدّمها التّواضع؟