دينيّة
25 كانون الثاني 2012, 22:00

مركز القدّيس يوسف الدمشقيّ لترميم وحفظ المخطوطات

(الأب الحارث إبراهيم - مدير المركز) يفرز دير سيّدة البلمند البطريركيّ مبنىً خاصًّا يقوم عليه مركز القدّيس يوسف الدمشقيّ، وهو مركزٌ متخصِّصٌ بترميمٍ على مستوىً رفيع للمتهالك من المخطوطات وبنكٌ للتراث يَحفَظُ صُوَرًا رَقَميّة لمخطوطات ومحفوظات من كنوز التراث الأنطاكيّ الغنيّ بأفضل الوسائل العالميّة الحديثة.


لمّا كان التراث الأنطاكيّ بوفرته محفوظًا في مخطوطات ومحفوظات لدى الأديار والكنائس والأبرشيّات، وفي بعض الأحيان لدى مؤمنين وصلت إلى أيديهم أجزاء منه بالشراء أو بالوراثة، وحيث أنَّ حفظها يتطلّب ظروفًا مؤاتية من الرطوبة والحرارة تقيها عوامل التلف والإهتراء، ولا تتوافر تقنيات الحفظ هذه لدى كلِّ مَن بحوزته بعضُ هذا التراث، ونظرًا لأهمّيّة هذه المخطوطات والمحفوظات في كشف تراث آبائنا الحقيقيّ، كان لا بُدّ من الإسراع إلى تصوير هذه المخطوطات بأفضل تقنيات العلم الحديث، أي التصوير الرقميّ، لحفظ صورةٍ عنها، خوفًا على ضياعها أولاً بسبب العوامل الطبيعيّة وبسبب الإهمال أو حتّى السرقة، وثانيًا لتقديم صورة عنها للباحثين والدارسين ليكشفوا ما ترويه بمضمونها ولغتها وخطّها وطريقة جمعها وحياكتها والحواشي المكتوبة عليها ذات الصبغة التاريخيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة.
من هذا المنطلق باشر الدير، بالتعاون مع جامعة البلمند، بتصوير مخطوطاته بالشراكة مع جامعة القديس يوحنّا في مينوسوتاالولايات المتّحدة الأميركيّة منذ العام 2003، ليتمّ حفظ الصُوَر على أقراص مدمجة في الجامعة والدير وعلى شبكة حديثة مع نسخٍ احتياطي في الولايات المتّحدة الأميركيّة. ومع الوقت صارت خزانة الأقراص تكبر وبَدَت علامات قِصَر عمرها تلوح، ما يعني بداية ضياع الجهود المُضْنِيَة.
حفاظًا على تراثنا العزيز أُنشئ مركز القدّيس يوسف الدمشقيّ في الدير ليقوم بترميم المتهالك من مجموعته ويحفظ على شبكة رقميّة عالية الجودة، وقابلة للنموّ، الصور الرقميّة أولاً لمخطوطات ومحفوظات دير سيّدة البلمند البطريركيّ، وثانيًا ما أمكنه من الصور الرقميّة لمخطوطات ومحفوظات الكرسيّ الأنطاكي المقدّس، سواء المتوافرة حاليًا ضمن نطاق الكرسيّ جغرافيًّا أو الموزَّعة في متاحف ومكتبات العالم، ليجمع كلّ تراث أنطاكية بأيّ لغة كان. وقد بدأ العمل به في خريف العام 2010، وينسّق عمله مع مركز ترميم المخطوطات القائم في الدار البطريركية في دمشق.
للمركز خمسة مهام أساسيّة: الأولى حفظ المخطوطات في بيئة ملائمة تمنع عنها عوامل التلف بعد تنظيفها وتعقيمها، الثانية تصوير المخطوطات تصويرًا رقميًّا وتحرير الصور، الثالثة، تخزين الصور في بنك التراث، الرابعة كتابة وتحديث الفهرس الإلكتروني للمخطوطات لوضعه في متناول الباحثين، الخامسة تصنيع الورق بالطريقة الشرقيّة القديمة لمعالجة وترميم المتهالك من المخطوطات. ويتمّ تزويد قسم الآثار في جامعة البلمند بهذا النوع من الورق الخالي من الأحماض إذ يُستَعمَل في حفظ القطع الأثرية المستكشفة حديثًا.
يقوم المركز حاليًّا باستقبال أي مجموعة من المخطوطات، فيبادر إلى تنظيفها من الغبار والتراب والعثّ ثم تعقيمها وتطهيرها من كلّ حشرة آكلة لها، قَبْلَ وَضْعِهَا على آلة التصوير الرقميّ العالية الجودة. تخضع الصورة التي تعطيها الكاميرا لعمليّة تحرير فتُعطى لكلّ صورة أربعة حروف تشير إلى الخزانة التي يأتي منها المخطوط (مثل Bala للبلمند و lian لمار اليان في حمص) يليها رقم المخطوط في خزانته ثم رقم الورقة التي تمّ تصويرها، فإذا كانت الصورة لصفحتين يُوضَع على كلّ صورة رقم الورقة الأولى مع رمز ظهر، للإشارة إلى ظهرها إلى جانب رقم الورقة التالية لها مع رمز وجه. هكذا تصير الصورة حاملة لهويّة المخطوط الذي تأتي منه ولرقم الورقة التي يطالعها القارئ أو الباحث، فلا تعود إمكانيّة ضياعها وعدم معرفة أصلها واردة.
يضمّ المركز اليوم صور مخطوطات خزانة دير سيّدة البلمند البطريركيّ ونحو 28 مجموعة أخرى لأديرة ورعايا وأشخاص. يصل عدد المخطوطات المصوَّرة إلى 1762 مخطوطة ويبلغ عدد الصور أربعة ملايين وأربعمائة وواحد وخمسي ألف وتسعماية وستة وعشرين صورة (926, 451, 4)، دخل معظمها على البنك الرقميّ. باستكمال الإدخال الكامل وحلّ إشكالات بعضها التي بانت أثناء المراجعة عليها حين إدخالها، يصير عمل نسخ منها لتُحفَظ في أماكن بعيدة عن البلمند وأنطاكية تحسبًّا لأي طارئ غير متوَقَّع (الفكرة في عمل ستّة نسخ، واحدة في بيروت والثانية في دمشق والثالثة في اليونان والرابعة في موسكو والخامسة في أميركا في الأبرشيّة الأنطاكية والسادسة لدى جامعة القدّيس يوحنّا في مينوسوتاالولايات المتّحدة الأميركيّة).
يسعى المركز إلى الظهور على الشبكة العنكبوتيّة العالميّة مع صفحة دير سيّدة البلمند التي يجري إعداد نسختها المطوَّرة حاليًا. وقد أعدَّ المركز فهرسًا إلكترونيًّا لفهرس مخطوطات دير سيّدة البلمند المطبوع يضمّ جملة من المعلومات التي تهمّ الدارسين، ويمكنهم البحث عنها عبر الشبكة (بعض المعلومات: اسم الكتاب، موضوعه، مؤلّفه، ناسخه، مكان وتاريخ نسخه). ويستكمل الفهرس الإلكتروني لبقيّة المجموعات التي لديه.
وختامًا يسعى المركز إلى تعميم الوعي على هذا التراث المحفوظ في المخطوطات والمحفوظات، ويطلب من كلّ القيّمين على الكنيسة تقديم ما لديهم لفهرسته، إنْ لم يكن قد تمّ ذلك، وخاصَّةً في القرى وعند المؤمنين، وذلك إمّا في الدار البطريركيّة للأبرشيات التي في سوريا وإمّا في البلمند للأبرشيات التي في لبنان.