دينيّة
14 شباط 2017, 06:30

قديسو اليوم: 14 شباط 2017

تذكار الشهيد والنتينوس الكاهن (بحسب الكنيسة المارونية)أصل هذا القديس من روما، قد اشتهر بغزارة علومه وفضائله الكهنوتية وشديد غيرته على خلاص النفوس.

 

فقبض عليه الملك كلوديوس الثاني وطرحه في السجن مقيداً بالسلاسل. ثم أخذ يتملَّقه ويلاطفه ليترك الايمان المسيحي ويعبد الاصنام وقال له: "لم لا تكون صديقاً لنا فنرفع منزلتك، بدلاً من ان تكون عدوّاً فنسخط عليك؟" فأجاب بكل جرأة:" لو كنت تعلم، ايها الملك، انَّ الله الذي خلق السماء والارض هو اله واحد، يجب على كل خليقة ان تحبه، لكنت تسعد انت ومملكتك ايضاً". فسأله احد القضاة الحاضرين: "ماذا تقول في المشتري والمرّيخ؟" فأجاب:"تلك تماثيل صنع ايدي البشر. وانها، حسب اعتقادكم آلهة شهوات وملاذ بدنية لا خير منها يرجى". فصاح القاضي:"لقد جدّف على الآلهة والحكومة!" فأمر الوالي ان يتسلَّمه القاضي استيريوس ليعاقبه على تجديفه. فأخذه هذا الى بيته. وكانت ابنته قد فقدت بصرها منذ سنتين. فقدمها ابوها الى والنتينوس الكاهن، راجياً ان يشفيها، فصلَّى القديس عليها رافعاً عينيه الى السماء قائلاً:"يا سيدي يسوع المسيح، يا نور العالم، أنر أمتك هذه". وللحال انفتحت عيناها وأبصرت النور! عندئذ آمن استيريوس هو وامرأته فعلّمهم الحقائق الايمانية وعمّدهم جميعاً. فعرف الملك بذلك فقبض على استيريوس وأهل بيته وأنزل بهم أشد العذابات حتى أماتهم ففازوا باكليل الشهادة. أمّا والنتينوس فطرحه في السجن مدة طويلة وبعدها ضربوه بعصي جافية حتى تكسرت اعضاؤه وتفجَّرت دماؤه وهو صابر يشكر الله على نعمة الاستشهاد التي نالها بقطع الرأس سنة 268. صلاته معنا. آمين.

 

سكستوس بابا رومية (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

ويدعى أيضاً كسطس. ولد في روما من أسرة شريفة تدعى إيلفيديا وارتقى إلى السدّة البطرسية سنة 116. في عهده ظهرت بدعة الغنوصيين والباسيليين وحارب أصحابهما وحرمهم من الشركة الكنسية. وبعمله هذا حافظ على الإيمان الصحيح. رقد بالرب سنة 125.

 

القديس البار أفكسنديوس السوري (بحسب الكنيسة الأرثوذكسيّة)

كتب سيرة القديس البار أفكسنديوس أحد المتوحدين من رهبان ديره. هذا في أغلب الظن. وهو يدعوه "أبي". سوزومينوس والعديد من المؤرخين كتبوا عنه بإكبار. أصل القديس أفكسنديوس فارسي. ولد في مكان ما من البلاد السورية لا نعرفه. ويبدو أن أباه عبدا هَجَر فارس إثر هجمة الملك شابرو على المسيحيين وكان برفقة أحد أبناء عمه أو ربما أحد أشقائه. 
هذا الأخير استقر في القسطنطينية، ضابطا في الحرس الملكي. أما بعدها فاستقر في سورية وتزوج وأنجب أفكسنديوس. نشأ أفكسنديوس على محبة الفضيلة والعلوم. فلما بلغ الأشدّ خرج إلى القسطنطينية في زمن الأمبراطور ثيودوسيوس الصغير (401-450م) آملا في لقاء عمه هناك. لكن عمه (أو ابن عم أبيه) كان قد مات. وإذ رغب في الإنضمام إلى العسكرية التحق بفرقة الحرس الملكية الرابعة لما تمتّع به من مزايا. وقد لاحظه الأمبراطور وأحبّه. هذا ما شهد به سوزومينوس المؤرخ. وقد ورد انه كان متين البنية، قوي الشكيمة، صلب التركيب، تقيا، مقبلا على زملائه، غيورا لهم، حميد الأخلاق، فهيما، عليما بما هو عالمي وكنسي معا، مهذبا، وديعا. سيرة أفكسنديوس، حتى في العالم، كانت، وفق الشهادات، بلا شائبة حتى منّ الله عليه بموهبة صنع العجائب. وقد حرص على الالتصاق بذوي التقى. من الذين تردّد عليهم بتواتر متوحّد، وقيل عمودي، اسمه يوحنا في ضاحية من ضواحي القسطنطينية. 
ومن رفاقه مرقيانوس وأنثيموس. هذا الأخير كان رجلا عجيبا وكان ينظم الأناشيد الكنسية ويُمضي وأفكسنديوس الأيام في الصوم  والصلاة والسهر. وإذ زاد التفات الناس إلى أفكسنديوس لفرادته وأزعجته مدائحهم قرّر الخروج من العالم. أعتزل قديسنا في جبل أوكسيا في بيثنيا، على بعد حوالي خمسة عشر كيلومترا عن خلقيدونية. لبس شعر الماعز والتحف السماء وكان يعتلي، لصلاته، صخرة ويرفع ذراعيه وعينيه إلى فوق بحرية ورحابة صدر. وما إن مضى شهر على خروجه حتى التقاه بعض الرعيان. كانوا أحداثا وقد أضاعوا قطعانهم. وإذ عاينوه أرعبتهم هيأته لأنهم ظنوه شبحا أو شبه ضارية وفرّوا منه. لكنه ناداهم وهدّأ من روعهم وأشار إلى المكان الذي يجدون فيه قطعانهم. فلما نزلوا من هناك أطلعوا ذويهم على ما كان من أمر أفكسنديوس معهم فخرجوا إليه تبركا. ولما التقوه تأثروا وسألوه أن يصعد إلى قمة الجبل ويصلي لهم. وقد بنوا له هناك قلاية صغيرة لها شباك صغير يطل منه على نور الشمس وعلى قاصديه. ذاع صيت القديس بقرب خلقيدونية وقصده الناس من كل صوب يرومون بركته والتأدّب بكلمة الله من فمه، فما كان بنعم الله عليهم بخيلا. وعجائب جمّة جرت على يديه هناك. 
من ذلك أن سيّدة جليلة القدر من نيقوميذية أتته قائلة:" ارأف بي يا خادم العليّ؟". فأجابها:"ما أنا سوى خاطىء، ولكن إن كنتِ بيسوع المسيح مؤمنة وقد شفى المولود من بطن امه أعمى، فله أيضا ان يرد لك البصر. فلنصلّ معا عساه يستجيب لنا". فشرع الحاضرون، وكانوا وفرة، يُصلون. ثم دعا العمياء إلى شبّاكه ولمس عينيها قائلا لها:"ليشفِكِ النور الحقيقي، يسوع المسيح!". فانفتحت عيناها وأبصرت للحال بجلاء. كذلك جاء إلى أفكسنديوس العديد من الذين فيهم أرواح خبيثة فأبرأهم، باسم يسوع، أجمعين. وإن أبرصين قدما إليه فقال لهما: لقد كان لكما البرص عقابا على ما اقترفته أيديكما. فتوبا عمّا فعلتما ولا تُغضبا الله بعد اليوم لئلا يصيبكما أشر. ولما قال هذا طلب من الحاضرين أن يصلوا معه لأجلهما. فبعدما صلّوا دهنهما بزيت أخذه من القنديل المشتعل أمام رفات القديسين لديه فطهرا. أحد المستهترين، بعدما سمع عن قديس الله، اخذ يشيع أن أفكسنديوس محتال دجّال، يوهم الناس أن بهم شياطين ثم يدّعي إخراجها منهم خداعا لهم. 
وإذ حدث أن اصطحبه أحد رفاقه إلى القديس ممن كانوا متعلقين به، أعرض رجل الله عن الشكّاك الهتّاك لأنه عرف بروحه أن قلبه غير نقي. وإذ همّ الإثنان بالعودة وصل أحد خدّام الرجل المستهتر وكان ممزق الثوب وأخبره أن مصيبة حلت ببيته. فاستعلمه واجفا عما حدث فقال ابنتك استبد بها روح خبيث وهو يعذّبها جدا. فنزل الخبر عليه كالصاعقة وأدرك للحال ضلال نفسه وبات يضرب أخماسا بأسداس. فأخذه صاحبه إلى قديس الله الذي وبّخه على استخفافه بعمل الله وافتراءه على الأقداس. وبعدما وعظه أوعز إليه بالتردّد على الكنيسة، هو وابنته، بتواتر، ثم صلى فشفيت الابنة من تلك الساعة. في تلك الأيام التأم المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونية (451م) وأدان أفتيشيس الذي قيل أنه نادى بطبيعة واحدة للمسيح المتجسّد بعد الطبيعتين قبل التجسّد. واعتُبر موقفه خلطا بالطبيعتين في المسيح. كما ذُكر انه أنكر أن تكون انسانية المسيح من نفس طبيعتنا البشرية. وإذ رغب الأمبراطور مرقيانوس والآباء في حشد الدعم لقرارات المجمع اهتموا بنيل بركة آباء البرّية في ذلك الزمان. ولما كان أفكسنديوس أحد الشيوخ الروحيين البارزين في زمانه فقد وصلت إليه بعثة من رهبان وإكليريكيين لاستطلاع قوله وأخذ بركته في الشأن العقائدي المطروح. 
لكن رجل الله صدّ البعثة بحجّة انه ليس للرهبان أن يعلّموا بل للأساقفة. موضوع أفتيشيس وهرطقته لم يكن عارفا به أصلا. فعاد الملك وأرسل سفارة مزودة بجند وتعليمات أن يأتوا به قسرا إذا امتنع. فلما قدموا إليه أبى ان يفتح لهم فحاولوا اقتحام المكان ولكن عبثا لان الباب العادي جدا بدا أحصن من أن يتمكنوا من معالجته. فلما رأى القديس شدّة ضيق المقبلين عليه رأف بهم وتلفظ ثلاثا بالبركة الإلهية قائلا: تبارك الله! فانفتح الباب دونما عناء. وإذ بان لهم  القديس بهيئته وهيبته اختشوا. رأوا جسده مجرّحا والقيح والصديد يخرج من الجراح. كان أوهن من أن يمتطي صهوة جواد فجعلوه على عربة تجرّها ثيران. لكن أبت أن تتحرك إلا بعدما رسم عليها إشارة الصليب. في الطريق أخرج أفكسنديوس الشياطين من العديدين الذين التقوه. وإذ تداعى الزارعون يبكون لفراقه طرد الأرواح الخبيثة من بهائمهم. كذلك تبعه الفقراء الذين كان يعيلهم من أموال خيّرين وأكّد لهم انه باق معهم بالروح ولو فارقهم بالجسد. عومل القديس في رحلته معاملة السجين، لكن شيئا لم يمنعه من شفاء المرضى وطرد الشياطين من الذين دنوا منه. أخيرا دخل على مرقيانس قيصر في قصر أبدومون بقرب القسطنطينية فتأثر الملك لرؤيته وعلائم التقشّف والنسك عليه. فلما حادثه وبان له أنه ليس على ما جرى مطلعا بعث به إلى الكنيسة العظمى لمواجهة البطريرك القسطنطيني الذي تلا عليه ما أقرّه الآباء فاستصوبه وبارك لأنه في خط المجمع النيقاوي ولا بدعة فيه. وقد ورد انه صار كاهنا إثر ذلك ولم يعد إلى جبل أوكسيا بل تحوّل إلى جبل سيوبي القريب من خلقيدونية. 
وهذا هو الجبل الذي عرف فيما بعد باسم القديس وشعّت منه فضائله وعجائبه. مما كان أفكسنديوس يدعو إليه، في تلك الحقبة، الاقلاع عن العمل يومين في الأسبوع، الجمعة والأحد. الجمعة إكراما لآلام الرب يسوع، وهذا تجدر تمضيته في الصوم والصلاة. والأحد إكراما لقيامة الرب يسوع، وهذا يوافق قضاؤه في الفرح المقدس والاشتراك في القدسات. وكما هاجمت الأرواح الخبيثة قديسنا في منسكه الأول هاجمته في منسكه الأخير. انقضّت عليه بعنف، بأشكال وأصوات رهيبة مرعبة عساها تنال من رباطة جأشه وشدّة اتكاله على الرب يسوع فلم تُفلح. وقد اعتاد استقبال زائريه برحابة ولطافة كبيرين، صغارا وكبارا، أغنياء وفقراء، أبرارا وخطأة. محبة يسوع كانت فيه واسعه، وكانوا يأتون إليه من كل صوب. كان يحب الصلاة والجموع والقراءة عليها. 
وقد وضع العديد من الأناشيد ولقّنها إياها. من كلمات أناشيده ما يلي: "المساكين يباركونك، ربي، في فقرهم: المجد لك، أيها الآب السماوي. المجد لابنك. المجد للروح القدس المتكلّم بالأنبياء. بالسماويين نتّحد لنمدحك على الأرض كما هم في السماء مرتلين: قدوس، قدوس، قدوس الرب إلهنا. السماوات والأرض مملوءة من مجدك . يا مبدع الكون! قلت فكانت، شئت فخُلقت. شريعة أعطيتنا فلا تتغيّر. نشكرك يا مخلصنا على كل شيء. أيها الرب، إله كل فضيلة، تألمت لأجلنا وقمت وأريت نفسك لتلاميذك. إلى السماء صعدت ومن هناك تعود لتدين العالم. ارأف بنا وخلصنا. نسجد لديك خاضعين لك بالكامل في شقاءنا وأتعابنا. نلتمس رحمتك، يا من هو مخلصنا، فإنك أنت بالحقيقة إله المقبلين إلى صلاحك بقلب تائب. يا من هو جالس على الشاروبيم وقد شقّ السماوات ارأف بخلائقك وقُدهم إلى الخلاص. ليفرح بك الأبرار، يا رب، وليشفعوا بنا لدى عظمتك الإلهية. أيها الرب يسوع، إله القديسين، لك الكرامة والمجد". 
وإلى أناشيده كانت له مواعظ مؤثّرة فأخذ طلاّب حياة التوحّد يفدون إليه ويسألونه الإنضواء تحت لوائه. 
مرة، في عمق الليل، فيما كان يتلو صلاة السحر، والذين كانوا خارج قلايته يُصلّون أيضا، فتح النافذة وصرخ ثلاثا: "تبارك الله". ثم طأطأ رأسه وأعلن متنهدا:" يا أولادي، لقد انطفأ نور الشرق العظيم. سمعان، أبونا، رقد لتوّه!" فلما وصل الخبر بعد أيام تبيّن أن رقاد القديس سمعان العمودي الكبير كان في الساعة التي أعلن عنها أفكسنديوس تلك الليلة. 
كذلك رغبت النساء بحياة الوحدة في عهدة رجل الله، ومنهن الفتريا وكوزمي وقد وضع لهن قواعد خاصة وألبسهن لباسا خاصا. وقد ازداد عدد النساء المنضمّات إلى جماعته حتى بلغن الستين. وقد جرى بناء دير لهن في أسفل الجبل. يشار إلى ان قديسنا كان، خلال فترة تأسيس هذا الدير، يقيم لهن القداس الالهي وكن يقبلن عليه ليسمعن مواعظه. كما خرج في أيامه الأخيرة من قلايته لزيارتهن والصلاة عليهن. بعد ذلك بثلاثة أيام مرض ورقد في الرابع عشر من شباط من سنة لا نعرفها بالتحديد . 
ويبدو أن وفاته كانت بين سنة وفاة القديس سمعان العمودي في 459م وسنة وفاة لاون الأمبراطور في 474م. مؤرخة يذكر أنه صار أرشمندريتا مما يدل على كونه أنشأ ديرا رجليا نشأ، ربما، حول مغارته. ويظهر أن رهبانا استمروا هناك ثلاثمائة عام. والعديد من الآباء الأبرار البارزين نسكوا في مغارته كمثل استفانوس الصغير وسرجيوس تلميذ القديس أفكسنديوس. من معين هذا الأخير، فيما يبدو، استمدد كاتب سيرة قديسنا بعض ما ورد فيها.

 

تذكار أبينا البار أفكسنديوس (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد أفكسنديوس في بلاد سوريا، لكن أباه كان من فارس. ونشأ الولد على الفضيلة والأخلاق الرضيّة، وبرع في العلوم، ونال رتبة قائد في الحرس الروماني، على عهد الملك ثاوذوسيوس الصغير.

لكن علومه العالية ورتبه العسكرية لم تُضعف شيئاً من إيمانه ومن عبادته. فكان رجل الواجب نحو الله أولاً، ملك الملوك الأكبر، ثم نحو الملك الأرضي الجالس على عرش القسطنطنية.

وتوثقت عرى الصداقة بينه وبين انثيمس كاهن كنيسة القدّيسة إريني في العاصمة، وكان أنثيمس رجلاً تقيّاً قدّيساً ضليعاً من العلوم الروحيّة، فحمل مثله الصالح القائد أفكسنديوس على الزهد في الدنيا وترك الجيش والذهاب الى القفر، ليتفرّغ كما يشاء قلبه الكبير للصوم والصلاة ومناجاة الخالق ليل نهار. إنّ الكثيرين من قوّاد الجيوش، في كل العصور ولاسيّما في ايامنا الحاضرة، بعد أن خبروا الدنيا وعاشوا في ضوضائها، آثروا عليها حياة الهدوء والسكينة في الديورة والمناسك.

ولم يمضِ عليه في تلك الخلوة زمن قليل حتى فاح عرف فضائله، فبدأ سيل الزوار لا ينقطع عنه. وكثرت عجائبه، فصاروا يحملون إليه المرضى من عميان وبرص ومقعدين ومعتوهين. فكان يرسم عليهم إشارة الصليب أو يدهنهم بزيت مقدّس فيشفيهم. وأتته أميرة عمياء من أميرات نيكوميذيّة تطلب الشفاء، فباركها وقال: الربّ يسوع الذي هو النور الحقيقي يقتح عينيك. فابصرت.

وسنة 451 رغب الحبر الأعظم البابا لاون الكبير الى الملك مركيانس أن يدعو أساقفة المسكونة الى مجمع  عام، لأجل فحص ودحض تعليم أوطيخا زعيم الهراطقة الذين كانوا يقولون بطبيعة واحدة في المسيح. فاجتمع  الآباء في خلقيذونية، وكان عددهم ست مئة وثلاثين أسقفاً. فنبذوا تلك الهراطقة وأعادوا السلام الى الكنيسة.

ولمّا كان أفكسنديوس قد اشتهر بقداسته، أرسل إليه الملك مركيانس كهنةً ورهباناً لكي يأتوا به الى المجمع. فامتنع عليهم واعتصم في صومعته، تواضعاً منه وحياء. أخيراً أصغى برضى الى إلحاحهم وفتح الباب لهم. فلمّا دخلوا عليه وجدوه رجلاً هزيلاً قد أنحله الصوم المتواصل وأقعدته الاسهار الطويلة. فحملوه في عربةٍ وساروا. فكان سفره نهراً دافقاً من العجائب يسير معه كيفما إتّجه. فخرجت الجماهير لإستقباله والتبرّك منه.

وحلّ يوماً في طريقه ضيفاً على احد الأديرة، في ضواحي خلقيذونية، فتراكضت الجماهير إليه تقبّل يديه ورجليه. فلمّا رأى رئيس الدير ذلك أمر أن تُترك الأبواب كلّها مفتوحة ولا يُمنع أحد من الدخول، حتى ينال الجميع بركة هذا الناسك القدّيس.

فلمّا رآه الإمبراطور سُرّ به وقال له: لقد أزعجناك وأتينا بك لتنظر في أعمال المجمع وتوافق عليها. فتنهّد أفكسنديوس وقال: " ومن أنا حتى أدعى الى شرف اثيل كهذا؟ إنّني كلب ميّت. فكيف تضعني في مصف معلّمي الكنيسة؟ أنا أحقر خروف في قطيع يسوع المسيح، وأحوج الناس الى أخذ العلم عن هؤلاء الآباء القدّيسين". لكن الملك ألحّ في ذلك. فأخذ أعمال المجمع ودقّق فيها وثبّتها بحذافيرها، معترفاً بأنّ المسيح هو ابن الله، ضد آريوس، وإنّ مريم العذراء هي أم الله، ضد نسطوريوس، وأنّ في المسيح طبيعتين متميّزتين، إالهية وإنسانية، ضد أوطيخا.

ثم عاد الى خلوته. فبنى له منسكاً على رأس الجبل، ولم يدع له سوى نافذةٍ كان يطلّ منها على المئات من الزوّار، ويرشدهم في طريق الخلاص، ويشفي مرضاهم. وكان على الأخص يحّذّرهم من الذهاب الى المشاهد، لأنّها تدنّس النفس والجسم معاً. وكان يوصيهم بأن يقدّسوا للربّ يوم الأحد  ويوم الجمعة، ليفرحوا في الأول بقيامة المسيح ويجلسوا على مائدة القربان،ويؤاسوا المخلّص يوم الجمعة بالتأمّل في آلامه ومشاركته في أحزانه.

فكان لكلامه أثر بعيد في النفوس. وكثيرون من زوّاره هجروا الدنيا، وذهبوا يعبدون الله في الديورة. وأتاه جمهور من النسوة الشريفات، يبغين لبس الثوب الرهباني على يده والإسترشاد بنصائحه. فقبلهنّ ونظّم لهنّ قانوناً، وأنشأ لهنّ ديراً يبعد ساعةً عن صومعته ومنحه الله أيضاً روح النبوءة. وفي إحدى لياليه، فيما كان يصلّي صلاة السحر، والزائرون ساجدون خُشعاً حول صومعته، رأى نفس القدّيس سمعان العمودي تصعد الى السماء. فأنبأ بذلك بعد الصلاة من كانوا حوله. وكان القول صحيحاً.

ورقد بالربّ بعد شيخوخةٍ صالحة، سنة 470، ودُفن في دير الراهبات اللواتي كنّ قد تتلمذن له.

 

نياحة البابا الكسندروس 43 (بحسب الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة)

في مثل هذا اليوم من سنة 715 م. تنيح الأب القديس ألكسندروس الثاني بابا الإسكندرية الثالث والأربعين. كان هذا القديس من أهل بنا. وترهب بدير الباتيرون أي دير الآباء. وهو الذي كان معروفًا بدير الزجاج الكائن غرب الإسكندرية. ونظرا لتقواه وعلمه اختير لكرسي البطريركية. وقد نالته في مدة رئاسته شدائد كثيرة. وكان معاصرا للخليفة الوليد بن عبد الملك الذي لما تولي الخلافة عين أخاه عبد الله واليا علي مصر سنة 698 م. فأساء عبد الله معاملة المسيحيين. وصادر رهبان برية شيهيت وبلغ به شره انه دخل يوما ديرا قبلي مصر حيث ابصر أيقونة العذراء مريم والدة الإله. ولما سال عنها وقيل له إنها صورة العذراء مريم أم المسيح مخلص العالم. بصق  علي الصورة قائلا: إن عشت فسأبيد النصارى ثم جدف علي السيد المسيح أيضا. فلما صار الليل رأى في نومه ما أزعجه وادخل الرجفة إلى قلبه ، فكتب يخبر أخاه قائلا إنني تألمت البارحة إذ رأبت رجلا جالسا علي منبر عظيم ووجهه يشرق اكثر من الشمس ، وحوله ربوات حاملين سلاحا ، وكنت انا وأنت مربوطين ومطروحين خلفه فلما سالت من هذا؟ قيل لي هذا يسوع المسيح ملك النصارى الذي هزات به بالأمس. ثم أتاني واحد من حاملي السلاح فطعنني بحربة في جنبي. فحزن أخوه جدا من تلك الرؤيا. أما عبد الله هذا فانه أصيب بحمي شديدة ومات في تلك الليلة. وبعد أربعين يوما مات أخوه الوليد أيضا.

وفي سنة 701 م. تولي أخر مكانه وحذا حذوه فأساء إلى المسيحيين وقبض علي القديس ألكسندروس وظل يعذبه إلى إن جمع له من المؤمنين ثلاثة آلاف دينار فأهلكه الله سريعا. وقام بعده وال آخر اشر منه فقبض وزيره علي الأب البطريرك وطلب منه ثلاثة آلاف دينار. فاعتذر إليه الأب قائلا إن المال الذي قدمه لسلفه، جمع بعضه من المؤمنين والبعض الآخر استدانه فلم يقبل الوالي منه هذا القول وأخيرا طلب الأب منه مهلة فأمهله، فمضي إلى الصعيد لجمعها من صدقات المؤمنين وفي أثناء تجوله حدث إن راهبا سائحا أمر اثنين من تلاميذه الرهبان بحفر مغارة وفيما كانا يحفران وجدا خمسة أكواب من نحاس مملوءة ذهبا. فاحتفظا بواحد منها واعطبا السائح الأربعة. فأرسلها هذا إلى الأب البطريرك ، أما التلميذان فأخذا الذهب ومضيا إلى العالم وتركا الرهبنة وتزوجا واقتنيا الجواري والعبيد والمواشي. وعلم بهما الوالي فاستدعاهما إليه وهددهما فاخبراه بأمر الخمسة الأكواب وإن أربعة منها أخذها الأب البطريرك ، فأسرع توا إلى الدار البطريركية ونهب ما وجده من أواني الكنائس ثم قبض علي الأب البطريرك أهانه وأودعه السجن. وطالبه بالأكواب وبالثلاثة آلاف دينار ولم يطلقه حتى دفعها.

وبعد ذلك بقليل مات هذا الوالي وقام بعده وال آخر اشر منه إذ انه كلف المؤمنين إن يرسموا علي أيديهم عوض علامة الصليب المجيد. اسم الوحش الذي تنبأ عنه يوحنا الثاؤلوغوس أمر إن يكون هذا في سائر البلاد. وطلب من الأب البطريرك إن يرسم هو أيضا علي يده هذه العلامة فأبى، وإذ أصر رجاه الأب إن يمهله ثلاثة أيام ثم مضي إلى قلايته وسال الرب يسوع إن لا يتخلي عنه حتى لا يقع في هذه التجربة. فسمع الرب صلاته وافتقده بمرض بسيط فذهب واستأذن الوالي في الذهاب إلى الإسكندرية فلم يسمح له، ظنا منه انه إنما يتمارض ليعفي من الوشم. وبعد ذلك ألهمه الرب انه بعد أربعة أيام يتنيح فابلغ ذلك إلى تلاميذه وطلب منهم أعداد مركبة لحمل جسده ودفنه جوار أجساد الآباء القديسين. ثم تنيح بسلام فحملوا جسده ونقلوه كما طلب.

وفي زمن هذا الأب كان للملكية بمصر بطريرك يسمي أنسطاسيوس وقد أثار عليه غضب شعبه لمسالمته للأرثوذكسيين ومحبته لهم ، فتركهم وجاء إلى البابا ألكسندروس واعترف أمامه بالإيمان الأرثوذكسي فأكرمه البابا ألكسندروس إكراما كثيرا وأراد إن يسلم إليه شئون البطريركية وينفرد هو للعبادة في أحد الأديرة ، فأبى الأب أنسطاسيوس وقال له لو كنت ارغب في البطريركية لبقيت هناك فقد كنت بطريركا ولكني أريد إن اكون لك تلميذا. وأخيرا قبل إن يتسلم إحدى الاسقفيات فرعي الرعية التي أؤتمن عليها احسن رعاية. وقد أقام الأب ألكسندروس علي الكرسي البطريركي 24 سنة و9 اشهر. صلاته تكون معنا آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: نياحة البابا ثيؤدوروس 45 

في مثل هذا اليوم من سنة 728 م. تنيح الأب القديس ثاؤذورس بابا الإسكندرية الخامس والأربعون وكان هذا الأب راهبا بدير عند مريوط يعرف بدير طنبورة تحت إرشاد وتدبير شيخ فاضل قديس يدعي يوأنس. وقد أوحى إليه من الروح القدس إن تلميذه تادرس سيصير يوما ما بطريركا. فاخبر من يهمهم الأمر ومن يلوذون به بهذا. وكان تادرس مجاهدا في عبادته كاملا في إتضاعه ووداعته. فاختير بإرادة الله للبطريركية فرعي رعية السيد المسيح افضل رعاية. وكان مداوما علي القراءة ووعظ شعبه في اغلب الأيام خصوصا أيام الآحاد والأعياد. واكمل علي الكرسي المرقسي اثنتي عشرة سنة وتنيح بسلام. صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديا آمين..