دينيّة
11 تشرين الثاني 2016, 06:40

قديسو اليوم: 11 تشرين الثاني 2016

تذكار القديس مينا المصري الشهيد(بحسب الكنيسة المارونية)ولد مينا في الاسكندرية في اواسط القرن الثالث. ولما شبَّ انخرط في سلك الجندية في فرقة نيرميليانوس. وكان مشهوراً بصفاته الممتازة، محافظاً على ايمانه بالمسيح، وما لبث ان آثر التجند له دون سواه من ملوك الارض فنزع ثوب الجندية وانفرد في البرية، مكباً على الصوم والسهر والصلاة، قهراً لاميال الجسد، سنين طويلة، حتى صار من كبار النساك في تلك الايام.

 

ولما ثارت زوبعة الاضطهاد، ترك مينا وحدته، وجاء يضحِّي بنفسه على مذبح الاستشهاد، مثالاً مشجعاً لاخوته بالمسيح. فوقف امام بيروس الوالي، مجاهراً بايمانه، غير مبال بالعذاب والموت. فتهيَّب الوالي شجاعته واخذ يلاطفه ويحاول مراراً إقناعه بان يُقلع عن عناده ويعدَّ له مستقبلاً زاهراً، وإلاَّ فالعذاب والموت. فلم يبال القديس بوعدٍ او وعيد وصرخ قائلاً:" ان حياتي هي للمسيح ربي وكل سعادتي ومجدي به وحده".

فتميَّز الوالي غيظاً وامر بجلده جلداً قاسياً، فمزَّقوا جسده باظفار من حديد وأحرقوه بالنار، وهو صابر يشكر الله فتقدم بعض الاعيان من اصدقائه يرجونه بأن يُشفق على شبابه وينجو من الموت، فقال:" إنَّ العذاب لي راحة وبالموت حياتي". عندئذٍ امر الوالي فضُرب عنقه وتكلل رأسه بالشهادة سنة 303.صلاته معنا. آمين.   

 

مينا ورفقاؤه الشهداء (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

كان مينا مسيحياً من اشراف أثينا وذو خبرة سياسية، أرسله الملك مكسميانس والياً على مصر لإصلاح الخلافات القائمة بين السكان، وكان يحاول حماية المسيحيين من الظلم والتعدي. لما عرف الملك بذلك استاء منه وعزله عن الولاية وعيّن ارموجانوس مكانه وأمره بأن يشدّد على مينا لكي يضحي للأوثان ، فأخذ ارموجانوس يحاول بشتى الطرق وأنواع الأساليب لإرجاع مينا الى الديانة الوثنية ولكنه لم يفلح في ذلك وكان مينا يقول: "إن الأصنام ليست سوى آلهة صمّاء". فأمر ارموجانوس بقطع لسان مينا وقلع عينيه ثم ألقاه في السجن وفيه رمق من الحياة... ولكن ضمير ارموجانوس أحسّ بأنه قد أذنب الى مينا وأن هذا الأخير لم يكن مذنباً في شيء بل كان أميناً وشريفاً في خدمة ملكه ووطنه، فندم ارموجانوس على ما فعل.

وقصد أنه سيكفّر عن ذلك بإقامة دفنة مهيبة لمينا وفي الغد أرسل جنوده الى السجن ليقوموا بهذا الواجب فوجدوا مينا سالماً، فآمن ارموجانوس واعتمد. فاستشاط الملك مكسيميانوس غضباً وجاء الى الإسكندرية ومعهافقرافس المسيحي مقيداً بالسلاسل وكان هذا أحد كتبة ديوانه، وإذ رأى أن لا مجال لعودتهما الى ديانتهما الوثنية أمر بتعذيبهما وتحملا ذلك صابرين ومعها افقرافس ثم أمر الملك فضُربت أعناق الثلاثة ونالوا إكليل الشهادة نحو سنة 307.

 

القديس الشهيد ميناس المصري (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

ولد القدّيس ميناس المصري في أواسط القرن الثالث للميلاد، واستشهد في أيام الإمبراطور مكسيميانوس (296-304 م). شغف بالعسكرية منذ حداثته، فلما اشتد عوده انخرط فيها. وقد كان قوي البنية، مغواراً، رجل انضباط. عرف المسيح فبات، إلى ذلك، حكيماً زاهداً.

وفي ذلك الزمان جمع القائد الروماني فرميليانوس فرقاً شتى من العسكر تمهيداً لنقلها إلى أفريقيا الشمالية، وقد زوّدها بتوجيهات من ضمنها أن على الجنود أن يحذروا المسيحيين ويلقوا القبض على الذين لا ينصاعون منهم لأحكام القيصر. وكان ميناس نازلاً، يومذاك، فرقة في فيرجيا، في آسيا الصغرى. فما أن طرقت أذنيه أوامر القيادة العسكرية العليا حتى أصيب بصدمة وشعر بالحنق والقرف فقام وخلع سيره وألقاه أرضاً وفرّ إلى الجبال لأنه اعتبر مسكنة الضواري خيراً من مساكنة عبدة الأوثان وهؤلاء أكثر بهيمية من أولئك.

أقام ميناس في الجبال ردحاً من الزمان ناسكاً عابداً. وقد ساعدته تنشئته العسكرية على ضبط أمياله ومحاربة أهوائه إلى أن بات قوياً في الروح، ثابتاً، راسخاً مستعداً للمهمات الصعبة. ساعتئذ جاءه إعلان إلهي أنه قد حان أوان الرضى وآن أوان الاستشهاد. فقام ونزل على المدينة، قيما كان الوثنيون يحتفلون. ثم دخل بينهم وهتف:"ألا اعلموا يا قوم أنه ليس هناك غير إله واحد حقيقي: المسيح، والذين تعبدونهم ليسوا سوى قطع من الخشب الأصم لا حسّ فيها!".  فكان لكلماته في نفوس الناس وقع الصاعقة. وحالما استعادوا رشدهم انقضّوا عليه وأشبعوه ضرباً ولكماً، ثم أسلموه إلى حاكم المدينة، فانتهزها فرصة يسلي فيها الجوع بتعاذيب شاهد آخر للمسيح.

عمد الحاكم، بادئ ذي بدء، إلى الاستعلام: "من هذا الوقح وما مكانته؟!" فأجاب ميناس بكل جرأة وقال: "أنا من مصر واسمي ميناس. كنت ضابطاً في الجيش. ولكن لما رأيت عبادتكم للأصنام رددت كراماتكم وجئت اليوم أعلن بينكم أن المسيح هو الإله الحي الحقيقي وحده...". فأمسك الحاكم نفسه بعضاً وحاول، بالتهديد والوعيد، ثم بالاستمالة والوعود، أن يزحزحه عن موقفه فأخفق. إذ ذاك أسلمه للمعذّبين فجلدوه بوحشية وفركوا جراحه بقطعة شعرية خشنة. ثم سلخوه وأحرقوا جنبيه بالمشاعل، وبعدما تفننوا في تعذيبه قطعوا هامته وأضرموا النار في بقاياه ليمحوا أثره. ولكن، تمكّن مؤمنون من استخراج بعض عظامه. وقد جرى نقلها، فيما بعد، إلى الاسكندرية.

وفي التراث أن ظهورات القدّيس ميناس وعجائبه لا تعد ولا تحصى، وقد عرفه المؤمنون معيناً لهم في الشدائد والضيقات ومؤدباً للكفرة والمنافقين. والصورة التي اعتاد الناس رؤيته عليها هي صورة فارس   
على جواد.

ملاحظة: تعيّد له الكنيسة المارونية و كذا الكنيسة اللاتينية في هذا اليوم ايضاً

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس اسطفانوس الدوشاني، ملك الصرب

أعماه والده الملك ملاطين إثر وشاية أنه متآمر عليه. نفي إلى القسطنطينية وبقي في دير الضابط الكل خمس سنوات: ظن أنه لن يحتمل شظف الحياة النسكية فيها. غير أن ما حدث كان بتدبير من الله إذا نما اسطفانوس في النعمة والقامة وتجلت حكمة الله فيه. كان وديعاً تقياً صبوراً، فاق الكثيرين من الرهبان، أترابه، وذاع صيته في كل القسطنطينية حتى قيل أن الإمبراطور يوحنا كانتاكوزينوس كان يستشيره في شؤون عديدة، من بينها كيف ينبغي السلوك في قضية الخلاف المستمر بين القديس غريغوريوس بالاماسوبرلعام الكالابري. ويقال أن القديس نيقولاوس أعاد إليه البصر كما كان قد وعده بعد عماه بخمس سنوات. أما رقاده فكان رقاد الشهداء إذ قضى غرقاً بيد ابنه.

ملاحظة: تذكره الكنيستان الروسية والصربية .

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : أبينا البار ثيودوروس الستوديتي المعترف

ولد القديس ثيودوروس في القسطنطينية في العام 759م، في حضن الارستقراطية. وقد امتاز زمانه بحرب كان وطيسها يخف حيناً ويشتد أحياناً على الإيقونات ومكرميها والمدافعين عنها. يذكر أن هذه الحرب كانت قد اندلعت في العام 726. واستمرت، بصورة متقطعة، إلى العام 842 للميلاد حيت تم وضع حد نهائي لها. كانت ولادة ثيودوروس في زمن الإمبراطور قسطنطين الخامس كوبرنيموس لأب يدعى فوتين كان حافظاً للخزانة الملكية ووزيراً للمالية ولأم تدعى ثيوكتيستي كانت تقية متمسكة بالإيمان الأرثوذكسي وحياة الفضيلة. ويبدو أن حميّة ثيودوروس النسكية وحبّه للصلاة كانتا من فضل أمه بعد ربّه عليه.

تلقى ثيودوروس نصيباً ممتازاً من العلوم الدينية والدنيوية المعروفة في زمانه. وكان لخاله القدّيس أفلاطونالذي تحتفل الكنيسة بذكراه في الرابع من شهر نيسان، الدور الأبرز في بلورة أمياله الرهبانية والتزامه الحياة الملائكية. والحق أن تأثير القدّيس أفلاطون تخطى ثيودوروس ليشمل كافة أفراد الأسرة: الأب والأم والإخوة والأخوات وحتى بعض الأصدقاء الذين اقتبلوا الحياة الرهبانية بصورة جماعية. وقام فوتين، الأب، إلى أرزاقه فباعها إلا عقاراً في جبل الأوليمبوس في بيثينيا ووزع أثمانها على الفقراء. يذكر أن جبل الأوليمبوس كان موئل الرهبان الأول في آسيا الصغرى، لا بل في الإمبراطورية كلها، قبل ازدهار الجبل المقدس المسمى آثوس. وكان هذا العقار يتضمن بعض الأبنية التي يمكن تحويلها إلى أجنحة لدير مشترك. وهذا ما حدث بالفعل بحكمة القديس أفلاطون ومشورته. وكان اسم المكان "ساكوذيون".

أقبل ثيودوروس على الحياة الرهبانية بهمّة ونشاط فسلك في الطاعة وقطع المشيئة وكشف الفكر. ورغم صحته الرقيقة وعلمه الغزير، كان يشترك في الأشغال البيتية واليدوية كأي راهب آخر: ينقل الماء والحطب ويفلح الأرض وينهض في الليل، سراً، لينقل الزبل على كتفيه. وقد صعد بسرعة سلم التواضع لأنه سلك في امحاء ولم يعتبر كرامته أو حتى نفسه عزيزة لديه. كان ممتداً صوب ربه وصوب إخوته. وإذ قرن ذكر الله بذكر الموت منّ عليه ربّه في وقت قصير بموهبة الدموع. ويبدو أن دموعه كانت من الغزارة بحيث أنه من تلك الساعة فصاعداً لم يمرّ عليه يوم إلا ذرف فيه الدمع مدراراً.

أوكل إليه خاله، القديس أفلاطون، بمهمة بناء كنيسة الدير فجاءت مثار إعجاب الجميع. الجدية في كل أمر كانت عنوان سعيه. كان يحب أن يخلد إلى ربه وحيداً في الكنيسة لساعات طويلة أثناء الليل. وكان صارماً في نسكه وأصوامه دون مبالغات تضر بصحته وتوهن عزيمته على حفظ الصلاة.

سيم ثيودوروس كاهناً وهو في الثامنة والعشرين، فأضحى لذلك أكثر قسوة على نفسه مما كان، لا يرقد سوى ساعة واحدة في الليل ويقضي بقية وقته في الصلاة والتأمل في ما كتبه الآباء القديسون: القديس باسيليوس، القديس دوروثاوس الغزواي، القديس نيلس السينائي، القديس يوحنا السلمي وغيرهم وغيرهم. وقد كانت له مساهمة فعالة في التنبيه وإصلاح ما أعوج من ممارسات رهبانية في جبل الأوليمبوس باتت مألوفة، كأن يحمل بعض الرهبان ما لهم من متاع إلى الدير وأن يكون لهم خدام وأن يهتموا بإقامة المزارع وتربية الدواجن. وإن حرص القديس ثيودوروس ودقته وأمانته هو ما حدا بالقديس أفلاطون إلى  أن يعرض على ابن أخته رئاسة الدير مكانه بعدما زاد عدد رهبانه وصار مئة. فأبى ثيودوروس تواضعاً، إلى أن اضطر أخيراً للرضوخ للأمر الواقع بعدما أصيب خاله بمرض.

وكما كان ثيودوروس رجل المواجهة في شؤون الحياة الرهباينة، كان كذلك في شؤون الكنيسة عموماً، لاسيما في حفظها من تسلط الأباطرة والموظفين المتنفذين والوقوف في وجه ممارساتهم الكيفية واستهانتهم بالحق الكنسي. من ذلك وقوفه في وجه الإمبراطور قسطنطين السادس بعدما طلق زوجته لسبب أهوائي وأراد الاقتران بأخرى. وقد أبى البطريرك مباركة زواجه، فأتى الإمبراطور بكاهن تمم الزواج. وتحول التحدي إلى صراع طالما عانت منه الكنيسة في علاقتها بالدولة: سعي الدولة إلى فرض نفوذها على الكنيسة وسعي الكنيسة إلى الحفاظ على استقلالية قرارها. وقد كان لثيودوروس دوره في هذا السياق لاسيما وأنه كانت للرهبان، عموماً، كلمة يقولونها في القضايا التي تمس الكنيسة، عقائد وقوانين. وكانت النتيجة أن احتدمت المواجهة وعمد الإمبراطور إلى نفي ثيودوروس إلى تسالونيكي حيث مكث في ضيقات وشدائد سنة كاملة إلى أن تمت إزاحة الملك قسطنطين عن كرسيه فعاد ثيودوروس إلى ديره مظفراً واعتبره الشعب المؤمن رمزاً لصمود الكنيسة في وجه عبثية الحكام: ولكن، لم تطل إقامته في ديره كثيراً إذ اضطر في العام 798 للميلاد إلى مغادرته إلى القسطنطينية بعدما تواترت غزوات العرب لناحية جبل الأوليمبوس. هكذا انتقل أهل دير ساكوذيون برمتهم إلى الدير المعروف باسم "ستوديون" في القسطنطينية، نسبة إلى القنصل الروماني "ستوديوس" الذي أسسه في العام 463 للميلاد.

في القسطنطينية، بدأت مرحلة جديدة من حياة القديس ثيودوروس استبانت أكثر خصباً ونضوجاً من التي سبقتها حتى اقترن اسمه باسم دير "ستوديون"، لأنه منذ أن وطئت قدماه الدير الجديد باشر فيه حملة مركزة لإزكاء الحياة الكنسية مما جعله ولأجيال، أنموذجاً للعديد من الأديرة، لاسيما لدير اللافرا الكبير الذي أسسه القديس أثناسيوس الآثوسي في القرن العاشر، وللأديرة الروسية ابتداء من القرن الحادي عشر. يذكر أن عدد رهبان دير "الستوديون" ما لبث أن تعدى الألف. وقد اهتم ثيودوروس بجعل الحياة المشتركة فيه على النمط الباسيلي أكثر من دير ساكوذيون. ففي "ستوديون" كانت حياة الرهبان صورة أمينة عن الحياة في الكنيسة الرسولية: قلب واحد ونفس واحدة وكل شيء مشترك (أع32:4). لم يكن للرهبان قلالي خاصة بل عنابر واسعة يشتركون فيها ولا يلبسون إلا ثوباً واحداً يتبادلونه من وقت إلى آخر. كانت شؤون الدير تنتظم كل يوم بلياقة وترتيب وكان ثيودوروس قد اعتمد كموسى قديماً (خر18) نظاماً وزّع فيه المهام الروحية والمادية وفقاً لتراتبية معينة بحيث أمكنه أن يشرف على سير شؤون الدير وأن يبقى أباً لكل واحد من رهبانه.

اعتاد ثيودوروس، أثناء الخدم الإلهية، أن يقتبل اعترافات الرهبان وكشفهم لأفكارهم. وكان يعظ ثلاث مرات في الأسبوع خلال خدمة السحر. وقد وضع أعداداً من الأناشيد الكنسية. والمعروف أن كتاب "التريودي" لدينا يعود إليه.

كان الدير أشبه بخلية نحل نشطة يعمل فيها كل راهب وفقاً لطاقته وموهبته: فهناك رسامو الإيقونات والنساخ والمزخرفون وهناك الصناع والحرفيون. كل ذلك وغيره جعل الدير المركز الإيماني والثقافي الأول في زمانه.

وأن هي إلا سنوات معدودات حتى تعرض ثيودوروس للنفي من جديد. هذه المرة لأن قطع الشركة مع البطريرك نيقفوروس بعدما أعاد هذا الأخير الاعتبار للكاهن يوسف الذي تجرأ فبارك الزواج غير الشرعي للإمبراطور قسطنطين السادس كما سبق فذكرنا. كان ذلك في العام 809 للميلاد وقد اهتم ثيودوروس من منفاه بتوجيه العديد من الرسائل إلى تلاميذه والمؤمنين.

استمرت فترة نفيه هذه سنتين عاد بعدها إلى ديره لينعم بسنوات قليلة من السلام. ثم في العام 815 للميلاد بدأ مواجهة جديدة شرسة ضد الإمبراطور لاون الأرمني الذي باشر، من جديد، حملة لاضطهاد مكرمي الإيقونات والقضاء عليها. وقد كانت لثيودوروس في الدفاع عن الإيقونات عظات ومقالات كثيرة. وقد عمد، في موقف تحد، في أحد الشعانين من العام 815 للميلاد، إلى تنظيم مسيرة في الشوارع اشترك فيها ألف راهب حملوا الإيقونات ورتلوا الأناشيد إكراماً لها. وكانت النتيجة أن تم سجنه ونفيه من جديد. ورغم أنه كان ممنوعاً عليه أن يراسل أحداً فإنه تمكن من كتابة عدد كبير من الرسائل وجهها إلى رهبانه وإلى المؤمنين هنا وهناك. إذ ذاك جرى نقله إلى برج في أقاصي الأناضول للحؤول دون اتصاله بالعالم الخارجي. وقد عانى من الرطوبة والبرد ومنع عنه الطعام إلا خبزة كل يومين. ومع ذلك لم يفقد شيئاً من شدة عزمه وإصراره على المراسلة. لسان حاله كان ولو انقطع عني ورق الكتابة لاتخذت جلدي ورقاً ولو جف المداد لاستعنت بدمي. ويبدو أن تلاميذه كانوا من الحيوية والنشاط بحيث وفروا له ما يحتاج إليه من ورق وحبر فكتب المئات من الرسائل، حتى بلغت أورشليم وروما والإسكندرية.

إلى ذلك تعرض ثيودوروس للجلد مرات وترك يسبح في دمه، لكن الله كان معه. واستمرت حاله على هذا المنوال حتى العام 820 للميلاد. ولكن، حتى بعد ذلك لم يعرف الهدوء تماماً إذ أن الملك ميخائيل الثاني الألثغ (820 -829) أخرج المساجين من سجونهم وأعاد المنفين من منافيهم، ولكنه لم يعد الاعتبار للإيقونات. لذلك هاجم ثيودوروس الملك بعنف لموقفه في العام 824 للميلاد فأخرجه الملك من العاصمة فتنقل بين عدة أديرة إلى أن وافته المنية في 11 تشرين الثاني من العام 826. يومها كان قد تحول من كثرة الأتعاب والمشاق إلى شبه هيكل عظمي وكان مرض خطير قد أصاب معدته. وقد سأل تلاميذه أن يأتوه بالقدسات. وبعدما تناولها قال لهم أن يبدأوا بخدمة الجناز. وفيما كانوا يتلون المزمور 118 وقد بلغوا الآية 93 التي فيه: "لن أنسى فروضك أبداً لأنك بها أحييتني" أغمض عينيه وأسلم الروح. عمره يومذاك كان قد بلغ السابعة والستين.

 

تذكار القديس مينا (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولد مينا في مصر في أواسط القرن الثالث. ومنذ حداثة سنّه شعر بميلٍ إلى الجندية فأحبّها. فلمّا بلغ أشدّه إنخرط في سلكها. لكنّه لمّا ذاق طعمها كره عذوبتها، فتركها، وآثر التجنّد في الجندية السماوية والملائكية. فانفرد في البريّة وبدأ حياة النسك الشديدة حتى صار من كبار النسّاك في تلك الأيام.

فلمّا ثارت زوبعة الإضطهاد على المسيحيين في أوائل القرن الرابع، على أيام الملك ذيوكلسيانس، أراد مينا أن يضحّي بنفسه في سبيل إيمانه، ويعطي المسيحيين مثلاً رائعاً في الشجاعة التي يجب أت يتّصفوا بها أمام سيوف المضطهدين، فتقدّم إلى الولاة الجائرين واعترف بجرأةٍ وبسالةٍ بالمسيح.

فعُذّب كثيراً، وجُلد بقساوة، ومُزّق جسده بأظفار من حديد، وأحرق بالنار، واضطُرًّ أن يمشي حافياً على قطع من الخزف المسنّن. ولمّا لم ينل منع معذّبوه مأرباً ضربوا عنقه، فطارت نفسه إلى مقر الأبرار الشهداء، تنعم إلى الأبد مع المسيح الملك في السماء.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس الشهيد فكتور

كان فكتور من بلاد إيطاليا ومن مدينة رافِنّا. فقُبض عليه وكُبِّل بالسلاسل وسيق أمام الولاة لأجل إعترافه بالمسيح، وذلك في أواسط القرن الثاني، على عهد الملك أنطونينُس قيصر. فعُذّب كثيراً، وفُكّكت عُفَد أصابعه، وطُرح في أتون النار. ولمّا وُجد أنّه لا يزال حيّاً سُقي سُمّاً مميتاً. فشربه ولم يُصب بأذى. فلدى حدوث تلك الأعجوبة الجديدة آمن الساحر الذي صنع السمّ بالرب يسوع. أمّا الشهيد فكتور فإنّه أنهى جهاده بتقديم هامته المجيدة للقطع. وهكذا فاز بإكليل النصر والإستشهاد.

فلمّا تدحرج رأسه على الأرض، أخذت الحمية إحدى النساء المسيحيّات الحاضرات، وكانت تُدعى إستفاني، فسبّحت الرب بصوتٍ عالٍ على ما بدا من الشهيد فكتور من الشجاعة والبطولة. فقُبض عليها، فاعترفت بالمسيح وهي تتغنّى بأمجاد الإستشهاد. فأمر بها الحاكم، فعُلّقت بين شجرتين وضُربت بالسيف فشُطرت شطرين، وهكذا حملت سعف الإنتصار، ولحقت بالشهيد فكتور إلى مقر السعادة والأنوار.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : القديس الشهيد فكنديوس

يقول السعيد الذكر البطريرك مكسيموس مظلوم في كتابه "الكنز الثمين" أنّه قد سفك دمه لأجل المسيح في مدينة أفغوسطا، وأنّه بعد أن قُطعت هامته فاز بإكليل الإستشهاد. لكنّه لا يذكر الزمان ولا من أي شعب كان هذا القديس.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : البار ثاوذورس المعترف الأستوذيتي

أنّ هذا البار لمع في القرن الثامن بعلمه وفضيلته ونسكه، وبما احتمله من الشدائد سبيل دفاعه المجيد عن الأيقونات المقدّسة وواجب إكرامها والتعبّد لها.

ولد في مدينة القسطنطينية في أواسط القرن الثامن، ونال حظّاً وافراً من التربية الصالحة والعلوم الفلسفية حتى صار من أبرز رجال زمانه. ثم عافت نفسه الدنيا وضوضاءها، فتركها وذهب فترهّب في دير سَكوذيون، في جبل أولمبُس في بيثينيا.

فلمّا أضحى القديس تراسيوس الشهير بطريركاً على القسطنطينية، سنة 784، وكان يعرف ما امتاز به ثاوذورس من إيمان صحيح، وعلمٍ ناضج، وفضيلة عميقة، رقاه إلى درجة الكهنوت. ثم بعد قليل إختاره الرهبان لرئاسة الدير الذي كان فيه، ولم يكن له إذ ذاك من العمر سوى ثلاثين سنة.

فقام ثاوذورس بإدارة ذلك الدير الكبير، وبإرشاد رهبانه، بكل ما أوتي من علمٍ وغيرة وتفانٍ. وكان يسهر على تقديس نفسه قبل أن يعنى بتقديس نفوس أبنائه. وكان هو الأول في الصلاة، وفي حفظ الأصوام، وفي احترام القوانين، وفي تزيين ذاته بالكمالات الإنجيليّة، ليكون مثالاً لرهبانه. فسطعت الحياة الرهبانية في ذلك الدير بكل سناها، وصار إسم ثاوذورس شهيراً في القسطنطينية، وفي الأديار العديدة المنتشرة في ضواحيها.

وفي سنة 597 تعكّر صفاء الجو البطريرك العظيم تراسيوس والملك الشاب قسطنطين ، لأن الملك هام بعشق الأميرة ثاوذوتي، ورام أن يطلّق إمرأته الشرعية ثاوذورة ليتّخذ تلك زوجة له. فقام تراسيوس يُسمع صوت الله وصدى الشرائع الإلهية المقدّسة. وشدّ الرئيس ثاوذورس أزر بطريركه وقام يسنده، ويبيّن شذوذ الملك. فغضب قسطنطين عليه، ونفاه إلى مدينة تسالونيكس. إلاّ أن الملكة إيريني ما عتمت أن أعادت الرئيس إلى ديره بكل إكرام وإجلال.

فلمّا أقلقت غزوات العرب البلاد، وظهرت طلائع جيوشهم حتى عند أبواب القسطنطينية، ترك ثاوذورس ديره ولجأ إلى العاصمة. فقبله الرهبان بكل حفاوة في دير الأستوذيون وأقاموه رئيساً عليه.

إلاّ أن هذا البار لم ينعم طويلاً براحة البال. لأن الملك لاون الأرمني (813- 820) المحارب للأيقونات أثار على الكنيسة ورجالها، ولا سيّما على الرهبان والأديار، حرباً أليمة فظيعة. وصبّ جام غضبه على ثاوذورس ورجال ديره، لأنّ هذا الرئيس العظيم كان قد حمل علَم الإيمان القويم، ونزل إلى ميدان النضال، يجاهد بقلمه ومواعظه وكلامه عن إيمان المجمع المسكوني السابع، الذي كان قد رشق بالحرم بدعة محاربي الأيقونات والقائمين بها، سنة 878، فاضطهده الملك لاون بأنواع الإهانة والسجون والنفي, فلم يعبأ بذلك كلّه، بل بقي القائد البطل الواقف على الأسوار، لا يكلّ ولا يملّ البتّة، لا ليلاً ولا نهاراً.

لكن الزوبعة هدأت بموت لاون. فقضى ثاوذورس بقية أيامه في ديره مطمئنّاً، متفرّغاً لأعمال النسك والإرشاد والتأليف، فأضحى من كواكب زمانه علماً وقداسةً. ورقد بالرب شيخاً طاعناً في السنّ، سنة 826.

وهو مثال الرؤساء الذين يجمعون بين حنان الرب، وحزم المدير، ودقّة المنظّم، والقدوة السامية الفُضلى في الحياة الرهبانيّة.

 

نياحة البابا بطرس الثالث (الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم من سنة 481 ميلادية تنيح القديس العظيم الأنبا بطرس السابع والعشرون من باباوات الإسكندرية. وقد قدم بطريركا بعد نياحة القديس تيموثاوس البابا السادس والعشرين. وبعد جلوسه علي الكرسي الرسولي بقليل وصلت إليه من القديس أكاكيوس بطريرك القسطنطينية رسالة، يعترف فيها بالطبيعة الواحدة، كقول القديس كيرلس والقديس ديسقورس، وأوضح فيها انه لا يصح إن يقال بالطبيعتين بعد الاتحاد لئلا تبطل فائدة الاتحاد. فأجاب الاب بطرس برسالة يعلن فيها قبوله في الأمانة المستقيمة، وأرسلها مع ثلاثة من علماء الأساقفة فقبلهم الاب أكاكيوس بالاحترام وشاركهم في صلاة القداس وقرا الرسالة علي خاصته ومن يشايعه، ثم كتب رسالة أخرى جامعة إلى الاب بطرس الذي عند وصولها إليه جمع الآباء والأساقفة وقراها عليهم، ففرحوا بها واستحسنوا عباراتها ومعانيها، واعترفوا بشركته معهم في الأمانة الأرثوذكسية. وقد قاسي هذا الاب شدائد كثيرة من المخالفين له في الدين وفي الرأي ونفي من كرسيه مرة ثم عاد. وكان في نفيه مداوما علي تعليم الرعية ووعظها برسائله التي يرسلها إليهم. وفي حضوره بأقواله. وأقام علي الكرسي المرقسي ثماني سنين. ثم تنيح بسلام.

صلاته تكون معنا امين.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: تذكار استشهاد القديسين مقار الليبى وأفراميوس الرهاوى.

صلواتهما تكون معنا امين