المطران ابراهيم في قلب يسوع :أحبّوا بعضكم البعض كما طلب منّا يسوع
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى ابراهيم عظة جاء فيها:
"الرّاهبات الفاضلات، نتوجّه اليكنّ بالتّحية وننحني أمام أتعابكن في هذه المدرسة العريقة.
الأحبّاء الحاضرون في هذه الذّبيحة الإلهيّة المقدّسة الّتي تحملنا عبر السّرّ إلى قلب يسوع الّذي نحتفل بعيده، وغدًا قلب مريم، القلبين الأقدسين. كنيسة لها قلبان: قلب يسوع وقلب مريم، وإيماننا المسيحيّ يعيش بنبضين: نبض يسوع ونبض مريم. الّذي لم يجد بيسوع أخ ورفيق وصديق لا يستطيع أن يكون له قلب ينبض بإيمان صادق وحيّ، ومن ليس له قلب مريم هو يتيم من جمال حضور الأمّ في حياته، وقلبه أيضًا متعثّر.
لذلك نحن المؤمنون نفتخر بأنّنا نعيش في حمى القلبين الأقدسين، وزحلة طُبِعت وخُتِمَت بحضور هذه المؤسّسة وهذه الكنيسة منذ أجيال طويلة منذ عام 1903 لكن الحضور الرّهبانيّ للآباء اليسوعيّين سبق هذا التّاريخ وكان لهم دور كبير في نشأة هذه المدينة وإحياء تراثها وبناء حاضرها الماضي ومستقبلها الّذي نعيش نحن فيه كحاضر، ثمرة من أتعابهم ومن جهودهم، نحيي ذكراهم اليوم أيضًا ونطلب لهم السّعادة الأبديّة، أمّا الّذين يتابعون الرّسالة فإنّنا ننحني كما قلت أمام تكرّسهم وعطائهم اللّامحدود في زمن صعب، لأنّ الإنسان الّذي يعطي في زمن السّهولة هو إنسان عطاؤه أسهل بكثير، أمّا العطاء في الزّمن الصّعب فهو العطاء الحقيقيّ، العطاء من الحاجة الكبيرة الّتي تلمّ بنا من الدّاخل وأحيانًا تفقّدنا سلام القلب وسلام الفكر ونعيش في قلق على الحاضر وعلى المصير، وهذا هو شعور كلّ اللّبنانيّين اليوم الّذين لربّما اكتشفوا، المسيحيّون بنوع خاصّ، إنّ قوّتهم تأتي من العلاء من الله، لم يبقَ أحد على الأرض يستحقّ ولاءنا سوى يسوع المسيح وقلبه الطّاهر وقلب مريم الطّاهر، لذلك نحن اليوم نلتجئ إلى القلبين في هذه المدينة الّتي كرّمت هذين القلبين على مدى أجيال في مدرسة خرّجت لزحلة والمجتمع والعالم أجيالاً من الأدمغة الّتي لا تثمّن وقدّمتهم للعالم ممّا جعل العالم أفضل، وقبل القدّاس تحدّثت مع الأمّ سلوى فقالت لي إنّ رسالتهنّ تتركّز قبل كلّ شيء، وفوق كلّ شيء على خدمة الإنسان والاهتمام به ورفع شأنه، وهذا ما جعلني أفكّر كم أنّ الإنسان محترم ومقدّر ومخدوم في لبنان.
مع الأسف الإنسان خسر الكتير ممّن أولوا الإهتمام به وأصبح في بعض الأمكنة والظّروف أرخص الأشياء. والإنسان إذا ما اغتنى بحضور الله في حياته يبقى الأفقر في هذا الوجود، هذا هو الإنسان، لا شيء يرفعه إلى مستوى الكرامة المعطاة له مجّانًا من الله إلّا إيمانه والتزامه ومحبّته للرّبّ، واليوم اكتشف المسيحيّون في لبنان أنّ لا ملجأ لهم سوى قلب يسوع الطّاهر وقلب مريم، القلبين الأقدسين، لذلك إذا شاهدنا المتضرّرين من إيماننا ملتزمين يحاولون أن يدمّروا التزامنا، وإذا رأونا مؤمنين يحاولون دومًا أن يقلّلوا من إيماننا، أن يشكّكوا ويرموننا في الشّكّ، إذا لاحظ هؤلاء أنّنا كرّسنا ذواتنا للمسيح يرفضوننا أكثر فأكثر ويرفضون المسيح معنا، وهذا ما يقوم به المسيحيّون في لبنان، يركضون وراء حقوقهم وحقوقهم تركض أمامهم، وهم أحيانًا يفتكون ببعضهم البعض، هذه الأقلّيّة المهدّدة تفتك ببعضها البعض، لذلك أدعوكم اليوم بصرخة من القلبين، قلب يسوع وقلب مريم، وأقول "أحبّوا بعضكم البعض" كما طلب منّا يسوع وأوصانا. أن نحبّ بعضنا وندعم بعضنا، نساند بعضنا، نعضد بعضنا، وهذه القيم ليست غريبة عن زحلة، وهذا ما نلمسه في هذا الظّرف الصّعب، أناس تتعاضد، تتكاتف، تتساند وتمدّ يد العون لبعضها البعض.
أشكركم اليوم لدعوتي كي أكون معكم وأتمنّى أن يُعاد هذا العيد على الكنيسة وعلى هذه المؤسّسة التّربويّة الغالية لسنين طويلة، لمزيد من العطاء ومزيد من الخرّيجين والخرّيجات الذين يغيّرون وجه العالم من على كرسيّ الدّراسة، وأدعو الطّلّاب الحاضرين معنا أن يؤمنوا بذاتهم، يؤمنوا بالله وبمقدّراتهم وبالمواهب الّتي منحهم إيّاها الله، لأنّهم إذا نظروا إلى أنفسهم نظرة دونيّة، وكلّما انحنوا في نظرتهم إلى ذاتهم ورأوها دون المستوى، كلّما ابتعدوا عن النّجاح وكلّما ابتعد النّجاح عنهم. وأتوجّه إلى الأهالي لأقول: إرفعوا من قيمة أولادكم من خلال احترام الأبناء وتفهّمهم، استيعابهم ومحبّتهم من دون شروط.
أسأل الرّبّ أن يبارك عمل الرّاهبات وكلّ الحاضرين، وأن يعطيكم الفرح الدّاخليّ وسلام القلب والفكر آمين".
في نهاية القدّاس، بارك المطران ابراهيم القرابين وأقيم تطواف بأيقونة قلب يسوع في الشّوارع المحيطة بالكنيسة.