"قُم واحمل فراشك وامش؟"
إزدحامٌ بشريّ كبير اعترض سبيلهم ومنعهم من الوصول إلى المسيح في كفرناحوم، لكنّ إيمانهم الوثيق جعلهم يبتكرون طريقًا لا تخطر على بال، فصعدوا به إلى البيت حيث يسوع، نبشوا التّراب وخلعوا الخشب وأنزلوه في سريره مستعنين بالحبال.. اجترحوا المستحيل ليأمّنوا الشفاء لذاك المخلّع.
أمام هذا المشهد الإيمانيّ بامتياز، بنظرة ملؤها المحبّة والتّقدير والتّأثّر، كافأ يسوع هؤلاء الأربعة فغفر لذاك المخلّع خطاياه، وشفى روحه وأحياها قائلًا له "يا بنيّ، غفرت لك خطاياك" (مر 2: 5).
لكن للأشخاص المتزمّتين المتمسّكين بالحرف من دون روح قائلين في قلوبهم: "ما بال هذا الرّجل يتكلّم بذلك؟ إنّه ليجدّف. من يقدر أن يغفر الخطايا إلّا الله وحده؟" (مر 2: 7)، سألهم يسوع بوداعة "لماذا تقولون هذا في قلوبكم؟ فإيُّما أيسر أن يُقال للمقعد: غفرت لك خطاياك، أم أن يُقال: قُم واحمل فراشك وامش؟"(مر 2:9) كاشفًا لهم هوّيته ورسالته على الأرض "لكي تعلموا أنّ ابن الإنسان له سلطان يغفر به الخطايا في الأرض" (مر2: 10) ثمّ أمر المقعد "أقول لك: قُم فاحمل فراشك واذهب إلى بيتك" (مر 2: 11)، قام المخلّع كما أمره يسوع، حمل فراشه وخرج من البيت بصمت، هذه المرّة لوحده من دون ذكر رفاقه الأربعة ومساعدتهم فـ"دهشوا جميعًا ومجّدوا الله وقالوا: ما رأينا مثل هذا قط" (مر 2: 12).
أثبت يسوع بعمله هذا، أنّه هو من يغفر الخطايا كما شهد له يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الّذي يرفع خطيئة العالم" (يو 1: 29). هو من لدن الله الآب آت، أنّه المخلّص، الوديع والمتواضع القلب، جاء من أجل المرضى، مرضى النفس والرّوح قبل مرضى الجسد، لأنّ شفاء الرّوح يوصل صاحبه إلى الخلاص، إلى الملكوت على عكس شفاء الجسد وحده.